Quantcast
Channel: مشاهدات سينمائية
Viewing all 508 articles
Browse latest View live

Death by Hanging

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم :4.5/5

بطولة :ميتشينوري فوكاو ، مامورو ساساكي
إخراج :ناغيسا أوشيما (1968)

يبدأ الفيلم بطرح سؤال فلسفي مباشر عن موقفك أنت - كمُشاهد - من الإعدام كعقوبة جنائية ، ثم يعرض بعض الإحصائيات و بعض الأفكار المتعلقة بالسؤال الرئيسي ، ينتقل الفيلم بعدها مباشرة لمونولوج طويل عن غرف الإعدام و وصفها و كيف أنها من الخارج و الداخل تشبه إلى حد كبير المنازل التقليدية ، ثم ينتقل - كل ذلك في شكل وثائقي مباشر - إلى وصف تفصيلي لعملية إعدام على وشك الحدوث و بالفعل تحدث العملية ، كل الأمور تسير هنا على نحو واضح و مباشر تجاه طرح فكري معين متخذة شكل سينمائي لا يعطى للمُشاهد أي مساحة للتأمل أو التفكير حتى في مضمون السؤال المطروح في بداية الفيلم ، لكن ماذا يحدث عندما لا يتوقف قلب المُتهم عن النبض بعد إعدامه ؟ كيف ستسير الأمور فكرياً و سينمائياً بعد ذلك التحول ؟

الإجابة على ذلك السؤال تدفعني دفعاً إلى إعادة النظر في مفهوم "الحبكة"كأرضية للسرد السينمائي للأحداث و الشخصيات ، حبكة الفيلم هنا تنطلق بعد فشل عملية الإعدام إلى أفاق أكثر تجريداً و عبثية دون الانفصال بشكل مذهل عن طبيعة الجدل الفكري الذى حمله السؤال إياه و دون الانفصال أيضاً عن خلفيات تاريخية و ثقافية تبدو في المُجمل أنها تعطى الفيلم أفكار الفيلم طبيعة أكثر خصوصية و أكثر محدودية ، كل ذلك بدون إثارة الطرح نفسه أو بمعنى أدق إثارة الحبكة نفسها التي تُشكل هنا طبيعة الشكل الذى اتخذه السرد حيث المزج بين الواقع و الحلم ، المزج بين العبث و الجد ، إذن لا يمكن هنا بأي حال من الأحوال فصل "الحبكة"عن "السرد"و بالتالي عن أفكار الفيلم و شخصياته .

