Quantcast
Channel: مشاهدات سينمائية
Viewing all 508 articles
Browse latest View live

Great Expectations

$
0
0
كتب : عماد العذري

التقييم :4.5/5

بطولة :جون ميلز ، ألك غينيس ، أنتوني واغر
إخراج :ديفيد لين (1946)

على مدار تاريخ السينما كان الأدب هو المعضلة الأبرز ، المزايا التي وفرها و استطاع من خلالها التعاملَ مع الجمهور في الموضع ذاته الذي عجزت السينما عن التعامل معه ، لذلك أصبح من الملفت الحصول على اقتباسٍ سينمائيٍ جيد لعملٍ أدبيٍ مهم ، ميزة الإقتباسات العظيمة أنها قادرة على إثبات قيمتها بمفردها حتى لعشاق العمل الأدبي مهما كان كلاسيكياً و معروفاً ، هذا الفيلم يفعل ذلك .

على مدار ستة أسابيع صوّر ديفيد لينخامس أفلامه مباشرةً بعد النجاح الكبير لرائعته Brief Encounterمقتبساً كلاسيكية تشارلز ديكنزأو على وجه الدقة مقتبساً المسرحية الناجحة المقتبسة عنها و التي لاقت رواجاً كبيراً عند عرضها في بريطانيا في تلك الفترة ، و هو توجهٌ يبدو غريباً اليوم بالنظر لحقيقة أنديفيد لينكان بعيداً كل البعد عن الأدب الديكنزي طوال حياته الخاصة ، غرابةٌ تزداد عندما يتبع الرجل نجاحه في هذا الفيلم بنجاحٍ آخر مع ديكنزفي Oliver Twistبعد عامين ، الشيء الوحيد غير المستغرب هنا أن ديفيد لينكان عظيماً في النصف الأول من مسيرته التي انحرفت في نصفها الثاني نحو تقديم الملاحم السينمائية الفخمة التي ارتبطت بإسمه حتى اليوم .

الحكاية – كما يعرفها قراء العمل الأدبي – تأخذ منظور الراوي ، بيب، فتى من أسرةٍ متواضعةٍ تعيش في روتشستر، يحظى بيبفي طفولته برعاية أرملةٍ غامضةٍ تدعى السيدة هافيشامو سرعان ما يقع بحب ربيبتها الجميلة إستيلاالتي لا توليه اهتماماً ، في سن الرابعة عشرة يعود بيبإلى عائلته ليتعلم الحدادة قبل أن ينتقل إلى لندن – بمكرمةٍ من شخصٍ مجهول – لينال العلم و المعرفة و يصبح جنتلماناً .

قيمة هذا النص أنه يعيد تشكيل الصورة التي يفترض أننا شكلناها للرواية ، ليس على صعيد السرد أو الحدث و إنما على صعيد الشكل و التكثيف ، يرسل منظور الراوي إلى الخلفية حتى لا يكاد المشاهد يشعر بوجوده ، و يخفف من حدة الطابع الديكنزي للسرد و القائم دائماً على العاطفة و الميلودراما و حيث يتحرك الحدث أحياناً بناءً على مصادفاتٍ غريبة و تفاصيل عابرة ، لا يزيل النص هذه الجزئية لكنها لا تعود صارخةً كما هي لدى ديكنز، و في الوقت ذاته هو يضع النقد المجتمعي المعتاد في أدب ديكنزفي الخلفية البعيدة للحدث و يكثف عمله على دراسة التغيرات التي تصيب شخصية بيبالمنتقلة من تواضع المنشأ و بساطة الريف إلى بريق المستقبل و أضواء المدينة موازنةً فيها بين إرث الأول و أثر الثاني .

أعظم ما في هذا النص هو تخلصه المدروس من الحبكات الثانوية دون أن يقطع صلاتها بالحكاية الرئيسية مخلفاً فراغاتٍ تهز قيمته ، هذا فعال بطريقةٍ لن يقدرها سوى قراء العمل الأدبي ، لذلك لن ترى من شخصيات هافيشامو إستيلاو ماغويتشو هربرتو جوو المحامي جاغرزسوى الجزء الذي يغذي محور السرد السينمائي (بيب) ، العمل في جوهره هو عن العلاقات الفطرية التي شكلناها، نمت و كبرت معنا و كانت دائماً هناك في كل منعطفٍ من حياتنا ، لا يفقد النص امساكه بهذه الجزئية أبداً ، تبقى محور مراقبته لبيبمنذ البداية و حتى الختام و من خلالها يرتبط بجوو هربرتو إستيلاو هافيشام، كل ذلك يحركه الماضي دائماً ، تشعر بأن الماضي هو شخصيةٌ إضافيةٌ في الفيلم منذ اللحظة الأولى لبيبفي المقبرة ، يمنح لينللمشهد فعاليةً اضافية من خلال الجو القوطي الذي يضفيه عليه ، لا يجعل المشاهد – خصوصاً ذلك الغريب عن الرواية – يشعر بأنه مشهدٌ عابر أو افتتاحي ، الماضي هو روح العمل ككل ، لا يتورع عن التدخل في جميع مفاصل حياتنا : علاقة بيببماغويتش، علاقة بيببهافيشامو إستيلا، مبارزة الأيدي التي تحولت إلى علاقةٍ صداقةٍ طويلةٍ بين بيبو هربرت، و حتى علاقة المجرمين ببعضهما ، وحدها علاقة بيببزوج شقيقته جومن كانت تحتاج لعنايةٍ خاصةٍ من النص ، حتى من منظور المشاهد العادي الذي لم يقرأ العمل الأدبي تبدو العلاقة منقوصةً القيمة ، تلامس بخجل الأثر الذي ولدته رعاية جوالطويلة لبيبو التطورات التي رافقت علاقتهما على مدار سنوات .

في العمق يقدم النص في بيبشخصيةً حقيقيةً من لحمٍ و دم ، فيها صدق الريف و نبل الإنسان الذي أنقذ محتاجاً ذات يوم و في الوقت ذاته الرغبة المعجونة بالطموح تجاه أن يصبح سيداً محترماً له قيمته في المجتمع ، النص يتعامل كما ارادت الرواية أن تتعامل مع روح بيب، رحلتها الموزاييكية ، إيجابيتها الدائمة ، احساسها الذي لا يتوقف تجاه إستيلا، و المكانة التي تحتلها لدى السيدة هافيشامبكل جنونها و غموضها ، (من ناحية) هو يوظف ذلك ليخدم قيمة الماضي في تشكيل الشخصية – أي شخصية – و الأثر الذي يخلفه ارتباطنا الدائم به ، و معنى أن نمنح الماضي قيمةً تفوق وجوده كذكرى ، فيسيّر حاضرنا و يستولي عليه ، و المشهد العظيم لفتح ستائر المنزل هو خلاصة الحكاية على هذا الصعيد : نهاية عالمٍ بكامله استولى على منزل هافيشاملسنواتٍ طوال ، و (من ناحيةٍ أخرى) يجيد التقاط التطورات التي طرأت على شخصية بيببعناية و يقدمها بشكلٍ جيد ، بيتيتغير تدريجياً تجاه ماضيه لكن دون رعونة لأنه فتى طيب في جوهره ، ينظر النص بعمق في شخصية بيبكما أراد العمل الأدبي أن يخبرنا : بيبلم يكن يحتاج لهذه الرحلة الطويلة نحو المدينة ليصبح رجلاً و جنتلماناً ، لأنه رجلٌ منذ البداية ، ندرك منذ المشهد الإفتتاحي أنه شخصٌ يمكن الإعتماد عليه ، ربما يفتقد للمظهر الملائم ، لا يمارس سلوكيات السادة ، لا يمتلك المال الكافي للإنفاق على كل ذلك ، لكن النبل يجري في دمه ، شكّل الماضي كل أوجه حياته ، لكنه بقي بيبالذي عرفناه في البداية .

بذات العناية التي أدرك بهالنص روح العمل الأدبي يثبت ديفيد لين أنه مخرجٌ كبير ، ينجز هنا برأيي أفضل اقتباسٍ سينمائيٍ للرواية و واحداً من أفضل الإقتباسات السينمائية عموماً ، يتحرك مع ديكنزفي الأبعاد الثلاثة (الزمانية و المكانية و النفسية) لشخصيته الرئيسية ، لا يحاول السير عكس المشترك الذي تولّد في ذهن قارئ العمل الأدبي ، يدرك خصوبة الخيال الذي سيستقبل العمل المقروء في ذهن كل متلقي فلا يتحداه ، يمسك بالشيء المشترك فقط ، ينجز بفضل العمل المقدر لمدير التصوير غاي غرينو مدير الإخراج الفني جون برايان– و كلاهما كرّم بالأوسكار – على جعل الأجواء و التطورات تبدو مألوفةً للقارئ (و هي ذات الجزئية التي أقدرها أيضاً في فيلم جاك كونواي ATale of Two Cities) ، يمكن أن أستثني من ذلك مشهد المقبرة الإفتتاحي و مشاهد الذروة في قصر هافيشامالتي تبدو قطعةً من فيلم رعبٍ قوطي لأسبابٍ دراميةٍ جلية تخدم قيمة الاقتباس و تتفوق على ورق الرواية .

يمكنني أن أضيف لمأخذي على الفيلم بخصوص علاقة بيبو جومأخذاً آخر يتعلق بالكاستنغ ، جون ميلزالذي من الصعب الإلتفاف على حقيقة أنه كان في الأربعين و هو يؤدي دور بيبفي التاسعة عشرة ، جودة أداءه لا تلغي أن مظهره بحد ذاته يجعل الشخصية تبدو أكثر نضجاً مما يفترض خصوصاً و أن النضوج بحد ذاته هو ركنٌ أساسيٌ في رحلتها الموزاييكية ، مشكلةٌ أخرى مع فاليري هوبسنالتي يُضرُّ بها أن تلعب الدور ذاته الذي لعبته جيان سيمونزفي النصف الأول من الفيلم ، هوبسن– التي تؤدي دور والدة استيلاكذلك – لا تستطيع منحنا ذات الأبعاد التي وضعتها سيمونزفي شخصية استيلا، جيان سيمونزاختيار موفقٌ جداً من لينفي الدور ، جمالها و عجرفتها تبقيان معنا تماماً كما بقيت مع بيبو تطغى على صورة استيلاالكبيرة ، نفهم من خلال سيمونزلماذا أحبها بيبو تمسك بحبها طوال تلك السنوات ، مثل سيمونزيملأ فرانسيس سوليفاندور المحامي جاغرزتماماً ، كتلةٌ من الصرامة و العملية مع ملمح قلبٍ طيب يخفيه وراء الصورة ، مشهده وهو يحكي لبيبالحقيقة باقٍ معي على الدوام.

عام 1999وضع معهد الفيلم البريطاني BFIهذا الفيلم خامساً ضمن أعظم الأفلام البريطانية عبر العصور ، ثم في المرتبة الرابعة عشرة في استفتاءه اللاحق عام 2004، البعض يعتبر أن ديفيد لينبعد نجاح Oliver Twistكان يمكن أن يصبح بالنسبة لتشارلز ديكنزما كانه لورانس أوليفييهبالنسبة لويليام شكسبير، لكن ديفيد لينلم يستمر في ذلك المنحى و فضل البحث عن تحدياتٍ جديدة تثبت عظمته الإخراجية ، وجدها بعد سنوات في الملاحم السينمائية التي صنعت عظمة شراكته الطويلة – التي بدأت هنا – مع ممثله الأثير ، السير أليك غينيس.



Four Minutes

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم :3.5/5

بطولة :هانا هيرتشبرونغ ، مونيكا بلايبتروي
إخراج :كريس كراوس (2006)

يَعْرض العَمَل جُزءاً من سِيرَة ذاتيّة للسيّدة ترود كروغر (1917-2004) ، مُعلّمة بيانو مخضرمة ، علّمت البيانو للنسَاء في السُجُون علي مَدَي ستّين عاماً كنوع من الترفيه ، ذات ثقافة واسعة ، تبدأ في تعليم في فتاة صغيرة تُدعي جيني، مُضطربة نفسيّاً ومُتهمة في قضيّة قتل ، و ترَى فيها مَوهبة عظيمة ، وتتوالَي الاحداث .

الفيلم الثَاني للمُخرج كريس كراوسو عَبر درَاما مُظلمة في أكثر من جَانب ، يُقدّم - بشكل مُباشر - انطباعات رافضَة للعُنف والسجن والقَمع والسلطَة والأبويّة والانتحار والشذوذ ويُمجّد الجمال في صورة الموسيقَي، ينظر في تفاصيل الشخصيّات ويربطها بنظرته للأمور ويُسلّط الضوء بشكل حَاد حول مسألة "التخيير"، والصراع بين الأجيال ، والتأقلم مع الحاضر .

في الثُلث الأوّل من العَمَل شاهدت نصف ساعة من الأعظم خلال العَام ، تمنيّت حينها أن يُكمل النص على هذا المِنوَال ، لكن النَص يقع في مُشكلتين ، الأولى انزلاقه في الإفتعاليّة الوَاضحة ، هذا النص يهدِم تماماً ما فعله في ثُلثه الأوّل تماماً ، انطلاقاً من لحظة اقحَام اعتذارها لحارس السِجن ومشاكلها مع السجينات الأخريَات والعَلاقة العجيبة بينها وبين والدها ، نحن نعلم مٌسبقاً كم هي عنيفة ومتقلّبة وترَي العالم ظالماً ، رحلة الهُبوط في الاحداث المُفتعلة والتكثيف على الأمُور التي لا تستحق على حسَاب الجُزئيّات الاخرَى (كالتطوّر بين علاقتها بالمُعلّمة(مثلاً هَدَمت تماماً ما فعله النص في ثلثه الأوّل.

الثانيةتتعلّق بـ "كرتونيّة"المواجهَات و أشهرها علي وَجه الخُصوص اعتراف المُعلّمة لها انّها كانت تُحب امرأة شاذة ، لا اعلم فعليّاً جدوى هذه المُكاشفة خصوصاً ان المُشاهد يُفترض ان يعرف ذلك من المشاهد التي قدّمها بمونتاج رائع وسَط الأحداث.

كريس كراوسرَغم كُل هذا يَعمل وبجُهد وَاضح علي ايجَاد تلك الوصلة الاستثنائيّة بين الموهِبَة والألَم ، على الدَمج - الذي اعشقه عُمومَاً - بين مشاكل الشخصيّات ودواخلها والاطار العَام للبيئة المكَانيّة والزمانيّة دون ان يتفوّق احدهما علي الآخر.

