كتب :عماد العذري
التقييم : 5/5
بطولة :شيرلي ماكلين , ديبرا وينغر , جاك نيكلسون
إخراج :جيمس ل. بروكس (1983)
عن رواية للاري ماكمترييتناول الفيلم الأول لجيمس ل. بروكسو الذي منحه ثلاث جوائز أوسكار شخصية عام 1983 ثلاث عقود في حياة أوروا غرينوايو إبنتها إيما , و يفتتحه بمشهد لا يتجاوز الدقيقة الواحدة لكنه يكون كافياً لنعرف طبيعة العلاقة التي ستربط المرأتين : أمٌ مهووسة بطفلتها و شديدة التعلق بها , وعندما تمر مرحلة المراهقة و تفلت إيمامن إنفتان والدتها بها تتعلق بمعلم في مدرسة يدعى فلاب هورتونو تتزوجه فتجد أورورانفسها بعيدةً عن الهوس الذي غمر حياتها طوال عقدين ماضيين , عندما تكتشف فجأةً بأنها أصبحت جدة و أن الوضع الآن لم يعد كما كان سابقاً .
العمل بمجمله هو في الواقع عبارة عن فيلمين يشغل أولهما ثلاثة أرباع المدة تقريباً , في الفيلم الأول يراقب بروكسعلى مدى عقودٍ ثلاث العلاقة الخاصة بين أمٍ مهووسة بإبنتها و إبنةٍ يملأ الإشراق و التفاؤل حياتها رغم أنها لا تسير كما تحب دائماً , هوس ليس مصدره وحدتهما كما نفهم من المشهد الإفتتاحي الذكي الذي يقدم لنا كيف أن أوروراتفقد زوجها عندما تكون إيمافي العاشرة بينما هوسها بإبنتها بدأ مع مولدها , و من خلال مشاهدٍ متوازنةٍ و مدروسة يحاول بروكسأن يخبرنا بأن هوس أوروابإبنتها لم يتوقف حتى مع بلوغها العشرين , أمرٌ يكتمل عندما تصر إيماعلى الزواج من فلاب هورتونالمدرس الفاشل الذي لا تحبه أورورا , في هذه الجزئية يعمل بروكسبذكاء على تقديم فلاب هورتونبطريقة حيادية : هو يشعرنا بأن الرجل فعلاً ليس شخصاً مميزاً و أن تميزه يكمن فقط في عيني إيماالتي تحبه و تحب كل ما يفعل , و في الوقت ذاته لا ينفي أن موقف أوروراالسلبي من فلابينبع ربما أيضاً من شعور أمٍ مهووسةٌ بإبنتها التي تسلب منها , الشعوران يكتملان مع تقدم الأحداث تدريجياً , فحياة فلاب هورتونمع إيمالا تتقدم , و لا يتمكن الرجل من الإرتقاء إلى حياةٍ مرفهة لعائلته , في الوقت ذاته يبدأ شعور قاتل من الفراغ في حياة أورورانلمسه في حفلٍ تقيمه بمناسبة زواج إبنتها عندما تغضب بشدة لخبر حمل إبنتها , ترسم فيه شيرلي ماكلينبعبقرية نظرةً تجمع خشية أورورامن أن يكون قربها الشديد من إبنتها قد إنتهى إلى الأبد و ربما غضبها الخفي أيضاً من كونها أصبحت جدة , في هذه الأثناء تشكل أورورانظرة مبدأية سلبية تجاه جارها غريب الأطوار غاريت بريدلوف، رائد الفضاء السابق الذي يعيش على أمجاد الماضي في ظل ما يعانيه من فراغ واضح , نظرة منطلقها حجم الغرائبية و الفراغ الذي ترى أورورابأنه يعيشه , لكن أورورافي الواقع لم تكن أفضل منه , و عامان كاملان من العزلة يكونان كافيين لتصبح أوروراصديقةً مقربةً من جارها المجنون , في تلك الفترة كانت إيماقد أنجبت طفلها الثاني , ما يصر بروكسعلى أن يظهره لنا هو أن علاقة أورورابإيما لم تتوقف رغم المسافة التي تفصلهما , وهو أمرٌ يعود , قبل أن يكون للنص يدٌ فيه , للكيمياء العالية جداً بين شيرلي ماكلينو ديبرا وينغراللتين تنالان معاً ترشيحاً لأوسكار أفضل ممثلة , جدية الأولى رغم عاطفتها الداخلية و البهجة التي تنطق في عيني الثانية كافيتان تماماً لجعل العلاقة نابضة و حقيقية على طول الخط مهما كان تباعد الشخصيتين مكانياً و زمانياً .
