كتب :مصطفى فلاح
التقييم :4.5/5
إخراج :فرانك بافيتش (2014)
رُبما لا نعرف عن يودروسكيأكثر من خياله المُطلق و أفاقه الواسعة , أكثر من عوالمه السريالية اللصيقة بالذاكرة , ألا أن هذا السريالي الشغوف بالسينما , يُشبهها بالفضاء لا تنتهي , يراها عبادة و هو المُتعبد ؛ القادم من خلفية مسرحية طويلة الأمد يعشق الشاشة , يرى فيها أحلامه , يتكلم معها و ترُد عليه , عندما سُئل عن سبب وجوده في الحياة , جاء رده : "أن تخلق لنفسك روح ! بالنسبة لي , الأفلام هي وسيلة البحث عن هذه الروح"، يودروسكييُقدس السينما هكذا ! تخلى عن المشوار , غاب العقدين و هو في قمة الهرم , في رحلة البحث عن (الروح) , لماذا ؟ ، هذا العمل التوثيقي الرائع هو الجواب.
التشيلي المُخضرم يبدو فاقد الثقة بالأنسان كما في أعماله , بقدرته عن فّك القيود و التحرر منها , هو أشبه بغريب حطّ على الأرض كخلاص لأهلها (و هو يؤكد على ذلك) , له أجندة مُختلفة تماماً عنهم ، أن يخاطبهم بالسينما ! ، الشغف الذي وضعه في أكثر روايات القرن العشرين الملحمية ألهاماً له كانت أشبه بداء و دواءه , بثمل سينمائي و الإفاقة منه ، هو يرى في (Dune) الرواية , الكتاب المُقدس لأفلام الخيال العلمي , المرجع الأهم لرواد هذه الصناعة , أوديسا أفضل لصاحبها , و أعظم فلم ، لم نشاهده بعد !
مُخرج العمل فرانك بافيجيكشف السر , يحرص على رواية قصة خلف قصة : قصة صعود , قصة صراع , قصة تمسك بالمبادئ و بالهوية , صراع لا يمكن أن ينتهي إلا ، بالنصر ! ، يتنقل بدقة محسوبة و أسلوب سينمائي فذ بين المواد المؤرشفة التي تكشف عن جهد كبير و مُثير للأعجاب , بين مقاطع مُقابلاته مع من اختارهم يودروسكي للعمل معه في مشروعه الأهم الذي أبصر النور في عين غيره (ديفيد لينش) , مع من ترك فيهم الأثر البالغ (نيكولاس ويندنغ ريفنأحدهم) , مع من كانوا السبب في عودته لذلك المعبد الكبير (السينما) في توثيق بيوغرافيته ، بالطريقة المعهودة منه !