أداءات عَظيمة من هانا هيرتسشبرونغو الراحلة مونيكا بلابتروي،اربع دقائقهو صَرخة غَضَب في وَجه الجَميع ، كادَت أن تكون ساحِرة كعزف البيانو فيه ، لولا ان حاوَل النص ان يُمنطق الصرخة بشكل زائد افقد الفيلم كثيرَاً جداً من عَظمته المُفترضة.


Blue Jasmine

$
0
0
كتب : فاطمة توفيق

التقييم :4/5

بطولة :كيت بلانشيت ، سالي هوكنز
إخراج :وودي آلن (2013)

الفيلم الأخير لوودي آلان، وهو ينتمي بشكل ما لسلسة أفلامه الأخيرة ذات الصورة المبهجة للعين والحبكات التي تمر بخفة أمام عقل ونفس المشاهد.

في البداية تظهر جاسمين (كيت بلانشيت) وهي تثرثر على الطائرة مع جارتها في المقعد ، مما جعلها بالنسبة لي المعادل الأنثويلوودي آلان، حتى تعَرّفْت على شخصيتها أكثر ، مشكلة جاسمينليست كشخصيات وودي القديمة ، هي لا تعاني من من تلك الأسئلة المتروكة بدون جواب ، لا تعاني من روح قلقة منذ الصغر أو اضطهاد مع المجتمع أو مشاكل مع عائلتها ، بل الأمر كان أكثر سلاسة بكثير فهي الفتاة المدللة لأمها ، كما تزوجت من رجل غني ووسيم يلبي كل متطلباتها حتى انتهى امره بالافلاس ، مشكلة جاسمينأنها لم تتعرف على حقيقة الأمور منذ البداية ، حقيقة نفسها ، والعالم ، معنى الغنى والثراء الحقيقي ، ولم تكلف نفسها عناء البحث واتخذت من الخيارات السيئة طريقاً لها منذ البداية ، ثم يأتي ووديهنا ليضعها في مفترق طرق بعد أن انتهى كل شيء ، هل ستختار خيارات سابقة مرة أخرى أم ستُحسِن الاختيار هذه المرة ؟ ، وهذا سيؤدي لسؤال آخر وهو هل يتغير الانسان بفعل الظروف أم يبقى كما هو ويتغير فقط بإرادته ؟

في الحقيقة ، سهولة هذه الأسئلة أو مباشرتها بشكل ما جعلت من الفيلم خفيفاً محبباً للنفس ، بجانب الدور العظيم الذي ساهمت فيه ألوان الصورة المائلة دوماً للأصفر المشرق المنعش (وفي هذا مفارقة ، فكل ما يحيط بجاسمينأصفر يساعد على التفاؤل والانتعاش ولكنها ظلتBlueزرقاء بائسة ، لم تلتفت لحقيقة ما حولها من أمور) بالإضافة إلى الخلفية الموسيقية من أغاني الجاز العظيمة.

بالنسبة لأداء الممثلين ، يجب أن أذكر في البداية أنني أحب تمثيل كيت بلانشيت، من الممثلات المميزات بالنسبة لي وأكثر دور أحبه لها هو دور في فيلم قصير مع جيم جارمشفي فيلمه المميزCoffee and Cigarettes ، هنا في الفيلم ، وجدت آدائها كـ "جاسمين"جميل ، جيد جداً ويعلو في مشاهد انهيارها ليبرز قدراتها التمثيلية ، إلا أنني أجد أن كل المديح الذي نالته على هذا الدور زائد عن الحد ، لا تستحق به كل ذلك الثناء الذي قرأته أو سمعته وكان آخره تكريمها بجائزة أوسكار احسن ممثلة ، في الحقيقة أحببت أداء سالي هاوكنز أكثر منها بكثير وكنت أحب ظهورها على الشاشة أكثر.

في النهاية ، الفيلم جميل ، مسلي ، مبهج بألوانه وبالتفاصيل العشوائية لعالم جنجرأخت جاسمينبالذات وبموسيقى الجاز التي تغلف الفيلم ، هو ليس بتلك العظمة التي قد تنتظرها من ووديآلانإلا أنه أفضل من بعض أفلامه التي صدرت مؤخراً.

Like

La lettre

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :4/5

بطولة :كيارا ماستروياني ، بيدرو أبرونيوزا
إخراج :مانويل دي أوليفيرا (1999)

قدم المخرج البرتغالي هذا الفلم بعد ان تجاوز الثمانين من العمر ، وهذا يبدو جلياً على مضمون الفلم الذي يناقش نوعية من التغييرات انتقلت من زمان ذو خصوصية وقوانين محددة لزمن آخر ذو طبيعة مختلفة , لابد لرجل مخضرم عاش العديد من العقود ولاحظ ما حملته من تغييرات ان يقدمها بهذا الشكل .

الفلم حمل ثلاث ميزات بالرغم من استعجاله الغير مبرر في الدخول لقصته والتمهيد لعلاقة الحب المفصلية فيه بين كاثرين والمغني ، لكن دي اوليفييراكان يحتاج بشكل اضطراري لطرف ثالث ليكمل قصته ، الميزة الاولى هو مشاهدة أحد اداءات كييرا ماسترويانيوهي ابنه الممثل الايطالي العظيم مارشيللو ماسترويانيوملكة الثلج الفرنسية كاتريندونوف، لقد اخذت من والدها عينيه ، عمق تعابيرهما , وهل في هذه الحالة من هدية أفضل يقدمها مارتشيللولابنته ؟ ، بالرغم من أن الفلم لا يعتمد اعتماداً كلياً على اداء ممثليه ولا يبرزها بالشكل الجلي والواضح لكن كييرا هي احد الاشياء التي يمكن تذكر هذا الفلم بها ، وخصوصا ان دي اوليفييراكان يركز على تعابير وجهها الصامتة والمعبرة عن مدى الحزن والذنب الذي تعاني منه شخصية الفلم التي قدمتها .

الميزة الثانية والاهم , ان الفلم جاوب على سؤالٍ كثيراً ما تطرحه بشكل ضمني الافلام المقتبسة عن روايات الادب الكلاسيكي الانكليزية (Room with a ViewThe Age of InnocencePortrait of a LadySense and Sensibility) ، وهو ما كان ليحصل لو صورت هذه الروايات من منظور عصري و في زمن آخر ، ما دامت هذه النوعية من العائلات الارستقراطية والمحافظة موجودة في اكثر الازمنة انفتاحاً و تحرراً ، الفارق ان الافلام المقتبسة عن تلك الروايات تصور التحرر على شكل حدث طارئ ، بينما في هذا الفلم الذي سافر لفترة متحررة جداً اصبحت العائلات المحافظة فيه وتمسكها بعاداتها وتقاليدها امر غير منتشر او مفهوم ، الفلم فعلاً (كما أتى في مقدمة المراجعة) حاول ان يتصور اجابة عن هذا السؤال ، دون ان يفرض على شخصياته خيارات بعيدة عن اجواءها وافكارها ، وهنا كانت مفارقة الفلم ، ان ذلك المغنيهو ابن زمنه , بينما كاثرينالفتاة المتزوجة التي وقعت في غرامه لم تكن تنتمي للعالم الذي من المفروض ان تنتمي إليه , والذي اتى منه .

الميزة الثالثة ، التي جاءت لتدعم الميزة الثانية ، في مشهد اراه ابرز ما في الفلم , فأثناء نقاش دائر بين كاثرينوزوجها عن مستقبل علاقتهما الزوجية , يقتحم رجل فقير المشهد ويطلب منهما المال ويشرح لهما وضعه السيء , وسوء امكانياته وحال اسرته المتردي , وكأنه بتأويل آخر يُعيدهما للزمن الذي من المفروض ان يعيشوا فيه (فهما في غربة حقيقية عنه) ، وكأنه يقول لهما ان العالم لم يعد يتمركز حول علاقتكما ، لم يعد حبك لها او حبك له يعني شيء ضمن كل هذه الفوضى من الحروب والفقر , في عالم كسرت فيه كل الحدود , وماتت فيه كل الاصول الاجتماعية ، مشاكلكما العاطفية ترف بالنسبة لي , بينما حل كل مشاكلي لا يساوي اكثر من ورقة نقدية في جيب احدكما .

الفلم يتحدث عن نوع من المشاعر تبدو خارج زمانها تماماً , حتى الدين لم يعد قادرا على استيعابها (الدين بالمعنى التاريخي الذي لا يتغير بتغير الزمن) , الدين كان الطرف الاكثر ايجابية في فهم هذه المشاكل ، فكما العادة هو الجانب الذي يستطيع ان يؤوّل اي شيء لأي شيء ، ويبدو ان رسالة كاثرينالاخيرة كانت بدافع حقيقي في ان تعيش الواقع التي كانت في غربة عنه .

دي اوليفييراصارم جداً و بخيل في تحريك الكاميرا واستخدام التأثير العاطفي للموسيقا ، الرجل لا يستهلك الكثير من ادواته الاخراجية , يبدو انه يريد من المشاهد ان يكتفي بالتركيز على مضمون الفلم وافكاره اكثر من فلمية الفلم او الناحية التقنية له ، حتى و لو جاءت ناشفة او جافة , اعتقد ان افلام هذا الرجل لا تستطيع ان تحمل المتعة لجميع مشاهديه  لكنها ستحمل الكثير من الافكار الخارجة من قالبها الاعتيادي ، ربما نتيجة خبرة مخرجها الحياتية ، وهو الذي تجاوز الآن المئة عام .


Edge of Tomorrow

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :3.5/5

بطولة :توم كروز ، إيميلي بلنت
إخراج :دوغ لايمان (2014)

عن الآلة , البشر , و الغد الذي لم يحن بعد !

هذا واحد من الأفلام التي لن تحتاج فيها الى إدراك التريلر مُسبقاً أو إلقاء النظرات العابرة على فحوى ما ستشاهد , فحتماً ستكون نتيجة المشاهدة مُرضية أكثر من الأثنين ؛ نوع الأعمال التي ستصرخ أثناء مشاهدتها بكونك (شاهدت هذه اللقطة مراراً أو الحبكة مُسبقاً) , لكنك لن تستطيع أنكار تفرد كاتبه في منحه هذه الروح المُتقدة و تحلي مُخرجه بالنفس الطويل في جعله علامة فارقة بين أفلام الصنف .

ما راقني كثيراً في هذا العمل هو القالب البصري الذي يضمن دوغ ليمانلشخصياته و أحداثه موطأ القدم العميق فيه , فالأخير يُقدم الثيم المُثير (من أفضل ما شاهدت في حرب الآلة و الأنسان المُعاصرة) كجزء مكمل و مساند للنص و ليس كجزء أساسي في صنع النص , كما أعتدنا مؤخراً من (سنايدر) و كثيراً لـ (باي) , جاعلاً من مسرح الأحداث سلاحاً ذو حدين:  مشاهد أكشن مُكررة بشكل مُميز و متماسك جداً على وفرتها , و فسحة تأملية لعقل المُشاهد للتعامل مع الشخصيات رغم قلتها .

أدائياً , قد يكون من العبث الحديث عن أي أداء خارج أطار (كروزو بلنت) , كلاهما في القمة , رغم العالم الإفتراضي الواسع و جيش الآلة الجرار ؛ فمغزى السيناريو (عمود الفلم الفقري) هو ملاحقة بطلًي العمل اللاهثين و هما يجريان في حلقة مُغلقة يلتقي فيها خط البداية بالنهاية و الهدف واحد .. إقتناص الصياد ! ، فعلى ما يبدو أن ليمانإكتفى بشريط نيجاتف واحد لا يتعدى الربع ساعة و قام بقصه , لصقه , و إعادة قولبته عشرات المرات , ليصنع تويست شيقة تليق بفلم أثارة لا يقل في شأنه عن عمل نولانقبل الأخير أو رؤية دنكانجونزالأستثنائية في SourceCode .

القصة (مُقتبسة) بالطبع ليست بحاجة إلي الإشادة و يكفي ما قلته عنها في المقدمة , و كل من نال نصيب قراءتها أو الإطلاع عليها ، سيدرك ذلك ؛ و لكنها في الفلم تمت معالجتها بطريقة تتناسب و روح العصر الذي نعيشه , لم تفقد متعة و جمال ما شاهدنا من ملاحم خيال علمي مُشابهة ،Starship Troopers على سبيل الذكر ، من الأفضل أن تشاهده بذهن صاف , على الرغم من كونها لا تمتلك غلاظة الورق الكثيف في بعض مما ذكرنا , بل و تؤثر الإستمتاع على الإستسلام للتركيز المُكثف و أضاعة كليهما .


Birth

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم :3/5

بطولة :نيكول كيدمان ، كاميرون برايت
إخراج :جوناثان غلايزر (2004)

في الربع الأخير من الفيلم تخبر "آنا"الطفل الذى يدعى أنه زوجها الميت أنها وصلت لخطة تمكنهما من تجاوز عقبات اللغط الذى حدث ، لو كان الفيلم رائعاً لكان عدم التصديق و الذهول و الصدمة هم رد الفعل الطبيعي الذى من المفترض أن يُحدثه مشهد مثل هذا ، و لو كان الفيلم مترهلاً ضعيفاً لكانت السذاجة و الملل هما ما سيصيبا المُشاهد و هو يتابع مشهد مثل هذا ، حسناً الأمور تتعقد بين هذا و ذاك ، يتأرجح الفيلم بين صدمة الفكرة و سذاجة الطرح .

في نفس المشهد تنكشف الحقيقة فجأة داخل عقل آنا بعد أن يخبرها الطفل بأنه ليس زوجها الميت و أنه كان يكذب عليها في كل ما أدعاه ، "أنت لست سوى طفل صغير في حوض استحمامي"تقول "آنا"و هي تبكى ، ما بين اللحظة الأولى و اللحظة الثانية فراغات كثيرة لم يهتم الفيلم بملئها ، و لم يحاول ضخ تقلبات نفسية كان ينبغي أن تملأ تلك الفراغات .