العلاقة بين أوروراو إيمالا تقدم من منظور بعدٍ واحد هو بعد الأمومة , بل من منظور بعدٍ آخر هو الصداقة , أوروراو إيماهما أفضل صديقتين لبعضهما , في أحد المشاهد تصر أوروراعلى أن تقوم إيمابإجهاض حملها الثالث وعندما تسألها إيما (لاأدري لماذا أخبرك) تقول لها أمها (أتدرين إيما ؟ لأنني الشخص الوحيد الذي يخبرك الحقيقة) , هذه الجزئية لا يغفلها بروكسبل يقدمها بعناية تجعلها جزئيةً غنية في الفيلم , في كل مشكلة تواجهها إيمانرى مكالمةً هاتفية بين إيماو أورورا , في كل منعطف من منعطفات حياتها تكون أوروراموجودة , و عندما تنجب طفلها الثالث و يتدهور وضعها المادي بشدة تنحرف حياة إيما بعيداً عن نظر والدتها في علاقة عاطفية مع موظف بنك أنقذها من موقف محرج في سوبر ماركت , غافلةً عن علاقةٍ سرية لزوجها مع إحدى طالباته , في ذات الوقت التي تنحرف فيها حياة والدتها أيضاً مع جارها غاريت بريدلوف, الذي يقدم فيه جاك نيلكسون (الذي قاده بروكس لإثنين من أوسكاراته الثلاثة) شخصاً مقنعاً للغاية رغم غرابة أطواره عندما يستغل بروكسمشهد الشاطيء المجنون ليقدم سحر الرجل و جاذبيته و وقاحته كذلك , خصوصاً عندما ينجح في إقناع إمرأةٍ خمسينية وحيدة بالإنجذاب نحوه . كل هذا يحدث دون أن ينقطع تيار التواصل و لو للحظة واحدة بين أوروراو إيما , حتى وان لم يصعد ذلك إلى السطح ، و اكتفى بالإعتماد على الإحساس , الحوارات العابرة , و الكيمياء العالية بين الممثلتين ليقنعنا بطريقة صادقة بالوتر الذي لم ينقطع بينهما .
في الفيلم الثاني و دون مقدمات سابقة تصاب إيمابورمين خبيثين ليبدأ الجزء القاتم في الحكاية , في واحد من أذكى مشاهد الفيلم تسافر إيمامع صديقتها باتسيإلى نيويوركلتستعيد معنوياتها عقب الخبر الصادم , خصوصاً أنها لطالما حلمت بالذهاب إلى نيويورك , يصور لنا بروكسكيف أن صداقتها البسيطة مع صديقة طفولتها أهم و أعمق و أكثر بقاءاً من تلك العلاقات التي شكلتها بيتسيفي نيويورك , و كيف أن العلاقات المصطنعة المصبوغة بالكثير من المادية في مدينةٍ ماديةٍ كنيويوركيشوبها الكثير من المشاكل الأعقد بكثير من ورمها الصغير (الأمرليس تراجيدياً إلى هذا الحد , الناس تشفى منه) , هنا تفقد إيما إهتمامها بالحياة و تبدأ بالتفكير بمستقبل جيد لأطفالها , منعطف يصل فيه أداء ديبرا وينغرالبراق طوال الأحداث السابقة إلى ذروة بريقه : كيف تحاول إيماإبقاء إشراقها و تفاؤلها رغم قرب نهايتها , قلبها الأبيض و إنكسارها بمجرد كلمة جميلة تسمعها من زوجها , قبل أن تودع ولديها في مشهدٍ لا يمحى من الذاكرة .
Terms of Endearmentتأمل عميق للغاية رغم بساطة سرده في العلاقات التي رافقتنا منذ بداياتنا , تلك العلاقات الحقيقية التي لا تتمزق و لا تصدأ مهما كانت الصعوبات التي واجهتها , ربما لأنها بسيطةٌ للغاية , حقيقيةٌ للغاية , صادقة و نابعةٌ من القلب .. للغاية , جيمس ل. بروكسيقدم في ظهوره الأول عملاً للذكرى , يضرب في صميم الدراما , و يرسخ قدمي الرجل كواحد من أفضل من يقدمون هذه النوعية من الدراما ، خصوصاً عندما يؤكد نجاحه هنا بتقديمه بعد أربعة أعوام من هذا الفيلم عمله السينمائي الأكثر قيمةً برأيي Broadcast News.