كتبت : فاطمة توفيق
التقييم :3/5
بطولة :مادس ميكلسن ، سيسه بيبد كنوسن
إخراج :سوزان بير (2006)
لا تكف سوزان بييرعن دفع شخصيات أفلامها بكل مشاكلهم ونفسياتهم المعقدة إلى حافة الهاوية ، تضعهم على المحك ولا تترك لهم سوى خيارين ، إما تجاهل مبادئهم والتصرف بناءً على طبيعتهم البشرية الضعيفة ومشاعرهم ، أو اختيار مبادئهم بغض النظر عن أي شيء آخر.
كنت شاهدت لنفس المخرجة من قبل فيلم In a Better Worldو وجدته فيلماً جيداً جداً ، فهي تهتم بالطريقة التي تبني بها شخصياتها بشكل ممتاز (حيث أنها المؤلفة والمخرجة للفيلمين) كما تهتم بصنع حبكة مليئة بالتفاصيل الإنسانية ، كما أن الفيلم على مستوى الصورة مبهر ، وكذلك خلفيته الموسيقية ، إلا أنك قد تجد بعض الفتور و البطء ربما تتعمده هي لنقل الحالة كاملة .
الفيلم هنا After the Weddingيشبه In a Better Worldكثيراً ، ليس فقط فيما ذكرته من عناصر سينمائية و إنما في تشابه ظروف و حياة شخصياته ، في الفيلمين نجد الشخص الدنماركي المتطوع في البلاد الفقيرة (الهند / افريقيا) ، نجد المشاكل والتعقيدات في العلاقات الزوجية وتأثيرها على الأبناء ربما هي مهتمة بالقضيتين بشكل خاص ، وربما تهتم أيضاً بأن تُرِيَ المجتمع الدانماركي المرفه أنه في أجزاء أخرى من العالم توجد شعوب فقيرة جائعة ينقصها الكثير ، ويتضح ذلك بشدة في After the Wedding، ففي بداية الفيلم وبعد أن نشاهد الهندالفقيرة الحارة المزدحمة ننتقل فجأة إلى الدانماركالواسعة النظيفة المرتبة ، كما يتجلى ذلك أيضاً في شخصية (جاكوب) القادم من الهندوهو يتجول خلف موظفة الفندق في الجناح الفخم المخصص له ، وهو لا يعرف كيف يتعامل مع الأشياء فيه.
مشهدا البداية في الفيلمين متطابقان ، وهو الرجل الغربي الأبيض الذي يركب في شاحنة تسير بسرعة ويجري خلفها مئات من الأطفال الفقراء ، في الحقيقة عندما شاهدت المشهد في In a Better Worldاستفزني ووجدته عنصرياً ، إلا أنني عندما شاهدته هنا مرة أخرى فكرت أن المخرجة ربما تريد أن تبرز مدى هيمنة العالم الغربي - بالذات اقتصادياً - على العالم كله ، والتي تدفع بمئات من البشر للركض وراء شخص واحد للحصول على لقمة أو لعبة.
أعود إلى الفيلم هنا وكما قلت هو يبدأ بإبراز التناقض الواضح بين البلدين (الهندو الدنمارك) ثم يتسلل ببطء إلى الحياة الشخصية لأبطاله بشكل أحياناً لا تفهمه ، ثم وبعد مرور 70دقيقة من الفيلم يكتنفها الكثير من مواطن القوة والضعف سنفهم لماذا وضعت المخرجة هذه الخيوط منذ البداية ، وكيف ستضع شخصياتها في مفترق طرق وتجعلك تحتار معهم وتفكر من منهم يستحق تعاطفك ومن منهم لا ؟ ، كما أنها برعت في صنع شخصياتها هنا وجعلت من كل منهم تركيبة انسانية طبيعية بكل ما فيها من تعقيد وتناقض.
ينتهي الفيلم بنهاية وجدتها ضعيفة مقارنة بباقي الفيلم ، وأحسست أن المخرجة تحاول أن تسلك طريقاً آمناً ولا يكون فيلمها معقداً حتى نهايته فلا تخسر الجمهور الذي يشاهد السينما ليستمتع فقط ، كما وجدت أن نقطة ارتكاز الفيلم وقوته لم تعتمد فقط على حبكته وتعقيد شخصياته ، وإنما اعتمدت بشكل أساسي وقوي على أداء الممثلين فيه والذي كان مبهراً بدون استثناء أحد منهم تقريباً، في النهاية أعتقد انه يقف في منطقة وسط ما بين الأفلام الهوليوودية بحبكاتها المتقنة والمشوقة والأفلام الأوروبية بتركيزها على التفاصيل الانسانية ، كما يشوب الفيلم شيءٌ من طابع وثائقي يظهر خصوصاً في المشاهد التي صوّرت في الهند .