أقوى مشاهد الفيلم في رأيي هو ذلك المشهد الذى تشاجر فيه جوزيفمع الطفل ، جوزيفتعامل مع الموضوع منذ البداية على أنه مزحة لا قيمة لها ، يتابع حياته و لا يكترث ، يمارس الجنس مع آناو كأن شيئاً لم يحدث ، يبحث عن شقق كي يتزوجا فيها في الوقت الذى تقضى هي وقتاً مع الطفل ، ثورة جوزيفعلى ذلك الطفل كانت في النهاية بسبب أنه لم يتقبل حقيقة أن آنا بدأت تقتنع بما يقوله الطفل ، فينسحب هو من المشهد تماماً و يظهر في النهاية عندما تعود آنا له بعد أن اكتشفت الحقيقة ، قوة المشهد تكمن في أنه وصل للذروة النفسية للشخصية الوحيدة التي من الممكن أن نقول عنها أنه تم التأسيس لها درامياً و نفسياً بصورة جيدة ، و هذا في حد ذاته عيباً قاتلاً في نسيج الفيلم ، شخصية آنا تبدو كما لو فُقد وسط تأسيسها النفسي ، حتى مع رسم خلفيات للشخصية ، هي طوال الأحداث تسير على وتيرة نفسية واحدة ، و فجأة تحولت من الدهشة إلى التصديق إلى عدم التصديق مع فراغات درامية في المنتصف لا تسمن و لا تغني من جوع ، لذلك تأتى مشاهد مثل مشهد الكلوز الشهير لآنافي الحفل الموسيقى كأنها أطول مما ينبغي حيث الاسترسال في ردود الفعل ، و مشهد الاستحمام الشهير لآنامع الطفل هو مشهد دخيل يؤكد فقط على ما قبله و لا يضيف شيئاً إلا لشخصية جوزيفكبداية لمشهد الشجار .

يحاول جواناثان جلازرأن يُكمل ما افتقده السيناريو ، يجعل في لقطاته هدوءاً و بروداً واضحين ، حتى يجعل من تأثير أي مشهد انفعالي كتأثير إلقاء حجر في بحيرة راكدة ، كما الهدوء ما قبل العاصفة ، يخرج بأداء جيد و موزون من نيكول كيدمانالتي توظف نظراتها كي تتعاظم حالة الصدمة و الحيرة التي تصيب آنا، لكن كل ذلك بالطبع مجهوداً ضائعاً على سيناريو مترهل في مناطق كثيرة منه .


بعد الموقعة

$
0
0
كتب : محمد السجيني

التقييم :3/5

بطولة :منة شلبي ، ناهد السباعي ، باسم سمرة
إخراج :يسري نصر الله (2012)

عندما تشاهد فيلماً ليسري نصر الله، اعلم أنّك مقدم علي تجربة مختلفة ، انت مقدم علي مشاهدة عمل لمخرج صاحب رؤي مختلفة ومُتمرّدة ، سواء اختلفت معه في اعماله او لا ، فلا تستطيع الانكار انّك عايشت واقعاً جديداً ، ثورياً الي اقصي حد ، وهذا ما يمنح فيلمه هذا حضوراً استثنائيّاً ، ففي هذا العمل ، يقدّم رؤية تسجيليّة تختلط بالروائية بشكل جيّد ، يبدأ العمل بهذه المشاهد المألوفة التي طُبعت في ذاكرة كل مصري ، عن اقتحام الخيّالة لميدان التحرير وهجومهم علي معتصمي التحرير ، ويُدمج بها في عمل مونتاجي يستحق التقدير ، مشهد باسم سمرةالذي يقدم دور محمود البيطار كأحد الخيّالة وهو يُضرب ضرباً مبرحاً وهو يمتلئ بالذهول !

في مشهد آخر يذهب محمودليحصل علي طعام لحصانه ويعامله الجميع بازدراء لمشاركته في اعمال ضد الثورة ، ينال اشفاق الناشطة الثورية ريم - منة شلبي - وترغب في مساعدته ، وتقع في حبّه في علاقة فجائيّة بلا معنى او هدف ، وربما جاءت في ضرورة رمزيّة في واحد من المشاهد الافتتاحية في العمل حينما يقبّل باسم سمرة منة شلبيفي منطقة مظلمة ترمز الي بداية علاقة الثوريين- ريم - مع الفئة التي قامت الثورة من اجلهم - محمودو امثاله.

ساءني في هذا العمل جزئيّات كثيرة خفّفت من اعجابي الفاتر بالعمل بعد لحظات من بدايته ، الأولى ترتكز حول امتلاء العمل بالكثير من المناقشات الصاخبة ، جنباً الي جنب مع المشاهد الارتجالية في بعض اجزاء الفيلم ، ممّا اثّر كثيراً علي توازن العمل وارتباط شخصيّـاته ، فالعمل في الكثير من الاحيان يطرح اسئلة صعبة وتشريحيّة ، معني الثورة ، حلقات الاستبداد الكلاسيكيّة ، كيف تثور لبشر لا تعرفهم ، كيف تعبّر عن من لا تعرفهم جيداً ، أيّهما يولّد الآخر ، الذل أم الفقر ؟؟!! ولكن المشكلة هنا ، في أن الأجوبة تصعد بشكل ذكي في بعض الأحيان ، وبشكل ساذج يفتقر للخبرة في احيان اخرى.

المشكلة الثانية هي أن الشخصية الأعظم ظهوراً في العمل هي اضعف شخصياته واكثرها توتراً وهي شخصية ريم، وعلي الرغم من ان منة شلبيقدّمت اداءاً عالج الكثير من ضعف الشخصية علي الورق الا انّ الضعف امتد على مستوى معالجة يسري نصر اللهلها ، فهذه الشخصية تدعونا الي اكتشاف الثورة علي مدى ساعتي العمل الا انّي لم استسغ مسألة تحوّلها في نصف العمل الثاني الي مجرّد بوق يقدم توعية مباشرة لمعنى الثورات لهؤلاء الغلابة الجهلاء الذين كادوا يجهضون الثورة (عشان اكل العيش) ، و في جزئيّة اخرى ، حتي وان تجاوزت عن علاقتها بمحمود بمسألة الرمزيّة التي اشير اليها ، وان كنت اعترف انها مسألة لا يحتملها الفيلم ، فعلاقة ريمنفسها مع زوجها بدت مترهّلة الي حد كبير ، هناك خلل واضح في شخصيّة ريمعلي الورق لم ينجح يسري نصر اللهفي معالجتها ، و بدت المسكينة منة شلبي حائرة في الإمساك بالشخصية ، كما انّي شعرت في الكثير من الأحيان بأن ريمثوريّة لمُجرّد ملء الفراغ !! .

مشكلة أخرى في أن يسري نصر اللهمال الى التفسير في امور فهمناها بالأساس ولم يفسّر اموراً احتاجت تفسيراً من دواخل الشخصيات بذاتها ، هذا الاسهاب المطلق لنظرة اصدقاء ريملأهل النزلة ، زوجها ، الشاب الذي يحضر العلف، كل هؤلاء كرّروا نفس النظرة بجمل مباشرة ، نحن فهمنا ان الأمر طبقيّاً يتخفّى وراء ان النزلة مكان للثورة المضادّة، في اسهاب آخر ، ترى حكاية هروب عبد اللهمن المدرسة تتّخذ منحني اكبر و افتعالياً الي حد كبير ، يتطوّر بشكل لم اتصالح معه الى المدرّسة التي تدخّن ، وبالطبع لم ترحمها ريممن مشهد جدلي ممل آخر لم يكن له داعي ، و بالطبع لم استسغ هذا التحوّل الكوميدي في شخصيّة المدرّسة التي كانت تصرخ وتأمر ، الى شخصيّة هادئة - في نفس المشهد - قائلة لريم"تعالي بس اقولّك .. دقيقتين بس !!!!!!"، حتي شخصيّة الحاج عبداللهالتي ظهرت في أوّل العمل ثم تتكدّس مشاهدها في الثلث الأخير من العمل ، في اشارة واضحة الي ترهّل العمل والخلل في توازنه ، الخطوط النهائيّة للعمل نفسها لم تقنعني، مسألة عودة ريملزوجها ، اعادة محمودالسلاح للحاج عبد الله لمجرّد رؤيته لابنه يراقص الحصان ، لم أكن لأرفض فكرة أن يظل محمودكما هو ، و نرى المستقبل في ابنه عبد الله، باعتباره واحد اصلاً من الشخصيّـات الرئيسية ، ربما اكثر ما اعجبني ، هي رمزيّة نهاية العمل ، محمود بعد اصابته في مذبحة ماسبيرونحن نجهل مصيره لكن نراه يصعد الهرم ، تتركه الكاميرا في بداية التسلّق لتتسلّق وحدها النهاية ، وان كان العديد يتمنون ان يصعده مع عبد الله ، لتكتمل معني الرمزيّة ، ولكن هي جزئيّة اعجبتني ، فما زال المستقبل السياسي لمصر حائراً متخبطاً .

بعد الموقعةعمل روائي طويل عن الثورة ، حاول ان ينظر الي معني الثورة نفسه ، لم يهتم بالكثير من التفسيرات ، اهتم بالنتائج و تحليلها فقط، حاول ان ينظر الي الاطراف المرتبطة بالثورة ، لم يستقرّ علي ايقاع معيّن ، سيشعر مُشاهده في النهاية ان الرحلة شاقة جداَ ، رغم انّها تحمل الكثير من التجديد .


Daisies

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم : 4.5/5

بطولة :إيفانا كاربانوفا ، جيتكا سيرهوفا
إخراج :فيرا شيتيلوفا (1966)

البداية :لقطات تدور ما بين ترس دائر لا يتوقف وبين طائرات أمريكية تسقط قنابلها أثناء الحرب العالية الثانية مع إيقاع طبول عسكرية .
الوسط :فتاتان اسمهما (ماري) .
النهاية :وليمة نهاية العالم .

"ماري (1) :لا أحد يفهم أي شيء .
ماري (2) :نحن من لا يستطيعون فهمنا .
ماري (1) :كل شيء قد أصبح فاسداً في هذا العالم .
ماري (2) :ما قصدكِ بكل شيء ؟
ماري (1) :أنتِ تعلمين كل شيء ، أتعلمين حين يفسد كلّ شيء نحن كذلك سنكون فاسدتين أيضاً .
ماري (2) :نحن أيضاً .
ماري (1) :هل هذه مشكلة ؟
ماري (1) :على الإطلاق !"

الفيلم التجريبي (الإقحوانات) يمنحنا فرصة للتعرف على فتاتين شقراء وسمراء لكنهما يحملان الاسم ذاته (ماري) ، وهما شخصيتان أشبه بالكاريكتير الملائم بشدة لفيلم كاريكتيري ، من خلال الفتاتين سنتعرض لمواقف بلا هدف داخل هيكل سريالي لا يحب السرد أو الحبكة ، إنما يقدس روح الفكاهة والكوميديا الصامتة التي تتخذ من تعابير الوجه منجماً لها ، نجد الفتاتين تستغلان الرجال الأكبر سناً وتحصلان على كميات ضخمة من الطعام ثم ينتهى المشهد بأن يركب الرجل القطار ويغادر وحيداً ، يتم طردهما من نادي ليلي لسلوكهما الغير لائق ، يسقطان إلى الأرض بعد أن أكلا تفاحة المعرفة ، قلق وجودي حيث لا أحد يبدو أنه يراهما ، انتقام رمزي "مؤلم"من الرجال و خداعهم للنساء باسم الحب ، المزيد من تناول الطعام ، هل هما ملاكان ؟ ، هل هما ملاكان للموت ؟ ، هل ملاكا الموت ميتان ؟

لا يوجد أي تفسير طبعاً لأي شيء وإن وجدت الفيلم مسلي مضحك فربما لن تُهلك عقلك في التفسير ، لكن أسلوب الفيلم الثوري هو الممتع حقاً وهو ما يجعله أفضل وأشمل مثال لموجة تشيكية تتكون ، فيرا شيتيلوفااستخدمت كل الابتكارات السينمائية الممكنة والمتاحة ، وحولت النظريات التي تؤمن بها لفيلم محسوس ، لم تستخدم ممثلين محترفين ، أخذت تنتقل ما بين الأبيض والأسود والألوان بسرعة مقلقة جاعلة من الألوان مهرجان يُعبر عن حالة الفيلم الرافضة ، كل ما في الفيلم يُعبر عن رغبة في صنع ما قد لا يُمكن صنعه بعد ذلك ، سينما نهاية العالم و سينما نهاية الفن ، وهذا قد تحقق جزء منه لأن الفيلم تم منعه في تشيكوسلوفكيالسبب سريالي جداً وهو إهدار هذا الكم من الطعام ! ، وتم إصدار قرار بمنع المخرجة من العمل لعشر سنوات ، كان المنع وليس الحذف لأن الرقيب – في أغلب الأحوال – ليس بالدراية الكافية حتى يعرف ما يجب حذفه من العمل الفني ، وفي حالة فيلم مغرق في سرياليته لن يجدي الاقتصاص حتى لو لديهم آيزنشتاينرقيباً.

في الجزء الأخير من الفيلم نجد الفتاتين قد اقتحما وليمة ضخمة لا نعرف لمن أُعدت لكننا نعرف أنهما لا ينتميان للمكان ، يقوما بما يجيدانه دائماً وهو تناول أكبر قدر من الطعام ، ثم تحدث معركة قذف الطعام وتدمير المكان بالكامل ، ثم محاولة إصلاح ما لا يمكن إصلاحه ، فيما أعتقدته إسقاط ساخر على الحرب الباردة وتجسيد لأمريكا وروسيا في هيئة الفتاتين الشقيتين اللتين أفسدتا الأرض ودمرتا الخير الموجود ، أحياناً يكون الاحساس بالسقوط والضياع هو فقط من يمكنه أن يولد كل هذا الجنون والمرح ، يمكننا أن نلاحظ تأثير الفيلم على أفلام جاك ريفيتفي سبعينات القرن الماضي وبالأخص فيلمه العظيم Celine and Julie Go Boating.

قطع اللقطات السريع ساهم ببراعة في الحالة الجنونية للفيلم ورغبته الصادقة في العبث من أجل العبث ، يمكننا أن نؤوّل ما نريد تأويله لكن لا أعتقد أنه من المسموح أن نأخذ هذا التأويل بجدية ، فلدينا عدد لا بأس به من الخيوط الدينية والسياسية والاجتماعية بالإضافة طبعاً لقضية المرأة ، لكن الفيلم قطعاً لا يعالج تلك القضايا ، الفيلم يسخر بشدة دون اعتبارات لمدى كون بعض تلك الإشكاليات تحمل درجات متفاوتة من الخطورة ، هي ليست خطرة بالنسبة للتشيكية فيرا شيتيلوفاحيث أنها حصلت على مساحة من الحرية سمحت للفيلم أن يكون ، وقد كان ، مما قد يجعلنا نفكر في أن غياب الحرية لا يمكنه السماح لمثل هذا الجمال والمرح أن يكون ، لذا يمكننا اعتبار الفيلم السخيف العظيم يؤدي كذلك دور نضالي لكونه محفزاً على طلب الحرية ، المخرجة نفسها اعتبرت العمل وثائقي فلسفي بهيئة هزلية لكن من جديد هذا العمل الطفولي لا يصح أن يؤخذ بجدية .

