كتب :محمد السجيني
التقييم : 5/5
بطولة :آندرش دانييلسن لاي ، هانز أولاف برينر
إخراج :يواكيم تريه (2012)
في كُل عام ابحث عن عمل يُقدّم الثيمة التي احبّها ، (هؤلاء الذين ارادوا ان يكونوا شيئاً) ، او حتي ما اقترب منها ، واكون مُدركاً تماماً انها لو قُدّمت بشكل جيد سيُصبح الفيلم مُفضّلاً ، وخلال اربعة سنوات كاملة - بالتحديد منذ ظهور مُصارع ارنوفيسكي - لم اشاهد عملاً قدّمها كما اتمنّي ، وخرجت بقناعة انه من الصعب مُشاهدة عمل كهذا مُجدداً ، لكن فيلم يواكيم ترييهالاخير هدم قناعتي تماماً .
الفيلم الثاني للمُخرج يواكيم ترييههو فيلم عظيم ، يفتتحه الرجُل بمشهد مُهم يحاول فيه اندرشالانتحار ، يبين فيه يواكيمللمُشاهد اي شخصيّة هو مُقدم علي مُشاهدة رحلتها ، تبدأ الرحلة من المركز الي اوسلو ليقوم بلقاء عمل ، كفرصة لمُحاولة اصلاح الامور ، لكنها تتحوّل الي (كارثة) ، اندرشينفجر عند سؤاله عن فراغ سيرته الذاتيّة ، فيرحل ويلقي بسيرته في سلّة المُهملات،وتمتد الأمور الي رفض اخته ان تقابله ، وتجاهل حبيبته السابقة له ، امور تجعله يشعر بفجوة زمنيّة تركها خلفه ، وتجعله يشعر ان المدينة تلفظه ، وتأمره بالعودة من حيث جاء،في المساء يعود اندرشللحفلات والشُرب كمحاولة للعودة الي الحيَاة ، لكن الامر يبدو مُستحيلاً ، اندرشيخبر الفتاة التي اعجب بها ان ما دار بينهما سيُنسَي!! فقط هكذا سيُنسي ، مشهد عبقري عن هذا الثُقل الذي يحمله في نفسه والجراح التي تأبي مُبارحته،يعود الي منزله ، ويتناول حُقنة مُخدّرة ، ويرقد علي سريره في سلام،
يواكيم ترييهفي عمله هذا يُثبت انّه مُخرج قدير ، الرجُل يجعلنا "نشعر"بما يواجهه اندرشلا "يُخبرنا"شيئاً ابداً ، فقط يلعب علي جُزئيّة احساس شخصيته الرئيسيّة والاهم ان العمل يتجاوز ذلك و"يلمس"فينا هذه الجُزئيّة ، عندما تبدُو الامور مُنتهية لأي سبب ، ليس بالضرورة ان تكون الادمَان فحسب ، يلمس فينا ذلك الشعُور الصعب بأن الحياة غدت بلا معني او طائل ، يجعلنا "نعيش"مع اندرشوهو يفقد تدريجيّاً جدوي وجوده علي قيد الحياة ، "نُجرّب"شعوره بالغُربَة وهروبه من الناس كم المشاهد الاختزاليّة في هذا الفيلم يستحق التقدير ويدعو للتأمُّل فعلاً ، يُخبرنا في البداية بمشهد اختزالي عظيم اثناء جلوسه مع صديقه عن مآساة اندرشورغبته في الانتحار ، ثُم يلقينا بعد ذلك نحن وبطله في مدينته اوسلو، يُصعّب الامر اكثر في مشهد لقاء العمل حين ينفجر اندرش ويترك كُل شيء ويرحل،والمشهد الايقوني حين يستند علي ريبيكاوهي تقود الدرّاجة في واحد من أفضل مشاهد الرغبة في الانعتاق التي شاهدتها في حياتي ، الانعتاق الذي يرفضه اندرشحين يكون في صورة الأمل ، لأنه مُرهَق ، ويرغب في الراحة الابديّة،
وعلي صعيد الآداءات ، اندرش دانييلسن لاييُقدّم اداءاً جباراً ، يُشبع شخصيته بالعُمق ويبدو حقيقياً للغاية ، تعبيرات وجه الرجُل الذي يحاول ان يبدأ من جديد ، وتطارده ذكريات أليمَة ومُستقبل مُبهَم ، هذا هو الاداء الرجالي المٌفضّل بالنسبة لي في 2012 فيلم اوسلو هو فيلم مُهم ، صادق وحقيقي الي اقصي درجَة ، عن الخواطر المكسورة،عن ذلك الماضي الذي يملأنا والمُستقبل الذي يُقلقنا ، عن تلك الجراح التي تأبي مُبارحة نفوسنا وتطاردنا ايّما ذهبنا ، وقبل كُل هذا هو عن ذات تاهَت ، وروح اُرهِقَت ولم يعد يعنيها شيء ، هذا هو فيلمي المٌفضل في 2012 .