كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : جانجيرو ناكامورا ، سيتسوكو هارا
إخراج : ياسوجيرو أوزو (1961)
حصيرة من الخيش.
"لا أريد أن أصنع أفلام تثير وجهة نظر متشككة في العالم ، أشعر كأني أبدأ في التفكير بإيجابية من خلال خبرتي في الحرب ، وأريد أن أصرخ من أعماق قلبي بأن كل وجود في الدنيا جميل كما هو" - أوزو
(مانبي) يدير مصنع صغير للساكي ولديه بنتان ، بنت متزوجة من مساعد مانبي في المصنع ، وبنت غير متزوجة وتعمل في أحد المكاتب ، بينما أرملة ابنه الوحيد تعمل كموظفة في معرض فني ، يسعىمانبيلتزويج بنته وأرملة ابنه ، لكنهما غير متحمستان للفكرة ، يعود مانبيليزور من جديد عشيقته السابقة ، يصاب بأزمة قلبية لكنه يتعافى ، ثم يصاب بأزمة قلبية تودى بحياته وهو عند عشيقته ، في مشهد مهيب نرى جثة الأب أمام العائلة ، ينتهي الفيلم تاركاً العائلة حائرة لاتخاذ قرارات مهمة حول الزواج و بيع المصنع لشركة أكبر.
أوزويخلط الكوميديا (الأب اللعوب) بالتراجيديا (موت الأب) لكن هذا لا يمنعه من عادته التأملية لمستقبل اليابان بين التقاليد والحداثة ، آلام فقد الأب تشي بمرارة أوزومن فقد التقاليد رغم تفهمه أنها الطريقة الوحيدة الموجودة ، إحدى الفلاحات عندما ترى الدخان يتصاعد من مدخنة المحرقة حيث يُحرق جثمان الأب تقول : "إنها دائرة الحياة".
البعض يتهم أوزوبصنع نفس الفيلم دائماً ، بهذا المنطق يمكن اتهام كثير من الرسامين والموسيقيين بنفس التهمة ، الألماني "فاسبندر"يقول أن كل مخرج يحترم نفسه يمتلك موضوع واحد فقط يكرره كل فيلم ، الناقد روجر إيبرتيقول : "بعض الناس يتهمون أوزو بأنه يصنع نفس الفيلم مرات ومرات ، لكنهم مثل من يتعجبون من أن كل طفل يولد بعينين أثنين ! ، العبرة ليست بالعينين ، العبرة كيف ترى بهما !"، و يضيف في قول آخر : "أوزو ليس فقط مخرج عظيم ولكنه معلم عظيم كذلك ، وهو أيضاً – بعد أن تتعرف على أفلامه – صديق"
"أظن أن أوزو مثل عالم الرياضيات ، هو يعرف حياة اليابانيين جيداً ، ويصفها جيداً في أعماله ، كما لو أنه يحللها على نحو منفصل" - هاو شو شن .
أوزو– الدائم الحديث عن الزواج والعلاقات بين الآباء والأبناء – لم يتزوج أو ينجب ، أوزو– الذي صور مراراً معاناة خريج الجامعة مع البطالة – لم يذهب إلى الجامعة ، أوزوعاش مع أمه حتى ماتت ، وفي عيد ميلاده الستين مات بالسرطان بعد عامين من وفاة أمه ، بعد أن انجز نعيه لها في تحفته (ظهيرةيوم خريفي) ، يدفن معها في قبر واحد لا يحمل اسماً ، ولكن يحمل رمز صيني يعني "اللاشيء / الفراغ / العدم / الفضاء / المسافات بين كلالأشياء"، احتفظ أوزو طويلاً بالرمز الذي رسمه له راهب صيني منذ الحرب العالمية الثانية وأوصى بنحته على شاهد قبره ، جوار القبر بعض زجاجات الخمر لأن الياباني كان كثير الشرب حتى إنه كان يَعدّ أيام كتابة السيناريو مع صديقه الذي لازمه في الكتابة (كوجو نودا) بعدد الزجاجات التي شربها الاثنين ، بالتالي شخصياته كذلك كانت كثيرة الشرب.
أوزوفنان إنتقائي لا يساوم أو يضحى بشيء يريده ، لا يهمل أدق التفاصيل ، مما ينبئ بأنه شخص جدير بكراهية طقم عمله ، لكن المدهش هو كم الحب الذي يكنه الطاقم لأوزو، فالمصور – كمثال – عند أوزويكاد يكون شخص بلا عمل حقيقي ، فأوزويقوم بالمهمة كاملةً ، يختار زاوية ومكان الكاميرا ، يجلس ليراقب الممثلين من خلالها قبل التصوير ، ثم إن تركها بعد أن احس بالرضا يصبح لمسها جريمة لا تغتفر ، المصور "يوهارا أوتسوتا"لازم أوزو من بعد الحرب وحتى وفاته يقول :
"لقد كنت راعي الكاميرا ، هذا ليس تواضع زائف ، لقد كنت فخوراً بكوني راعي كاميرا أوزو ، خدمة أوزو كانت فخري وسعادتي ، لقد عملت مع مخرجين آخرين بعد وفاته ، لكني كنت بائس ، لم أكن أي مشاعر لعملي أو للمخرج الذي أعمل معه ، شيء ما قد اختفى ، أوزو استخرج مني أفضل ما لدي ، وأعطيته أفضل ما لدي ، لكن مع الآخرين ، أفضل ما لدي لم يعد موجوداً ، (يبدأ في البكاء) ، أنا مدين لأوزو ، أحياناً المرء يشعر بالوحدة ، اتركني الآن ، (ينتحب) ، نعم المرء يشعر بالوحدة ، لهذا كان أوزو بالنسبة لمن عمل معهم واهتم لأمرهم ، كان أكثر من مخرج ، كان بمثابة مَلِك ، (يبكي) ، أرجوك اتركني هنا وحيداً ، أنا أعتذر ، ياسوجورو أوزو كان رجل جيد"
حصيرة من الخيش.