"لا أكترث بترك ميراث خلفي ، فحينما أموت لا يوجد إلا السواد" - فيرا شيتيلوفا


There Will Be No Leave Today

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

التقييم :4/5

بطولة :أليكسي أليكسييف ، أوليغ بوريسوف
إخراج :أندريه تاركوفسكي ، أليكساندر غوردن (1959)

من الصعب تصديق أن هذا الفيلم من إخراج طالبين في السنة قبل الأخيرة من معهد السينما ، آندريه تاركوفسكيو رفيقه آليكساندر جوردونو اللذان لم تكن لهما خبرة في الإخراج سوى فيلم قصير مدته 20 دقيقة يسبق هذا بعامين.

الفيلم هنا مأخوذ عن واقعة حقيقة حدثت في إحدى مدن روسيا بعد الحرب ، عن مجموعة من القذائف و الصواريخ وجدت بالصدفة مدفونة تحت المدينة و تولى الجيش مهمة إخراجها ، إلا أن تاركوفسكيتولى مهمة كتابة أغلب السيناريو و إضافة بعض الأفكار إليه كمَشَاهد المستشفى و فكرة المدنيّ الذي يبادر بالتطوع مع الجيش لمساعدته ، و إن دل هذا على شيء فهو يدل على الأثر الرقيق الذي يحب تاركوفسكيأن يظهره في أفلام الحروب و الملاحم بعيداً عن وجهة النظر البطولية التي تحب الحكومات وإعلامها أن تبرزه ، و سيتجلى ذلك أكثر فيما بعد في فيلم Ivan'sChildhoodلتاركوفسكي .

يصعب تصديق أن الفيلم من إخراج طالبين ليس فقط لصعوبة إنتاجه لأن معهد السينما الروسي و التلفيزيون الروسي توليا مهمة توفير الميزانية المناسبة والتصوير في وحدات جيش حقيقية ، ولكن يصعب تصديق ذلك لمدى الإحكام في السيناريو والإخراج اللذين تولى مهتيهما تاركوفسكيو جوردونبالكامل ، وعلى الرغم من أن الغرض من الفيلم كان تقديم مشروع دراسي ، إلا أنه عمل سينمائي جيد جداً يصعب اختزاله كمشروع دراسي ، ومن الملفت للنظر أن الفيلم مدته 46 دقيقة لا أكثر إلا أنه و أثناء مشاهدتك له تندمج في الأحداث وذروتها القائمة على التوتر التي تنسيك تماماً أنك تشاهد فيلماً قصيراً ، تشارك شخصياتها ما يمرون به من أحداث وينتهي الفيلم لتكتشف أنك كنت تشاهد تجربة ثرية تدل على ما هو قادم من موهبة و عبقرية تاركوفسكيفيما سيقدمه من سينما فيما بعد.


It Happened One Night

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم :4/5

بطولة :كلارك غيبل ، كلوديت كولبير
إخراج :فرانك كابرا (1934)

عندما يتذكر المهتمون هذا الفيلم يتذكرون أهميته و قيمته و أثره البالغ في ترسيخ السكروبولكوميدي (أو سينما الحماقات و التهريج) التي كان أول من وضع الملامح المكتملة لها استناداً لعمليةٍ تراكميةٍ بدأت بكوميديات فجر السينما الأول و استندت في خطوطها العريضة لملاهي ويليامشكسبيرالتي تأثرت بصورةٍ أو بأخرى بالأدب الإغريقي القديم !

طريقٌ طويل مرت به الكوميديا حتى ظهور السكروبولكوميديعلى شاشة السينما ، و بالرغم من هذا الطريق الطويل إلا أن الشرارة التي جعلت هذه النوعية من الأعمال واقعاً ملموساً ملأ الشاشة الهوليوودية لعقدين من الزمان كان الكساد الكبير الذي ضرب أميركا في الثلاثينيات ، في تلك الحقبة من المعاناة المادية لشرائح واسعةٍ من الشعب عانت السينما كثيراً من أجل جلب المشاهدين إلى دور العرض ، كان على الستوديوهات أن تفكر خارج الصندوق ، و لم يكن انسب لذلك من الكوميديا ، كانت الكوميديا على مدار العصور وسيلةً مثاليةً لينسى الشارع همومه ، أو يضحك عليها ، السكروبولحررت الكوميديا حتى من ذلك ، و بالرغم من أن ملامحها بدأت في التشكل مطلع الثلاثينيات إلا أنها تدين لهذا الفيلم تحديداً بتحولها إلى نوعٍ سينمائيٍ مكتمل الأركان و الملامح .

نص الفيلم كتبه فرانككابراو روبرتريسكنعن قصةٍ قصيرةٍ لصموئيلهوبكنزآدامز، يحكي حكايةً عن إيليأندروز، الفتاة المدللة و إبنة أحد أثرياء أميركا التي توشك على الزواج رغماً عنه من طيارٍ وصوليٍ وسيم ، لمنعها من ذلك يحتجزها والدها على متن يخته لكنها تفر منه سباحةً و تأخذ أول حافلةٍ إلى نيويورك للقاء حبيبها ، في الحافلة تتقاسم المقعد – بعد جدالٍ طويل – مع مراسلٍ صحفيٍ يدعى بيتروارنسرعان ما يكتشف حقيقتها ليعقد معها صفقته الصحفية الأهم .

الحكاية بحد ذاتها كافيةٌ لتفسير قولنا أن السكروبولتدين لهذا الفيلم ، كابراوضع في هذا العمل اسس نوعٍ مختلفٍ تماماً من الكوميديا قائمٍ في حكايته المحور على علاقة إمرأةٍ برجل خارج السياق التقليدي للقصة العاطفية ، تقوم هذه العلاقة على تحدي المفهوم السائد للذكورة فتشبع بعددٍ من المشاحنات و التحديات و الخدع و روح الدعابة على طول الخط ، محرك هذه العلاقة يقوم في أغلب الحالات على زواجٍ تم / سيتم / لم يتم / لن يتم ، على هامش الحكاية المحورية هناك شخصياتٌ ثانويةٌ تشبه شخصيات الأفلام النوار تحرّك إثارة الحدث كلما فترت ، و هناك الكثير من المفارقات الغريبة و سوء الفهم و التلاعب اللفظي و بديهة الرد ، و بالتأكيد رشةٌ من النقد المجتمعي هدفه مغازلة الجمهور الراغب بتوجيه بعض الإنتقادات لحياة الطبقة الغنية ، كابرا جمع كل ذلك و وضعه في فيلمٍ حوّله فوزه بالأوسكارات الخمسة الرئيسية – الأول بين ثلاثة أفلامٍ فعلتها – إلى نوعٍ سينمائيٍ قائمٍ بذاته سرعان ما قدم للسينما كلاسيكيات My Man Godfreyو The Philadelphia Storyو Bringing Up Babyو His Girl Friday، و مع ذلك لا أميل لإعتبار هذا الفيلم أعظم أفلام النوع كما يرى البعض ، برأيي أن السكروبول كوميديبقدر ما دان له بالإنطلاقة إلا أنه استفاد كثيراً من اعمال مخرجين كثر تعاقبوا على النوع و أغنوه ، تدفق الحكاية معهم أصبح أفضل و أكثر تكثيفاً و تخلصاً من الثانويات ، زاد التركيز على مواطن القوة مثل سرعة البديهة الحوارية و الغنى بالتفاصيل التي تُترك للمشاهد لإلتقاطها ، و خفف من نقاط الضعف كفتور الإيقاع أو سير الحدث كما ينتظره الجمهور .

في العمق ترتكز المشاحنات التي يقدمها نص كابرا و ريسكن هنا لأبعادٍ نفسية : الإعتقاد المستمر بأننا على صواب / حس الإضطهاد الذي نعانيه من الآخرين في قراراتنا المصيرية / أزلية التمسك بالرأي الآتية من اعتقادنا الدائم أننا نعرف كل شيء عن أي شيء / و بالتأكيد الفجوة غير المدركة بين العقل و العاطفة ، الفيلم يستند في مشاحنات حكايته لتلك الابعاد سردياً ، لكنه لا يقدم معالجةً لها كأفكار تستحق البناء عليها ، و بالرغم من أن ذلك يفقده ميزة الحصول على (نصٍ ثانويٍ) قوي يجعله أغنى و أكثر ديمومة لكنه يجنبه الإضرار بطبيعته ككوميديا رومانسية ، و هذا بحد ذاته اصبح شبيهاً بالقالب الذي استمرت عليه السكروبول كوميديمن بعده ، النص يكثف تلك المشاحنات لصناعة سلسلةٍ متواليةٍ من المفارقات تغني كوميديته بصورةٍ فعالةٍ و من الصعوبة جداً إنكارها ، يقر كابرا هنا بشكل واضح أنه ليس مخرجاً نخبوياً و لا يحب أن يتخلى عن المفهوم التقليدي للحكاية الشعبية في عصره – بالرغم من أنه فعل ذلك بعظمة في  It's a Wonderful Life– لذلك لا يُحمّل حكايته أكبر مما يستطيع – و ليس أكبر مما تحتمل – يترك الكوميديا تتسيد الموقف ، يغازل ولع الجمهور برؤية نسخةٍ معاصرةٍ من (ترويض الشرسة) خصوصاً عندما لا تنتمي تلك الشرسة للطبقة التي طحنها الكساد الكبير ، و لا يتوانى عن نثر تلميحاتٍ واضحةٍ عن الجوع و تقلص فرص العمل و التباين الطبقي ليؤكد صورته كفيلمٍ ينتمي لحقبته .

و بالرغم من فعالية ذلك إلا أن النص يعاني من مشكلةٍ في الإنجذاب العاطفي الذي يحكم شخصيتيه ، و الذي لا يكون متسقاً تماماً مع إيقاع الحكاية ، فيأتي مندفعاً و غير مؤقتٍ بصورةٍ دقيقة ، لذلك لا تروقني الكيفية التي يحصل بها اعتراف إيليبحبها لبيترو أجدها خارج السياق ، علاوةً على أن تلك الجزئية تكتمل بأن تسير الحكاية كما يريدها المشاهد تماماً فتتخلى إيلي عن زواجها في اللحظة الأخيرة ، و هو تفصيلٌ تحول إلى ما يشبه التقليد لدى أفلام هذا النوع ، لكن نخبتها استطاعت أن تجعله منطقياً و مبرراً بصورةٍ أفضل عندما يحدث .

خفة الحكاية على هذا الصعيد يعوضها العمل الإخراجي لكابرا الذي عانى مشاكل عديدة كانت ستزيد لو لم يطلق الفيلم قبل خمسة أشهرٍ فقط على قانون هايز ، رُفِض الدوران الرئيسيان في الفيلم من قبل عددٍ كبيرٍ من نجوم هوليوود حينها مما دفع كولومبيا بيكتشرزلإستعارة كلارك غيبلمن MGMو كلوديت كولبيرمن بارامونت، كلا النجمين لم يكونا راضيين عن النص ، و لم يكونا راضيين عن بعضهما البعض ، بل أن كولبيراعتبرته لاحقاً أسوأ فيلم قامت ببطولته و حزمت حقائبها للسفر في اجازةٍ يوم حفل الأوسكار لدرجةٍ دفعت القيمين على الحفل لإحضارها بحقيبتها من محطة القطار لتتسلم جائزتها ، ربما هي أسوأ الظروف الممكنة لتنتج عملاً كوميدياً ، لكن كابرا فعل ، صحيح أن الرجل لا يقدم الجديد مطلقاً على صعيد التكنيك الإخراجي – و لا يمكن وصف أي سكروبول كوميديبأنها فعلت – لكنه يعوّض ذلك من خلال إخراج افضل ما لدى غيبلو كولبير، ساير غطرستهم و نجوميتهم و نفورهم من بعضهم و استغلها لصالح حكايته عن شخصين متنافرين ، يكفي ان تعلم انه ابتكر (أسوار أريحا) مثلاً للإلتفاف على رفض كولبير خلع ملابسها في المشهد ! ، كابرا تفهّم بشكلٍ ممتاز كاريزما بطليه و جاذبيتهم فجعلهم مرجع الإهتمام عندما يفتر الحدث ، تلك الكاريزما هي من تجعل الحكاية تسير بسلاسة عندما لا تكون كذلك على الورق ، تدفعها بلطف نحو الأمام و دون شعورٍ بالإبتذال حتى عند الشعور بخفة الحكاية ، هذا برأيي هو ما جعل كوميديا الفيلم مقاومةً للزمن ، دائماً يتغيّر ما يضحك الناس بمرور الزمن و هذا ما يجعل الكوميديا أكثر الأصناف صعوبةً في القدرة على الصمود ، كوميديا هذا الفيلم صمدت بقوة و بلغت عامها الثمانين الآن ، من السخرية و العبث – في سكروبول كوميديتقوم على السخرية و العبث – أن هذا الفيلم كان عملاً سينمائياً مفضلاً لديكتاتورين مثل هتلرو ستالين !


Mephisto

$
0
0
كتب : فراس محمد

التقييم :5/5

بطولة :كلاوس ماريا براندور ، كريستينا ياندا
إخراج :إشتيفان سابو (1981)

المسرح انعكاس للواقع , الواقع يحاكي المسرح , هذا ثاني فلم اشاهده للمخرج الهنغاري استيفان زابويتناول فيه هذه الفكرة , كما في ان تكون جوليا , كان المسرح مكاناً لتصفية الحسابات , هندريكفي تحفته ميفيستوكان المسرح هو الشيء الوحيد , والوحيد فقط الذي ينتمي له هندريك , الرجل الذي يملك طموح الصعود على السلم درجة درجة للوصول لرأس الهرم , حتى ولو كان على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة , هنا شخصية تصل لقمة الانحطاط ونكران الذات في سبيل ان تعيش حلمها الخاص .