العبثية الساخرة التي يمتلأ بها الفيلم تثبت و تؤكد أن الأفكار الفلسفية الجادة التي تحتاج إلى مجلدات لمناقشتها ليس لها إلا العبثية سبيلاً لتحويلها إلى مادة جذابة و مثيرة للذهن ، طبيعة الإنسان حتى تعكس بشكل قوى تلك المفارقة ، بعد استيقاظ المتهم من عملية الإعدام الفاشلة تختفى ذاكرته تقريباً فهل يكرروا المحاولة ثانية ؟ ، أم عليهم أولاً أن يُذكروه بجرائمه و يشعر بالذنب فيتم إعدامه ثانية ؟ ، فلنلق نظرة على الموجودين في غرفة الإعدام : رجل دين يرى فيما حدث أن روح الرجل قد رحلت و بقى جسده فقط فلا يجوز إعدامه ثانية ، طبيب يحاول تفسير ما حدث على استحياء دون امتلاك جواباً شافياً ، رجال قانون يظلوا يتساءلون عن موقف القانون مما حدث و هل يُعيدوا المحاولة بعد أن يستعيد وعيه أم قبل أن يستعيده ، و مُدعي عام يظل صامتاً مُدعياً أنه هنا ليشاهد فقط ، يستيقظ المتهم ناسياً كل شيء و كأنه وُلد من جديد ، يتفق الجميع على أنه يجب أن يتذكر جرائمه ليتم إعدامه ثانية و من هنا يبدأ العبث ، يحاولون إعادة تمثيل جريمتيه أمامه فيتخذ الحوار طبيعة ساخرة مثيرة و تتماهى الشخصيات مع تلك السخرية كأنها رد فعل جاد و طبيعي للمفاجأة التي حدثت ، هنا تنسج "الحبكة"شكلاً سردياً ينتقل بين الحلم و الواقع ، ففجأة ننتقل إلى منزل المتهم لإعادة تمثيل حياته الأسرية علّه يتذكر ماضيه ، و تارة أخرى ننتقل إلى مسرح الجريمة نفسه لإعادة تمثيل الجريمة ، ثم ننتقل إلى غرفة الإعدام مرة أخرى و معهم الضحية التي قتلها المتهم و التي تستيقظ هي الأخرى ، لا تستطيع أنت كمتفرج أن تحدد بالضبط متى بدأ الحلم و متى بدأ التخيل و بالتالي لن تستطيع أيضاً تحديد متى انتهى ، السيناريو كان ذكياً جداً في هذه النقطة ، حيث توازن مذهل بين قوة الحبكة و طبيعة ما تفرضه من أفكار و شخصيات و ردود أفعال و بين تفرد السرد و انتقاله الرشيق و المثير للذهن بين ماضي الشخصيات و حاضرها ، بين ما بداخلها و ما يدور حولها من ظروف ، بين قانونية الاعتراف بالذنب و إنسانية الإحساس بقسوته و التّطهر منه ، كل تلك الانتقالات تحدث في هامش تجريدي بين الحلم و الواقع مدعومة بتشكيلات بصرية في منتهى البراعة ، الصورة هنا تستسلم للأسلوب و ليس للأفكار ، تخدم الأسلوب فتعطى للأفكار بُعداً بصرياً يثير التأمل ، الكلام عن جماليات التشكيلات البصرية في الفيلم من الممكن اختزاله في كم الكادرات التي من الممكن تأويلها فكرياً بسهولة ، تأويل لا ينفصل في النهاية عن قوة الحبكة و تفرد السرد .

سُئل سكورسيزيمؤخراً من قبل مخرج مبتدئ عن الأفلام التي عليه أن يشاهدها كمخرج في بداية مشواره فأعطاه قائمة بـ39 فيلماً غير ناطق بالانجليزية ، 39 فيلماً اعتبرهم سكورسيزيمنهاجاً و مرجعاً مهماً و شاملاً لأى صانع سينما مبتدئ ، كان من ضمن الـ39 فيلماً هذا الفيلم المجهول ، الاختيار كان غريباً و غير مألوف ، بعد المشاهدة استوعبت بالطبع لماذا اختار هذا الفيلم ضمن تلك القائمة المميزة ، الفيلم بالتأكيد يقدم شكلاً سينمائياً متفرداً ، متفرداً في استغلاله الغير مسبوق لمفهوم الحبكة و علاقتها شكلاً و مضموناً بالسرد السينمائي و كيفية استغلال أفكار فلسفية من نوعية الذنب و الوعي و العدالة و أخلاقية عقوبة الإعدام في شكل عبثي ساخر سيريالي في منتهى الجمال .


Le passé

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :4/5

بطولة :بيرنس بيجو ، طاهر رحيم ، علي مصطفى
إخراج :أصغر فرهادي (2013)

يستطيع فرهاديبسلاسة ان يتعامل مع شبكة العلاقات التي تشبه شبكة العنكبوت , قيمة الاثارة التي يستطيع منحها للفلم تأتي بأنه ينتقل كالعادة من الحدث الاصغر نحو الصورة الكبيرة , وكأنه يصور اصغر عقدة من شبكته قبل ان يعود بالكاميرا للخلف لتظهر بقية العقد وتشابكها , ولكن هنا كان في ذلك مخاطرة أكبر , مخاطرة في عدم استيعاب وفهم شخصياته , فلمدة ساعة من عمر الفلم لم أكن قادراً على التواصل واستيعاب شخصية أحمد , او سبب مطالبة ماري بالطلاق , وبدت شخصية سميردون ارضية , ولكن قدرة فرهادي على البناء خطوة بخطوة لشخصياته تسايراً مع ظهور وبروز عقد الفلم بدأت الشخصيات تأخذ موقعها ضمن هذه البازل العائلي .