الشخصية التي قدمها زابومن الصعب وصفها بكلمات غير مهينة رغم انه اعطاها المساحة الكافية للهرب أو لعدم التورط و الغرق في المستنقع الذي داست فيه , ولم يحرمها من شفقة المشاهدين باعتبارها شخصية تملك موهبة تجعلها قادرة على التخلي عن كل شيء لتبقى حية , وتبقى بارزة و هي الموهبة التي تبلورت و تأججت مع أداءه لشخصية ميفيستووالتي عُرفت فيها بين اوساط النازيين , بين اوساط من تخلى عن نفسه من اجل ان يستطيع ان يعيش بينهم بأدنى الشروط الانسانية و اعلى المراتب الاجتماعية , هذه كانت معادلة هذه الشخصية , التي لعبت دور مفيستوبأتقان شديد , وميفيستوهي شخصية الشيطان في الدراما الألمانية الشهيرة (فاوست) والتي أغرت فاوستلبيع روحه .

شخصية لا تملك سوى القناع , يقول هندريك في بداية الفلم ان مشكلته الاساسية أنه ممثل محترف , تمكن قبل وصول الحزب النازي من الزواج بابنة رجل مرموق فبدأ يتسلق الهرم (ارتدى القناع) , و عند وصول الحزب النازي تحول من رجل ذو افكار ثورية لذيل نازي متخفي مرة اخرى (تحت القناع) اصلاً لأنه رجل لا يملك أي مبادئ , قدرته على ارتداء القناع همشته تماماً , اصبح هو القناع و القناع هو الشيء الوحيد الذي يستطيع تقديم نفسه من خلاله , لدرجة لم يعد يعبأ داخلياً بالإحساس بالجدل ما بين ارتداءه للقناع او خلعه , بجولته في باريس قال بينه و بين نفسه وهو ينظر في كل مكان , "الحرية .. من أجل ماذا ؟" , وحتى عندما وصفته مدربته السمراء بأنه رجل غير وسيم يملك عيون باردة لا تعرف عن ماذا تعبر , اعتبرها اشبه بإطراء , و نظر في المرآة ليتأكد من صحة كلامها .

لم يبخل الفلم ولم يوفر عناء تصوير مقدار الانحطاط الذي وصل له , مقدار نكران الذات في دراسته لهذه الشخصية التي تنظر لها وتشعر بمقدار الغرق الذي تعيشه , ومقدار الدونية التي وصلتها , و قوة الفلم تكمن في ازدواجية مميزة , انك بنفس الوقت الذي تشعر تجاهه بالدونية و مقدار الاهانة التي استطاع بلعها , إلا انك لا تستطيع سوى ان تشفق عليه , وان تشعر كم هو ميت داخلياً , عينيه لا تعكس اي مشاعر , هذا اداء عظيم قدمه هذا الممثل الألماني بأن استطاع تصوير ابجديات هذه الشخصية المعقدة و المتشربكة , ولم يبخل الفلم ايضاً في اعطاءه الفرص للنجاة انسانياً من هذا المستنقع , لكن كل فرصة كانت تأتيه سواءً بالاحتجاج او بالهرب كان يحولها لمقاومة داخلية تعيده لنفس المستنقع "اصبح نازيا أكثر منهم" , و عندما قام الجنرال بطرده من مكتبه وناداه بـ "الممثل" , كانت هذه الكلمة في هذا المشهد أشبه بتهمة او شتيمة , أو بالأحرى هي الوصف الأدق لهذا الشخص , الذي ارتدى من الشخصيات ما جعله ينسى نفسه , هذا الفلم يستدعي شخصية مازوشية لا تستطيع العيش خارج محيط ضاغط متوتر معيق جالد للنفس , الحرية تؤذيها , الوضوح يؤذيها , الشفافية تقتلها , كرجل أدخل نفسه كهف افاعي و ابتلع المفتاح , ومع ذلك ما زال مصراً على البحث بين الافاعي عن الكنز , شرارة واحدة من الضوء , تقتله , تمحي اسمه تماماً و تحوله عكس ما كان عليه طموحه , هذا الفلم يصور شخصية بمنتهى الانتهازية .


The Dance of Reality

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :4/5

بطولة :برونتيس خودروفسكي ، باميلا فلوريس
إخراج :أليخاندرو خودروفسكي (2013)

الغورو .. في سبر أغوار ماضيه

إن مشاهدة فيلم لخودروفسكيكانت بالنسبة لي أشبه بالتواجد مع المُخرج نفسه في غرفة ذات ضوء خافت لعالم يشن معركة خاسرة ضد الظلمة الدامسة , حجرة كئيبة بتأملات همجية , شخصيات ناشزة , و صور مكتنفة بالأسرار تُجبرني مُشاركته أحد كوابيس عقله الباطن التي أخذ على عاتقه أمانة نقلها كما وجدها بعينه السينمائية الاستثنائية التي لا تزال حاضرةً حتى اليوم ، المُخرج المُقيل يمقت الواقع , ذاك الذي حرمه من مُشاركة شغفه السينمائي خلال العقدين الماضيين كما يُخبرنا العمل التوثيقي الرائعJodorowsky's Duneالعام الماضي و يُبشرنا بعودةٍ (ربما أخيرة) له ؛ ما زال يرى الأنسان كأقدم الحيوانات على سطح البسيطة و أكثرها ضياعاً (أفتتاحية عمله تهجو ذلك) , و ما صلة لفظ (الأنسانية) بـ (الأنسان) إلاّ تشابه من باب الصدفة المحضة ، حتى عندما يتكلم بصيغة الـ (أنا) , لا يتجرد كثيراً من مفهومه هذا !

في سرده الأوتوبيوغرافي لنشأته الصعبة , نشاهد الثورة في كل شيء , ثورة إبتدأت معه منذ نعومة أظافره , أو بمعنى أصح فُرضت عليه ؛ ثورة ضد السياسة , ثورة ضد الدين , ثورة ضد المُجتمع , و ثورة ضد الحياة ؛ البحث العضال عن الهوية يقوده للغوص مرة جديدة في هلاوس عقله الباطن ليبني منها خيالاً منسوجاً من الذاكرة , لا شيء يُمثل تحدياً أكبر له غير إفاقته من الثمل الذي يُغنيه عن هرطقة الواقع المؤلم الذي يُعاصره .

خودروفسكييجد في عائلته الصغيرة (نظرياً) الشكل الأمثل لتجسيد هذه الثورة , والده يهودي شيوعي مُهاجر الى تشيليفي بحث عن كيان ضائع , و والدته أشبه ببيرمادونا (مغنية أوبرا) تدندن بدلاً من أن تتكلم ؛ المخرج يُخبرنا بذلك و هو يقف على الحد الفاصل بين الواقعية و سرياليتها , يجعل من عملية إدراكنا للحقيقة المُغلّفة عن الزيف الواضح مهمة أشبه بالمستحيلة، يرويها بشكل ضبابي عابث و رمزية مُبطّنة لكل صدمة جديدة تضرب بأرضه , و هي كثيرة!

الحالة الميلودرامية الكبيرة التي أظهرها في العمل , جالباً تعقيدات صغيرة مؤثرة على الأحداث , جعلته أشبه بسيرة منطقية تتناول تلك الحقبة بفلسفة عظيمة و شعور كبير من الصعب تفسيره أو الحد منه ؛ (سينما الحلم) هو ما يُمكن أطلاقه على أعمال رجل كهذا , خروجه اللا طوعي عن أي نمط من الأنماط الفنية المكتوبة أو المُشاهدة , عرقلته للإرتباط المكاني و الزماني الذي تسير عليه و إخراجهما من ماهيتهما المنطقية ليرسم به حلم ؛ الشيء الوحيد المؤكد هو أن الجنون سيكون المُحصلة الأكيدة في نهاية الأمر أسوة بما جاء على لسان دالي , نصف الآلهة التي يُقدسها , "لكي ترسم بإبداع يجب أن تكون مجنوناً" .

خودروفسكي , السريالي المُختلف , في هذا التجربة التطهيرية يُصبح أقرب قاب قوسين من سريالية سيدها (بونويل) و باروكية (فيلليني) في كونه وجد الأرض الأقرب للواقع لتأسيس الحكاية المُتخيّلة منذ عقود طويلة , يعتق الصورة الثابتة من عبودية الكادر و ينفخ فيها روح جديدة قادرة على النقد بأقل قدر من الكلمات , فضلاً عن ذلك يُغني العمل بحوارات حُبلى بالطرائف و الألم على حد سواء و موسيقى رخيمة تتوج عودته المُنتظرة هذه أكثر و تضيف لكل لقطة حساً و أبعاداً تقلل من زيفه (الواقع) لنخرج من العمل محترمين عظمة السينما حين تشبه الحياة عموماً!

بكاميرا ديجيتال محمولة , كاست مكون من العائلة الخودروفسكية فقط , و إمكانيات تقنية بسيطة في زمن المُعجزات , نقف بإندهاش أمام عمل إستثنائي آخر لمُخرج أستثنائي .


Reservoir Dogs

$
0
0
كتب : أحمد أبو السعود

التقييم :4.5/5

بطولة :هارفي كايتل ، مايكل مادسن ، تيم روث
إخراج : كوانتن تارانتينو (1992)

لدى تارانتينوشغف سينمائي غير عادى ، بداية من ثقافته السينمائية الواسعة التي اكتسبها من محل الفيديو الذى كان يعمل به ، لحماسه الواضح عند أي حديث عن السينما يقوم به ، لمتابعته الدائمة لكل ما هو جديد و قديم ، نهاية بتلك البصمة التي أصبحت علامة مميزة خاصة به فقط ؛ بصمة أصلية بها من التأثر بأفلامه و بمخرجينه المفضلين التأكيد على شغفه العظيم لفن السينما .

أرى أن أفلام تارانتينوكلها ليس لها مدخل للكتابة سوى تلك المقدمة ، ذلك أن أسلوب الرجل واضح و جلي ، من السهل استنباطه و من السهل الاستمتاع به ، لكن دائماً هناك تلك الرغبة الدائمة لانتظار كل جديده ، و الشغف الواضح لدى متابعي السينما في انتظار أي خبر أو فيديو له ، و عشاق الرجل يتفهمون جيداً طريقة تفكيره المجنونة ، نحن - عشاقه - نتفهم مثلاً كيف أنه في فيلمه الأخير أضاف شخصيات و حذف أخرى فقط لأنه أراد الممثل الفلاني للدور فكتبه خصيصاً له ثم بعد انسحابه حذف الدور و أضاف دوراً آخر لممثل آخر ، نتفهم كيف أنه قتل هتلرأمام شاشة عرض سينمائية في واحد من أعظم المشاهد الانتقامية في تاريخ السينما ، كل ذلك مرده فى النهاية إلى مقدار الشغف الذى يحمله في داخله و الذى ينتقل لنا - بطريقة أو بأخرى - عن طريق الاستمتاع بما يقدمه .

أقول أن أسلوب الرجل واضح و من السهل استنباطه ذلك أن فيلمه الأول "كلاب المستودع"يُعد تدشيناً عظيماً لأسلوبه ، البصمة واضحة منذ أول مشهد ، بصمة تتكرر في كل أفلامه - العظيم منها و المتواضع - تحمل معها كم هائل من المتعة ، مشهد الفيلم الافتتاحي عبارة عن مجموعة من الرجال - لانعرف عنهم أي شيء - يرتدون بزاتٍ أنيقة يدور بينهم حواراً كالذي يدور بين أي مجموعة جالسة في مطعم ، الحوار في سينما تارانتينوله سحر خاص ، فهو حوار تصاعدي بطريقة غريبة ، يرفع وتيرة التشويق و الإثارة إلى ذروات درامية نستغرب تطورها لكن نستمتع بها ، الحوار يحمل من شخصية تارانتينوما يطبعه على شخصيات أفلامه فتخرج بتلك الطريقة الجذابة و الممتعة .

التدشين الأعظم هنا فى رأيي كان من خلال رؤية تارانتينولعنصر الزمن و الطريقة التي يستخدمه في كل أفلامه ، هو في النهاية ينتقي من الزمن ما يخدم موضوعه ، و يُعيد ترتيب المشاهد زمنياً بطريقة تبدو في النهاية مُرتبة و منطقية إلى أبعد حد ، بعد المشهد الافتتاحي العظيم و اكتمال تترات الفيلم ، ينتقل بنا السيناريو إلى أحداث ما بعد الجريمة ، الجريمة التي لا نعرف عنها شيء تقريباً ، ينتقل الفيلم بعد ذلك إلى أحداث تسبق الجريمة حيث التخطيط لها في مشاهد فلاش باك عظيمة ، الجريمة نفسها يقتطع منها تارانتينوالمشاهد التي تخدم ترتيب الأحداث بحيث تبدو الصورة في النهاية مكتملة على نحو متفرد ، لاحظ أن اللعب بالزمن وصل إلى ذروته في سينما تارانتينوفي فيلمه الثاني ، أي أن اختمار الأسلوب لم يحتج سنين و خبرات ، هو فقط كان يحتاج تدشيناً يُلفت به أنظار العالم .

تقسيم الفيلم إلى فصول ، الأطر البصرية المتفردة التي يضع في مقدمتها و في خلفيتها جميع شخصياته ، شريط الصوت الثري و علاقته شكلاً و موضوعاً بكل كبيرة و صغيرة في أحداث الفيلم ، الأداء التمثيلي المُستسلم لإيقاع الحوار و طبيعة الشخصيات التي تأتي فقط من مخيلة تارانتينو، المجرم صاحب المباديء و العقائد التي تتواجد فقط داخل إطار عالمه الخاص مثل إيمانه بعدم دفع بقشيش ! ، أو المجرم صاحب القلب الطيب الذى يفعل ما باستطاعته كي ينقذ صديقه المجرم ، ظهوره هو شخصياً في دور صغير يتعاظم تأثيره بعد ذلك في أفلامه الأخرى رغم أنه لا يملك أي كاريزما تمثيلية من أي نوع ، العنف الدموي الصارخ الذى يصبغه بشاعرية غريبة تجعلنا نتفهم بالمقابل العنف المتزايد في الواقع ، سمات مشوار تارانتينوالسينمائي كلها واضحة و جلية هنا ، نضج مبكر جداً أعلن به نفسه أمام العالم .

كما كان سكورسيزيو كوبريكو سيرجو ليونيمصدر إلهام لتارانتينوعلى مدار مشواره السينمائي عامة و هذا الفيلم خاصة ، أصبح تارانتينونفسه مادة إلهام حية - كسكورسيزي - لكل عشاق السينما .