أحب ان ارى الفلم كالتالي , في فلمه A Separationالمرتبط بشدة بطبيعة المجتمع الايراني كان الانفصال هو حجر الأساس , هو الذي تدور حوله كل الافكار , لكن في فلمه هذا يبدو ان الارتباط المشروط بالظروف التي وضعها فرهاديبشكل تفصيلي في الفلم هو الشيء المؤرق , دوما يسأل فرهادي سؤاله الاخلاقي , هل هذا صحيح أم خاطئ , ورغم ان اسم الفلم يدل على الاحداث الماضية , ومن المشهد الافتتاحي تظهر كلمة (ماضي) وتحاول مساحات النافذة الامامية للسيارة ان تمحيها , إلا ان فرهادييتحدث عن أثر الماضي المتبقي , (الاثر الذي تركته المساحات في الافتتاحية).

حنكة فرهاديمكنته من تصوير صراع هذه الشخصيات مع ماضيها , وانها ما زالت تعيش فيه دون ان يكون الماضي ذات نفسه موضوع للنقاش او العودة , هم ينظرون لبعضهم فيروا وجوه في الذاكرة واحداث في الذاكرة , طريقتهم في تجنب الحديث عن الماضي , وتجنبهم لفتحه وتجنبهم لبعضهم اعطى احساس بثقله , وان ما يحدث على الشاشة كل خيوطه ما زالت مشدودة , الانتقام في هذا الفلم تُطهر رغبة في عودة الماضي , او عدم رغبة في مشاهدة مستقبل لا يكون ذاك الماضي اساسه , المشكلة كانت في إمكانية المضي قدماً , المستقبل بهذا الشكل سيُبنى على كذبة , يكذبون على انفسهم , وهذا اساس غير صالح للاستمرار , وهم يعرفون ذلك .

أكثر ما اعجبني في الفلم أن فرهاديلم يرغب مطلقا في تصوير اي شكل من اشكال صراع الثقافات او تعارضها , منذ البداية شعرت ان فرهاديلابد انه سيتعامل مع شخصية احمدكشخصية ايرانية تقليدية في مجتمع مختلف , للدرجة التي جعلتني استغرب ردود فعله على ما يحدث في المنزل (و أي تعامل مع شخصية أحمدعلى انها تقليدية هي مشكلة المُشاهد وليست مشكلة الفلم) , علاقته مع لوسي , وخصوصا علاقته مع ماري , لكن الفلم يعطيك انطباع لا يمكن تجاهله , ان أحمدرجل يستوعب تماماً العقلية التي يوجد فيها هنا , والتي في "الماضي"كان جزءا منها , وتستوعب عدم احقيته في التدخل او الإملاء , وأن كل ما قام به كان ايضاً بدافع من علاقة ماضية وحياة لا يجب ان تنجرف بشكل سيء بسبب تدخلاته او عدمها , شخصيته الغير صدامية , والتصالحية (التي كانت محرض على ظهور تشابكات الفلم) كانت تعبير عن مدى استيعاب فرهاديللشخصية من الاساس , وانها لا يجب ان تنقل اي افكار إلى الحبكة لا تنتمي لها , أحمدلم يتصرف كرجل ايراني , بل تصرف كأي رجل , يعود لماضي هذه العلاقة التي يعرف حدودها , أحمدشخصية بالصدفة ايرانية , واعتقد بالمجمل ان وجود شخصية ايرانية واخرى عربية في الفلم لا تدل سوى على قدرة المجتمع الفرنسي المختلط على الاستيعاب , طالما ان هذه الشخصيات استطاعت استيعاب خصوصية المجتمع الفرنسي , وهذا نقطة البناء الاساسية لشخصيتي أحمدو سمير .

Meshes of the Afternoon

$
0
0
كتب : عماد العذري

التقييم :4.5/5

بطولة :مايا ديرن ، أليكساندر هاميد
إخراج :مايا ديرن ، أليكساندر هاميد (1943)

هذه النوعية من الأعمال الطليعية و التجريبية إما أن تجد لها متسعاً في وعي المشاهد و بالتالي تنال قبوله ، أو لا تجد ، لا علاقة لذلك بالثقافة السينمائية أو الإدراك الفني ، هدفها دائماً كسر السائد على صعيد السرد أو الحكاية أو التكنيك الإخراجي ، إما أن تتقبل ذلك الكسر أو لا تتقبله ، هكذا بكل بساطة .