V for Vendetta

$
0
0
كتب : محمد السجيني

التقييم :5/5

بطولة :هوغو ويفنغ ، ناتالي بورتمان
إخراج :جيمس ماكتيغ (2006)

يحكي الفيلم عن الشخص الغامض المُقنع الذي يسعى إلى تغيير الواقع السياسي في الدولة و في الوقت نفسه يسعى للثأر ، يرتدي طوال الفيلم قناع الثائر البريطاني جاي فوكسالذى حاول اسقاط نظام الملك جيمس الأول، والبطل يحركه ثأر شخصي من تحويله الي مسخ نتيجة لتجارب مُحرّمة ، وفي الوقت نفسه يسعى لإسقاط النظام السياسي في الدولة من خلال إثارة الشعب لإتخاذ موقف ثوري من النظام وفساده، يعرض العمَل قصّة انتقامه من الحكومة في زمن ضاع فيه الوعي و التفكير ، قصة فكرة تعيش وراء قناعV، النص لا يهتم مُطلقاً بكشف شخصيّةV، بل بالفكرة التي ولدها و التي أنكرها الجميع .

في كُل مرّة اشاهد العمل فيها لا استطَع تجاوز تشابهه مع واقع الثورات العربيّة ، الجميع خائف ، والاعلام يُزيّف كعادته ، والساسة لا يهتمون سوى بالمكاسب ، تقول إيفيلـ  V"هل تعتقد انه تدمير مبنى مثل البرلمان سيغير العالم ؟"، فيرد عليها"البرلمان مبنى ، و المبنى رمز ، و هذا الرمز يتّخذون فيه قوتهم".

فيلمV for Vendetta مَلحمة ثورية تُحاكي في العديد من تفاصيلها واقع الثورات العربية ، إلى درجة لا تصدق أحياناً ، كما في مشهد مقتل الطفلة على يد عنصر الأمن وطريقة تعاطي وسائل الإعلام مع الأحداث وآليات انكسار جدار الخوف ، إنه رؤية عالمية كاشفة لبنية الأنظمة الاستبدادية واستشراف لكيفية انهيار هذ الأنظمة وانبثاق غد الحرية.

الفيلم هو باكورة أعمال المُخرج جيمس ماكتيجعن نص الاخوين واتشوفسكي، هو فيلم ثوري من الطراز شديد الوضوح ، يلعب فيه "الثائر"و "التاريخ"دور البطولة ، جزء من تقديري العميق لهذا العمل هو ذكاء ماكتيج في تعامله مع النص ، نصوص الاخوان واتشوفسكيكلها تحمل عنواناً واحداً "تغلّب علي خوفك الداخلي .. تنجح"لكن ماكتيجهُنا يتجاوز (تسطيح) فكرة النص ويمزجها برؤية (شاعرية) غاية في الإبهار البصري في واحد من أفضل اعمال 2006 وواحد من أفضل ما شاهدت علي الاطلاق .


Z

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم :4/5

بطولة :إيف مونتان ، إيرين باباس ، جان لوي ترانتينيان
إخراج :كوستا غافراس (1969)

جاء العمل الروائي الثالث في مسيرة اليوناني كوستا غافراسبعد ثلاثة أعوامٍ فقط على تحفة جيلو بونتيكورفو TheBattle of Algiers، تناول الفيلمان مواضيع الحرية و القمع السياسي في حكايتين مختلفتي الروح و العقل تلتقيان حول وطنٍ ضائعٍ ، مرةً بيد أبنائه و مرةً بيد غاصبيه ، اليوم لا تذكر الإثارة السياسية في السينما إلا و يذكر هذان الفيلمان قبل أي شيءٍ آخر .

يفتتح غافراسهذا الفيلم بتنبيه المشاهد لأي تشابهٍ بين أحداث فيلمه و أحداثٍ حقيقية ، تأكيدٌ مبكر على أن الموضوع الذي يتناوله هو ذات الموضوع الذي قد يتوارد إلى ذهن المشاهد في تلك الحقبة ، الأحداث السياسية المؤسفة التي أعقبت إغتيال داعية السلام اليوناني غريغوريس لامبراكيسعام 1963على يد متطرفين يمينيين مدفوعين من شخصياتٍ نافذةٍ في سلك الشرطة والتي انتهت تداعياتها بالإنقلاب العسكري الذي حدث عام 1967 .

هنا سيحكي لنا غافراسقصة زي، البروفسور المعروف و الزعيم اليساري الذي يعتزم إلقاء خطبةٍ سياسيةٍ مناهضةٍ للتسلح النووي ، عقب الخطاب يتعرض زي لهجومٍ في ميدان عام من قبل متطرفين يمينيين على مرأى من حشود الشرطة المكلفة بتأمين الحدث ، الهجوم يكون قاتلاً و الشرطة تدعي أن ما جرى مجرد حادثة ، لكن صحفياً متحمساً لسبق و قاضي تحقيقٍ لا يساوم يجدان في بحثهما أن الأمور أعقد بكثير مما تبدو عليه .

سيناريو الفيلم - الذي كتبه خورخي سيمبرونرفقة غافراسعن روايةٍ حملت الإسم ذاته لفاسيليس فاسيليكوس– تقليديٌ جداً على صعيد هيكله العام ، ثلاث حركاتٍ تقليدية حتى على صعيد حيزها الزمني ، حركةٌ أولى متوسطة ، ثم ثانية خاطفة ، و ثالثة تحتل نصف مدة الفيلم تقريباً ، لا مكان و لا زمان محددين بدقة ، لا توجد حتى أسماءٌ حقيقية ، حتى تلك التي تذكر تكون أشبه بأسماءٍ هزلية ، هناك الكولونيلو الجنرالو المدامو القاضيو النائب العامو الشاهد، هذا التفصيل يحاول سيمبرونو غافراسمن خلاله إعطاء الحكاية مساحة تعبيرٍ أوسع من خلال تحريرها من قيود الشخصيات و تحركها ضمن البعدين الزماني و المكاني ليصبح العمل أقرب إلى هجائيةٍ سياسية عن قمع الدولة و الحكومات الشمولية ، إلى حدٍ ما يكون هذا فعالاً لأنه يتمكن بنجاح من خلاله من تقديم كل ما يمكن مشاهدته في المطبخ السياسي : اليمين و اليسار ، الإضطرابات الإجتماعية  ، الحشود ، التضييق ، القمع ، اللوبيات ، المنظمات السرية ، الرسائل المبطنة ، أوراق الضغط ، التهديد ، الإغتيال ، تزوير الحقائق، و حتى الفساد السياسي، وصولاً إلى الإنقلاب العسكري، مع ذلك يتأثر هذا البعد الهجائي أحياناً بحسٍ كوميديٍ خاطف يوجده النص في بعض شخصياته ، كما نرى مثلاً في شهادة صاحب الورشة أثناء التحقيق معه في المستشفى ، أو في ردود فعل الجنرالات أثناء توجيه تهمة القتل العمد إليهم قرب الختام ، هذا يهز إيقاع الفيلم القائم على الكثير من الجدية في التعامل مع الحدث ، و إن كان تدفق الحدث - الذي لا يتوقف تقريباً - يخفف من تأثير ذلك .

يحاول غافراسأيضاً أن يقدم بعض التفاصيل الجانبية لشخصياته دون أن يمنح لتلك التفاصيل قيمةً و معنى ، التفصيلالجيديستمد قيمته دائماً من بعدٍ ما في (الشخصية) أو (الحدث) يحاول ذلك التفصيل ربطنا به بهدف إغناء الشخصية أو الحدث أو كليهما ، بعض تفاصيل الفيلم لا تحقق ذلك ، هذه الجزئية تبرز بشكلٍ أوضح في الفلاشباكات الخاطفة من ماضي البروفسور مع زوجته و هما شخصيتان لم نتورط معهما بالشكل الكافي لإعتبار تلك التفاصيل مهمةً لنا ، أو لم نجد الوقت الكافي للتورط معها أساساً ، والد قاضي التحقيق كان يشغل المنصب ذاته فيما مضى ، صاحب الورشة يدفع للشهادة بدافع الغيرة و يختلف مع شقيقته التي حصلت على وظيفتها من انتسابها لليمين ، و فاغوالمجرم هو شاذٌ جنسياً ، تفاصيل ربما كانت لتكتسب قيمةً أكبر في عملٍ لا يجرد حكايته مبكراً من الزمان و المكان ليمنحها متسعاً من التعبير عن حكايةٍ عالميةٍ تتكرر في واقعنا كل يوم ، (خصوصية) التفاصيل لا تفيد (عمومية) الحكاية في شيءٍ هنا .

بعض تلك التفاصيل لا يكتفي بأنه (لا يغني) بل أنه قد (يضعف) سلاسة تقبل المشاهد للحكاية ، أن تشاهد مثلاً جنرالاً في الشرطة يزور شاهداً في المستشفى لثنيه عن شهادته ، أو تشاهد كولونيلاً يتفاوض مع عامل توصيل على جريمة قتل ، أو تشاهد كليهما في مسرح الجريمة يراقبان الحدث أمام الجميع ، تفاصيل ستمر لكنها بالتأكيد لن تشعر المشاهد بالراحة ، بعض تلك التفاصيل يتحملها النص ، و بعضها يتحملها غافراسالمخرج ، خصوصاً في إدارة المكان في مشاهد الإحتجاجات مطلع الفيلم ، نشعر بسذاجة تعامل زيو مرافقيه مع التهديدات و غوغائية ما يحدث ، إما أن النص كتب الحدث بطريقةٍ تجعله يبدو ساذجاً ، أو أن غافراسجعله يبدو كذلك في الشريط المصور ، الطريقة التي يمر بها زيفي مواجهة الحشود مبتعداً عن مرافقيه تبدو غير منطقية ، و تعامل مرافقيه مع مروره يزيد ذلك غرابة ، لذلك لا يبدو الحدث الرئيسي (الحركة الثانية من السيناريو) مريحاً للمشاهد ، و هذه التفاصيل (الدرامية / التقنية) على قلتها هي ما تجعل من The Battle of Algiersبرأيي تحفةً سينمائيةً في نوعها .

بالرغم من ذلك لا يمكن انكار التدفق المدروس للحدث في الحركة الثالثة ، إثارة الفيلم ترتفع و لا تتوقف لإلتقاط الأنفاس ، نطاق الحدث يتسع كما هي رؤيتنا في عمق الحكاية ، تبدو الصورة العامة للفيلم شبيهة بصورة (الروايةالرسمية) التي نسمعها في التلفاز بعد أي حادثة ، ثم لا نلبث بمرور الأيام أن نكتشف الحقيقة تلو الأخرى التي تحيل تلك (الرواية الرسمية) إلى شيءٍ مختلفٍ تماماً عما بدت عليه في البداية ، هذا يتحقق على الشاشة بإمتياز يستحق التقدير ، غافراسيضبط إيقاع حكايته بصورةٍ تنعكس حتى على قيمة الأداء التصويري لراؤول كوتار (مصور الموجة الفرنسية الأشهر) و الأداء المونتاجي لفرانسواز بونو (التي تفوز بالأوسكار هنا) و اللتين لا تجدان المساحة الكافية للبروز في النصف الأول من الفيلم ، و بالتأكيد يحسب لغافراس أداءان رائعان من إيف مونتانو جان لوي ترانتينيان، و عمقٌ - لا وجود فعلي له - تمنحه الكبيرة إيرين باباسلشخصية هيلينفي دورٍ محدودٍ جداً و كلماتٍ لا تتجاوز أصابع اليد .

وضع هذا الفيلم غافراسعلى أول طريق المجد ، حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً في فرنساو الولايات المتحدة، و كان أول فيلمٍ على الإطلاق يرشح لأوسكاري أفضل فيلم و أفضل فيلم أجنبي ، فيلمٌ مهم في (صورةٍ) هي مزيجٌ من إيقاع فيلم بونتيكورفوو تأثير الموجةو روح ميلفيل، تحكي (حكايةً) ظاهرها التداعيات القانونية في أعقاب اغتيال شخصيةٍ سياسيةٍ بارزة ، وباطنها نظرةٌ في عمق الحكومات الشمولية ، و في الحرية التي لا تحتاج لحماية لأن الخطر الأكبر على الحرية – أي حرية – يأتي دائماً من أولئك الذين يحمونها .


Yeelen

$
0
0
كتب :خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

بطولة :إيزاكا كين ، نيامنتو سانوجو
إخراج :سليمان سيسيه (1987)

"الحرارة تصنع النار ، و العالمان – الأرض والسماء – يوجدا عبر النور"

فيلم المالي سليمان سيسيهيعتبره البعض أعظم فيلم أفريقي تم إنجازه ، لكن الشيء المؤكد أنه من أجمل الأفلام قاطبة ، بعيداً عن أي حضارة نعرفها يأخذنا فيلم سيسيهإلى القرن الثالث عشر ليعيد تصوير أسطورة شهيرة من بلده مالي، عند التعامل مع الأسطورة يكون من الصعب تحويل الشفهي إلى بصري ، ومع ضعف بعض الإمكانيات وغياب البعض الآخر يصبح الأمر مستحيل ، هذا الفيلم حقق – بنجاح كبير – المستحيل .


أسلوب سيسيهغير السردي من الممكن أن يُربك المشاهد ، في الغالب لا أحمل إيمان عميق بإمكانية حرق أحداث الأفلام العظيمة ، الفيلم العظيم يكمن سحره في ما لا يمكن قوله ، كما أن إحدى كرامات الفيلم العظيم هو أنك قد تعرف مقدار ما يحمله من قصة بالكامل ، لكنه يظل قادر على إمتاعك وإن اعتقدتَ أنك قادر على إفساد تلك المتعة ، الشيء الأهم أن يكون – كل مرة – قادر على مباغتتك .

فيلم سيسيهالخيالي يحمل علاقة مركبة بين شاب وأبيه ، الاثنان يمتلكان قدرات سحرية ، الأب يريد قتل ابنه ، لا يمكننا أن نعرف – عن يقين – لماذا يريد قتله ، و هذا يحير المشاهد و يزيد – بلا شك – من سحر الفيلم ، يعيش الابن مع أمه بعيداً عن الأب الذي نبذ ابنه منذ مولده ، اللمسة الأوديبية تصبح أكثر وضوحاً ، ربما الأب لا يريد للإبن أن يشاركه السحر (مُلْكَه).

الابن يهرب من أب يسعي جاهداً لإيجاده ، تبدأ رحلة الابن صوب عمه الأعمى ، سنعرف بعد ذلك أن العم ليس فقط شقيق أبيه ولكن توأمه كذلك ، رحلة الابن ستكون شاقة وهامة بالنسبة للابن ، حيث يستقل من رعاية وحماية أمه ليكتشف قدراته ويكتشف نضج عقله وجسده ، يمر الابن على قوم أرادوا قتله في البداية ، لكن ملكهم جعل الفتى مساعداً له بعد أن أراهم قدراته السحرية ، يستعينوا بالفتى الساحر في قتال أعدائهم فينجح في الاختبار ، يطلب منه الملك أن يعالج زوجته العاقر ، لكن الفتى يخون الثقة بنومه مع زوجة الملك ، يطلب الفتي من الملك تحقيق القصاص ، لكن الملك النبيل يتركه يذهب ويترك كذلك الزوجة الباكية ترحل مع الفتى ، الملك ذو الوجه القاسي و العين الدامعة يقدم صورة بديعة لنبل لا يفترضه "العالم المتحضر"في قوم بدائيين ، فإهانة الفتى و الزوجة لكرامة الملك لم تجعله يهدر بنفسه كرامته بقتل الزوجة أو قتل الفتى.

يصل الفتى مع زوجته الجديدة إلى عمه الذي يخبره بحقيقة الخلاف مع جده ، والذي على إثره عرض الجد نور الآلهة على العم مما تسبب في عمى العم ، يخوض الفتى معركة لا مفر منها مع الأب ، حيث يتعرض الاثنان للنور الساطع (عنوان الفيلم) ، لا نعرف نتيجة المواجهة لكننا نستنتج أن الأب والابن لم تكتب لهم النجاة ، و نرى أن الزوجة أنجبت ولداً يبحث في الرمال فيجد بيضتان من الحجم الكبير ، ثم ينتهي الفيلم بالسطوع .

الفيلم بدأ بشروق الشمس ، شروق الشمس يمكن إعتباره بمثابة بداية العالم ، الفيلم نفسه يمكن كذلك اعتباره العالم القديم أو عالم الأسطورة ، بينما السطوع يرمز لنهاية هذا العالم القديم وبداية عالم جديد ، لستُ من هواة تدمير الخلايا العصبية أثناء التفكير في الرمزيات ، لكن كل ما في الفيلم يوحي بالخلق وإعادة البعث .
هناك كم هائل من الأصالة في عمل سيسيه، ما يمكن أن نراه في هذا الفيلم يصعب أن نكون قد رأيناه من قبل ، السرد الأسطوري ، التركيبة الثقافية ، الأسلوب البصري ، الإيقاع ، سيسيهأنجز سبع أفلام خلال أكثر من أربعين عاماً ، (السطوع) هو خامس أفلامه السبعة ، استعان سيسيهبمصورين فرنسيين ، بينما الموسيقى كانت خليط ما بين الإنشاد المالي و الجاز الفرنسي .

تم إنتقاد الفيلم بسبب صعوبة تتبع السرد ، كأن لابد من الالتزام بمعايير معينة حتى يُمنح الفيلم المباركة ، حتى أن البعض اتهم الفيلم بالبدائية ! ، لنفس السبب يمكننا اعتبار مرآة (تاركوفيسكي) أو حكاية حكايا (نورشتين) أعمال قليلة الجودة ! ، ربما ما لم يفعله تاركوفيسكيو نورشتينأنهم لم يعدوا المشاهد بسرد بينما سيسيهتلاعب بالمشاهد قليلاً ، و يبدو أن البعض لم يعجبه الأمر .

الأمر الذي أجده معيباً فعلاً كان في الممثل القائم بدور الأب ، حيث أنه قد مات أثناء التصوير ، فاضطر سيسيهلأن يستعين بآخر و يعيد تصوير المشاهد السابقة ، لكن هناك مشهد واحد لم يتم استبداله ، فاصبح هناك ممثلان يلعبان نفس الدور في نفس الفيلم ، من العجيب ألا ينتبه أحد للأمر !

الشيء الذي لا جدل فيه هو الصورة الساحرة الشعرية والتصوير الخلاب الآسر ، كيف تم تحويل الأراضي القاحلة إلى جنة بصرية ! ، كيف استطاع سيسيه أن يحقق فيلم خيالي في أفريقيا ! ، و إن حققه كيف حققه بدون مؤثرات أو ممثلين محترفين ! ، الفيلم درس في القدرة على تحقيق المستحيل ، والشيء الأهم أنه نوع استثنائي من الجمال الخام .


Clouds of May

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

تقييمه :5/5

بطولة :أمين جيلان ، مظفر أوزدمير ، فاطمة جيلان
إخراج :نوري بيلجي جيلان (1999)

أعتقد أن أكثر ما جعلني أعشق السينما و أرى من خلالها أبعاداً أخرى جديدة هي الأفلام التي استطاعت أن تتوحد مع صانعها لتعبر عن عالمه ، أفكاره ، روحه بما يكمن فيها ، قلت من قبل أن الأفلام بالنسبة لي هي اتصال روحي بيني و بين صاحبها ، و الفيلم هنا هو أقوى اتصال روحي حدث بيني و بين نوري بيلجي جيلان، فهو الأقرب لروحه و أكثر أفلامه تعبيراً عنه بعدما شاهدت كل أفلامه.

الفيلم يحكي عن صناعة السينما ، صناعة أفلام تعبر عنك ، عن ولادة الأفكار و نقلها إلى الشاشة ، و أجمل ما في ذلك أنه لم يقتصر على عرضه لعالم المخرج / المؤلف صانع الفيلم ، كما في 8 1/2لفيللينيعلى سبيل المثال ، و إنما حكى عن المشاركين فيه ، حيواتهم ، هواجسهم ، و كيف سيصب ذلك في النهاية في فيلم لن تراه هنا ، هو في الأصل لا يحكي عن الفيلم الذي يُنتَج بقدر حديثه عن الحياة خلف ذلك الفيلم.

الفيلم الذي يحكي عنه نوري جيلانهنا هو أول فيلم روائي طويل له و هوKasabaوالذي سبق انتاج هذا الفيلم بـ 3 سنوات فقط ، و فكرت كثيراً بعد مشاهدة هذا الفيلم هل كان من الأفضل مشاهدةKasabaبعده أم مشاهدته أولاً كما حدث معي ؟! ، إلا أنني وجدت أن سواءً شاهدتKasabaقبل أو بعدClouds of Mayستجد في كلا التجربتين متعة مختلفة ، لأن الفيلم هنا و على الرغم من حديثه عن اخراج جيلانلـKasabaإلا أنه تجربة مستقلة متفردة بذاتها عنه.

الفيلم يقف في مسافة بينDistant الذي تلاه وKasabaالذي سبقه ، نشاهده و هو يحكي قصة صنعه لـKasabaوعلاقته بأهله و حكايات عن بلدته ، و من علاقة مظفرو سافيتهنا استلهم العلاقة بين يوسفو محمودفيDistantوإن كان مظفرلازال شغوفا بفنه يجرب فيه الأفكار الجديدة على العكس من محمود الذي ترك كل ذلك و اتجه للإعلانات التي تضمن له المال . في مشهد هنا يتحدث والدي مظفر / نوريعن الأفلام التي ينتجها وكيف أنه لا يهتم إن كانت ستجلب له المال أم لا .

وعلى ذكر والدي نوري جيلان، وعلى الرغم من أنهما ليسا ممثلين محترفين في عالم السينما ، إلا أنهما قدما آدائين من أجمل ما رأيت في حياتي ، تلقائيتهما ، ابتساماتهما المختلجة ، تعبيرهما عن الخوف و القلق و الضجر بشكل حقيقي واقعي يجعلني أفكر في مدى الراحة التي استطاع أن يخلقها نوري جيلانفي موقع التصوير ليجعلهما يقدمان شخصياتهما بتلك الطريقة العذبة الحميمية جداً ، من أجمل المشاهد - ليس فقط في الفيلم و إنما في السينما عموماً – و أكثرها رقة و عذوبة هو مشهد مشاهدتهم لأنفسهم من خلال تسجيلات سابقة قام مظفر / نوريبها باستخدام كاميرته و مقارنتهم بين صورتهم الذهنية عن أنفسهم وصورتهم التي يرونها على الشاشة.



Dark Eyes

$
0
0
كتب : فراس محمد

التقييم :4.5/5

بطولة :مارشيلو ماستروياني ، سيلفانا مانيانو
إخراج :نيكيتا ميخالكوف (1987)

هذه رحلة في ذاكرة شخص حالم , أو ربما , في مخيلة شخص حالم .

المخرج الروسي نيكيتا ميخاليكوفيحب اظهار ميله لمهد السينما العالمية الاول , ايطاليا , كل الافلام التي شاهدتها له فيها رائحة وملمس الفلم الايطالي , لكنها بهوية , وخصوصية روسية , الفرق الجوهري بين ميخالكوفو باقي اقرانه الروس , انه راوي قصص , و هو في الحقيقة راوي قصص ممتع , و يستطيع ان يجمع ما بين الحبكة القصصية المثيرة و المؤثرة , و ما بين افكاره و عمقها , كما في افلامه الاخرى , TheBarber of Siberia, والتحفة التسعينية , Burnt by the Sun.

و لكن هذه المرة نيكيتاكان اكثر ايطالية , اكثر مما عهدته , فقد قدم فلماً ايطالياً خالصا , و استقدم عبقري السينما الايطالية مارسيلو ماستروياني , في الفلم الذي منح هذا الاخير فوزه الثاني بلقب افضل ممثل في كان , و كان احد ثلاث افلام نال عنها ماسترويانيترشيحا لأوسكار افضل ممثل .

شعرت كثيراً و انا اشاهد هذا الفلم , بأسلوب تورناتوري , بملامسته لذكريات شخصياتها , لتبدو و كأنها ذكريات شخصية لمشاهديه ، كان نيكيتايتكلم عن ماضي شخصيته , بنفس الحب الذي تكلم به تورناتوريعن السينما في رائعته Cinema Paradiso، رغم ان فلمنا هذا يسبقه بعام , لكن اللمسة تبدو متشابهة , و ذلك من خلال تقديمه لشخصية رومانو , الرجل الذي لديه الكثير من القصص ليرويها , عن ماضيه , عن حبه لفتاة روسية , لعينيها السوداوين , و الأبرز , عن قدرته العجيبة على رواية القصص , مارسيلويعرف كيف يروي قصص مخرجيه , يعرف كيف يلعب على وتر الذكريات , قدرته على التحكم بنبرته الصوتية , على خلق ايقاع عاطفي للمشهد القصصي , كلها أمور تجعل من السهل الإصغاء لهذا الرجل , الذي لديه الكثير من الامور التي يخفيها , ليترك كلمة السر , لختام الفلم , كما اراد ميخالكوف .

بالرغم من أن الفلم يمتلك الكثير من الميزات , السينماتوغرافيا المميزة , الموسيقى الفخمة , و الكثير من اللقطات التي اخرجت بمزاج عالي , إلا ان الميزة الابرز كانت في اداء ماستروياني , أداؤه لهذه الشخصية الظريفة زادها كوميدية , حينما يريد ان يكون ماسترويانيمضحكا  فلديه اسلوبه في ذلك , ولكن عندما يريد ان يخترق عمق المشهد , يمنحه بعداً تراجيدياً مؤثراً , فلديه أدواته المؤثرة فعلاً , ماسترويانياختبر في هذا الفلم اغلب انواع التحولات الدرامية , فكان بلا شك فاكهة الفلم .

ما يعجبني في نيكيتا , انه لا يخفي حبه للسينما الايطالية , ولا يخفي تأثره بها ايضا , افلامه تحوي بساطة الشخصية الايطالية الكلاسيكية , كان في فلمه هذا قريباً من نيل السعفة , حتى اني قرأت في أحدى المرات ان الصحافة الفرنسية خرجت عن صمتها لتطالب لجنة التحكيم بمنحه السعفة .


This Is Spinal Tap

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم :5/5

بطولة :كريستوفر غيست ، مايكل ماكين ، هاري شيرر
إخراج :روب راينر (1984)

هذا هو الفيلم الوحيد على موقع imdbالشهير الذي يحصل على تقييم من 11بدلاً من 10تكريماً لعبارته الشهيرة These go to elevenالتي تحوّلت إلى مثلٍ أمريكي و اختزلت بالرغم من بساطتها الكثير مما يمكن قوله عن هذه الفرقة : بساطتها و حماقتها و جهلها و زيفها و احساس السيطرة على الأمور الذي تحاول أن تكسو به تصرفاتها .

و بالرغم من أن هذا التقييم الممنوح تكريميٌ و ليس حقيقي ، إلا أنه يليق في سياقه بواحدٍ من أفضل الكوميديات التي صنعت عن العمل الفني (أو الشوبيز كوميدي) و من أفضل الكوميديات عموماً ، و هي كوميديا لا تستمد قيمتها من جودة ما تقدمه فحسب ، بل من أهمية الأثر الذي خلفته وراءها في تشكيل الملامح المكتملة للموكومنتري، قبل هذا الفيلم كان الموكومنتريمجرد تجارب فرديةٍ حققها مخرجون أرادوا توظيف لغة الفيلم الوثائقي في تقديم أعمالٍ روائيةٍ كوميدية ، أبرز هذه التجارب كان عمل ريتشارد ليستر A Hard Day's Nightو فيلم وودي آلن Zelig، لكن تحوّل هذا الفيلم الى ما يشبه الظاهرة المصغرة حال اطلاقه ساهم في تقديمه كقالبٍ – نصيٍ و إخراجي – للعديد من الأعمال التي نهجت التوثيق لتقديم الكوميديا ، حتى أن كلمة موكومنتريذاتها ظهرت في أدبيات السينما لأول مرة على يد روب راينرفي معرض حديثه عن هذا الفيلم بعدما بقيت لسنوات حبيسة القواميس .

في الفيلم الذي كتب نصه و موسيقاه روب راينرو ممثلوه الثلاثة يتابع مخرجٌ يدعى مارتي دي بيرغي (تكريماً لمارتيو دي بالماو سبيلبيرغ) فرقة روك بريطانية تدعى SpinalTapتعود إلى الولايات المتحدة بعد 15عاماً على نجاحاتها ، يلاحق دي بيرغي (الذي يقوم بدوره راينرنفسه) أعضائها الثلاثة الرئيسيين ديفيد سانت هوبنزو نايغلتيفنلو ديريك سمولزعلى مشارف اطلاق البومهم الجديد (شمّ القفاز) ، يسبر ماضيهم و نشأتهم ، يتأمل في تطلعاتهم الإنبعاثية ، و يراقب فيهم عن كثب أسوأ ما يمكن أن يحصل لفرقة روك تحاول استعادة مجدٍ غابر : الغاء العروض ، و الخلافات ، و سوء التقدير ، و المشاكل التقنية على المسرح ، و فقدان الدعم من الجميع .

من خلال تلك المراقبة يتقدم الحدث بشكلٍ مؤلم بقدر ما هو مضحك ، نتأمل في تمسكهم بالأمل ، و في انقسامهم التدريجي على أنفسهم ، نلمح جهلهم النابع في جزءٍ منه من ثقتهم المتبقية بشعبيتهم ، و نشعر بالأسى و السخرية في الوقت ذاته و نحن نشاهد سيلاً لا يتوقف على مدار ساعةٍ و نصف من العبث و العشوائية التي سيطرت على حياتهم ، في تلاحق هذه الأحداث جميعها تكمن جودة النص الذي كتبه الأربعة لهذا الفيلم ، يستثمر ممثلوه الثلاثة عملهم مطلع حياتهم الفنية في فرق روك مختلفة و قربهم الشديد من المهنة ليسخروا من تفاصيلها الصغيرة دون أن يحرروا تلك السخرية من مذاق الأسى الذي يلتصق بها ، هذا جميلٌ جداً وفعالٌ في جعل الفيلم قابلاً للمشاهدة و الضحك مرةً تلو أخرى .

ذكاء هذا العمل برأيي يكمن في أنه يأخذ حيزه الزمني في مرحلة ما بعد الذروة الفنية ، على تخوم التلاشي ، هذه المرحلة تكون أقسى عملياً من مرحلة الأفول لأنها تلتقط فيهم شعور الخيبة و الإنكار و مسحة الأمل المتبقية ، تستخلص من مطاردتهم أكثر اللحظات الإنسانية بعيداً عن ماكياج الشهرة (الذي يطغى في الذروة الفنية) و رضااستذكار الماضي (الذي يستولي على مرحلة الأفول) ، نتأمل عالمهم - الصغير أصلاً - ينهار تدريجياً من حولهم فتتعاطف معهم حتى و أنت تضحك على آلامهم ، كوميديا الفيلم حقيقية ، ليست مدعية أو متسولة ، هو واحدٌ من أكثر الأفلام التي جعلتني أضحك عندما شاهدته أول مرة قبل سنوات ثم أعدته قبل أسبوع ، الكوميديا فيه – مثل تطورات أي نصٍ ذكي – تأتي من مفصل الحدث ذاته و لا يضعها الكاتب فيه ، تبحث عنها و تلتقطها و تضحك سعيداً بها ثم تتأمل في سياقها العام شعور الأسى الذي تولده ليس فقط تجاه هذه الفرقة ، بل تجاه كل صورةٍ جميلةٍ و براقةٍ ينخرها الزيف و الخواء و الإدعاء و الحماقة فيجعلها شيئاً مختلفاً تماماً .

و في نفس الوقت الذي تبدو فيه تفاصيل حياتهم مثاراً للسخرية لا يخفي العمل كم العاطفة الذي يؤطر علاقتهم بالموسيقى ، هم قبل كل شيء يقومون بما يحبون القيام به ، هذه العاطفة هي منبع الحاجز الذي يبقيهم بعيداً عن الإحترافية و النضج الفني ، لذلك لا يتيح النص لتلك العاطفة بالإستيلاء على الحكاية كي يحافظ على التناقض الذي يستكشفه ، يلامس حس التفلسف و البحث عن عمقٍ إفتراضيٍ لحياتهم ، الشعور الذي يدّعونه على الدوام و الذي لا يتيح لنا الفيلم الفرصة لإختبار تشكيكهم فيه أو حتى مراجعته ، هذا عظيم ، دائماً ما يكون الخواء و العبث كامناً في التفاصيل و ليس في الصورة الكبيرة ، عندما يكون في الصورة الكبيرة لا يستطيع أن يهجو أو يسخر لأنه يخسر توقع الجمهور الذي تفقده الصورة (الأحادية / الكبيرة /الساخرة) حماسه للإستكشاف و التأمل ، لذلك لا يقترب النص من الصورة الكبيرة ، يتركهم كما يروق لهم أن يبدوا للآخرين ، فرقة ناجحةً ذات ماضي تزور الولايات المتحدة ، يكثف جهوده فقط على سبر التفاصيل و جعلنا نسخر منها ، و هو توصيفٌ دقيقٌ لـ (الصورة الكبيرة) القائمة دائماً على الكثير من التفاصيل المناقضة لها ، لا وجود هنا للشرير و الخيّر ، لكن هناك الحقيقي و الزائف و المدّعي و الهش و المتلوّن و الضعيف ، سردٌ لا يقوم على حبكة أو حدث بل يقوم على تفاصيل ، لا يقوم على لوحة بل على القماش الذي صنعت منه اللوحة .

لا أقل من قيمة النص تأتي قيمة أبطال الفيلم الثلاثة الذين يحملون على عاتقهم – اكثر من التفاصيل التقنية للفيلم الوثائقي – مسؤولية جعل هذه الفرقة تبدو حقيقية ، هذا يتحقق بالفعل ، يذوبون تماماً في الأدوار لدرجةٍ تجعل من الصعب على المشاهد العادي فصلهم عن شخصياتهم ، هذا إذا سلّم اساساً بفكرة أنهم يؤدون أدواراً ، وجودهم و حضورهم و عفويتهم تصنع علاقةً وديةً جداً بين المشاهد و الشخصية و هذا يضرب في عمق التفسير المنطقي لشعبية هذه الفرقة و حضورها و قربها من القلب ، هم يجذبونك كأنك جزءٌ من جمهورهم ، ساهم في ذلك عملهم في الأساس على خطوطٍ عريضةٍ للسيناريو و ارتجالهم معظم حوارات الفيلم و بلهجةٍ بريطانيةٍ مميزة (هي ليست لهجتهم في الواقع) ، الأمر الذي زاد من حميمية الشخصيات و حقيقيتها وكوميديتها ، و جعل رد الفعل يبدو من صميم الشخصية التي لا يقدمها النص أساساً كشخصيةٍ مكتوبة و إنما كشيءٍ حقيقيٍ موضوعٍ تحت المجهر .

هذا الإرتجال – الذي أصبح بفضل الفيلم جزءاً لا يتجزأ من فن الموكومنتري– يدعمه روب راينربعملٍ إيقاعيٍ ممتاز على الكاميرا المحمولة و المونتاج أصبح هو الآخر قالباً جاهزاً للموكومنتري، صوّر روب راينرعشرات الساعات قبل أن يدخل غرفة المونتاج و هذا ما جعل تكثيف العمق المطلوب للعمل صعباً للغاية ، حتى اليوم ما زال هناك نسخٌ شعبيةٌ يتداولها محبو الفيلم تفوق مدتها الساعات الأربع ، روبرت لايتنفي غرفة المونتاج يزيل فائض التصوير – القائم في الأساس على الإرتجال – ليجعل من هذه الساعة و النصف شيئاً ذو قيمة ، طريقته في القطع من مشهدٍ لآخر تجسّد النكتة حرفياً و أصبحت اليوم اشبه بطقسٍ من طقوس الموكومنتري، القطع الفوري بمجرد إنتهاء الكلام و بالتالي إعطاء شعور الصدى في عقل المشاهد الذي يبتسم مع بدء المشهد التالي على الطرفة التي سمعها في نهاية المشهد السابق ، تجسيدٌ بصري للحظة الصمت الفاصلة بين سماع النكتة – إرسالها إلى الدماغ – ثم إعطاء الأمر بالضحك !

من المنطقي تفهم الحديث المطول الذي رافق اطلاق هذا الفيلم عن الإسقاطات التي قدمها لحياة عددٍ من نجوم الروك و النابع من استلهامه في سخريته لبعض المفارقات الغريبة في مسيرتهم ، هذا اثباتٌ برأيي على براعته ، الخطوط التي يمسك بها في توثيقه و تلك التي يرسلها تعمل على إشراكنا في ماضيهم بالمقدار الذي يحب ، و هذا ربما نقدٌ ذاتيٌ للأفلام الوثائقية عموماً و قدرتها على توجيه المشاهد كما تحب ، ماضيهم يوجّه درامياً و نعرف عنه ما يغني تقدم الحدث و يجعلنا نهتم به فقط ، كل هذا يتم في المساحة المشتركة بينهم و بين أي فرق روك اخرى : الحياة الصاخبة ، و ولع الوقوف على المسرح ، و نسبية النجاح ، و نقاط القيمة السوقية التي تزيد و تنخفض بسبب غلاف ألبوم أو مجسّم غريب يوضع على مسرح .


The Homesman

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :3/5

بطولة : تومي لي جونز ، هيلاري سوانك
إخراج :تومي لي جونز (2014)

في عام 2005 , أستقبلت كانأحد أعمال منافسيها بحفاوة كبيرة و أودعته جائزة التمثيل الذكوري الأفضل في مهرجان الفلم الأكثر شهرة و عمله بجائزة السيناريو , لصاحب ثلاثية الموت أرياغا , في نفس العام أيضاً ؛ تومي لي جونز , المُمثل الكبير , قدم في شريطه الروائي الأول و هو على مشارف عقده السادس "عمل الويسترن الأمريكي الأهم منذ رائعة (أيستوود) التسعينية"، كما جزم أكثر من شاهده .

بعد قرابة العقد , يعود جونزليترك موطأ قدم جديد في هذه الأراضي التي هجرتها الرحمة , أن يفتح نافذة خلفية على صراع جديد في إقليم لا يخلو منها , يروي فصل الشموخ الأنثوي الذي تم أغفاله في حديث النصف قرن عن الغرب الأمريكي , و يضيف لفظة (نيو/جديد) لصنف (ويسترن) الذي أنحسر مع مرور الأعوام .

رُبما لو عُدنا بالذاكرة قليلاً الى الوراء و تطلّعنا مُشاهداتنا من أفلام الغرب الأمريكي هذه لوجدنا أنه كان يمكن أن يكون النوع الأسرع تصنيفاً لمن هو بطل و من هو شرير فضلاً عن كونه المُجسد المثالي لمبدأ (من هو مع البطل فنحن معه و من هو ضدّه فنحن ضدّه) , بل لرُبما كانت قصة العمل (غالباً)مبنية على هذا الأساس رغم إعترافي بعظمة عدد لا بأس به منها ؛ جونز , على قلة عدد المرات التي وقف بها خلف كاميرا , لا يُقدم للجمهور ما ينتظره من صنف كهذا أو يُفضله من عمل ينتمي أليه , لا يجعل تمييز بطله أمراً يسيراً على المُشاهد , يزرع فيك كَرهاً ذلك الشعور المشوش الذي ينتابك مع إفتتاحية العمل و شعور الرضا التام عند إختتامه .

عمله هذا , الذي يشارك في كتابة نصه الروائي المُقتبس للشاشة , هو أقرب لدراسة سيكولوجية منه الى إستعراض كلاسيكي لمُغامرة تنتمي لحقبة القرن التاسع عشر , عن إمرأة ثلاثينية وحيدة تتقدم ساكني قريتها الصغيرة بعمل ريادي يتمثل في قيادة عربة بصحبة ثلاث نساء مضطربات عقلياً و رجل من عتاة المجرمين (أو كما يقول) عبر الصحراء الأمريكية من أجل أعادتهم لمصحة المدينة و طرد الأرواح الشريرة التي تسكنهم (أو كما يقولون) ! ، فالوجهة هنا لا تهم جونز بل يحاول بإصرار أن يتلافى الحديث المشوق عن مخاطر رحلة قاسية كهذه من أجل تكثيف العدسة على نوازع بطل عمله الفظ - و هنا تقلبات جونزالمجنونة و رقصاته المفاجئة تذكرني بـ (والتر هيوستن) فيSierraMadre و رغبات بطلة عمله المكسورة و هي تحاول ترويضه - و هنا ترقب هيلاريسوانك , حاملة الإوسكارين , في تنافس مُحتدم من أجل ثالث.

جانب من جوانب هذا الفلم الأخرى التي تستحق الإشادة هو تعامله الذكي مع الخصائص الإجتماعية الغريبة للريف الأمريكي في ظل التحولات العظيمة التي عصفت بالبلاد و هذا يتسلهمه المُخرج في هالة اليأس الذي تُحيط بهذه المرأة القروية المُميزة التي يأبى حتى مُعدمهم الزواج منها , و مع الخصائص البيئية أيضاً و هذا ما يستحصله بإمتياز من عرض العلاقة بين الأنسان و الطبيعة و تأثير أحدهما في صُنع الآخر؛ جونز , في دور (رجل المنزل) , كترجمة حرفية لعنوان العمل , يبدأ الرحلة بشكل معكوس , من طرفها الأبعد عن الحضارة (الغرب) و يتوجه بها تدريجياً صوب (الشرق) من أجل إبراز جلي واضح لهذه الخصائص ؛ يجسد الطرف الثاني من علاقة مُتنافرة في بدأ العمل , حميمية قليلاً في مُنتصفه , و عاطفية بشكل أكبر عند إنتهائه , و هذا ما يُميز أيضاً ميله المُتقن الى التأمل الفلسفي في المصير عوضاً عن خلق أثارة سطحية تُغطي ملامح هذا العمل و تجعل من نوع هذه العلاقات المُعقدة بسيطاً , تنساها مع نسيانه !

كثيرة هي تلك الأمور التي سأتذكرها من عمل كهذا بالرغم من ثغراته و عيوبه في تقليصها , منها : نفس توبوغرافي جميل تكفله عدسة المُرشح الأوسكاري رودريغوبرايتورغم مسرحية الأحداث، موسيقاه التي تمتلك حنيناً خاصاً لسينما فوردبأنامل و دقات قلب بلترامي , رائد سينما الرُعب , في تخليه عنها مرة أخرى لغزو الأراضي المكسيكية (موقع التصوير) مع جونز؛ و أخيراً , مُشاهدة مُنتظرة لردود أفعال العامة في صنف كهذا : الراندي , الداندي , و كل أحد آخر يقف وسطاً بينهما !


Viewing all 508 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>