مرت السينما الطليعية بمرحلتين رئيسيتين ، الأولى جاءت مع بواكير السينما الأولى كرد فعلٍ طبيعيٍ على هذا الإختراع الوليد ، فكرة السينما بحد ذاتها كانت تقتضي ظهور عددٍ هائلٍ من الأفلام الطليعية ، أتاح الإختراع الوليد لعددٍ كبيرٍ من المخرجين و الفنانين – فقط بوجود كاميرا تصويرٍ سينمائي - تجريب ما يشاؤون في مرحلةٍ كان الوسيط الفني الجديد ما يزال بكراً ، و مع ظهور الحكايات و السوق و النجوم بدأت سينما التجريب تضمحل تدريجياً بين الحربين العالميتين ، المرحلة الثانية كانت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية و تحديداً بفضل مجموعة مشاريعٍ سينمائية تصدرها هذا الفيلم ذي الأربع عشرة دقيقة و الذي لطالما نسب الى مايا ديرنوحدها ، الأمر الذي قيل بأنه كان سبب انفصالها عن زوجها و شريكها اليكساندر هاميدلاحقاً .

الحكاية – إن صح تسميتها كذلك – عن امرأةٍ نراها تعود إلى منزلها بزهرةٍ وجدتها في طريق عودتها ، تنام على كرسي و تستغرق في نومها فترى حلماً متكرراً لها ، تطارد فيه كياناً غريباً لجسدٍ بوجه مرآة ، يعاد الحلم مع صورةٍ إضافيةٍ لها و تجربةٍ جديدةٍ في تأمل ما يجري .

في هذا العمل تلقي مايا ديرنرفقة زوجها و شريكها في الإنتاج و التمثيل أليكساندر هاميدنظرةً في العمق على امرأةٍ تستلهم تطلعاتها اليومية و الضغوطات و العقبات التي تواجهها من خلال الغوص في اللاوعي عبر تجربة الحلم هذه كإنعكاسٍ لحالة المزاج اليومية التي تعيشها مؤخراً ، تستخدم ديرنالسينما كوسيطٍ لتجسيد هذه الحالة في بنية غير قصصية تستمد قوتها من أمرين : الأولهو عملية السرد ذاتها و فكرة توظيف الأحلام المتكررة ، حلمٌ داخل حلم داخل حلم ، من أجل التعبير عن حالة البطلة التي تكسر حاجزاً اضافياً مع الذات كلما غاصت أكثر في لا وعيها مع كل حلمٍ جديد ، تمسك بتلابيب ضعفها و تعثر على مفاتيح خلاصها كلما تخلصت من خوفها القادم من الوعي ، و الثانيمن القيمة التي تقدمها الحالة التي تسرد علينا عن حقوق المرأة و التيارات النسوية التي لطالما ارتبط اسم مايا ديرن بها .

ديرن تأخذ هنا الميلودراماكصنفٍ سينمائي و تعمل على تحويله الى شيءٍ آخر مستلهمةً الأعمال الطليعية الأولى و خصوصاً عملي بونويلو داليالشهيرين ، تأخذ مادة الميلودراما المفضلة حيث الأنثى المنسحقة تحت وطأة المخاوف التي خلقها المجتمع فيها جراء الحكم الذكوري له ، لكنها تكسر قالب الميلودراما – الرائج جداً حينها – لتقدم شيئاً مختلفاً على صعيد الشكل على الأقل .

في العمق لا يقدم العمل تجربةً للمشاهدة ، هو يقدم حالةً يمكن الحديث عنها في سطرين ، لكنه يترك للمشاهد ترجمتها ، يكمن اختلافه – و ربما مكمن قوته لدى البعض ، ضعفه لدى البعض الآخر – في المساحة التي يوفرها لـ (الرمزية) ضمن عملٍ سريالي الطابع ، الرمزية هنا جزءٌ من البنية غير القصصية التي تقدم لنا ، وجودها هو ما يمنع هذه البنية من التحول لمجرد خربشاتٍ مجنونة ، لكن هذه المساحة في الوقت ذاته قد تكون ربما عقبةً في استفزاز ذهن المشاهد و الذهاب بعيداً في مخاطبة لا وعيه كما يجري في الأفلام الطليعية و بالتالي قد يجعله ذلك التبسيط الرمزي عملاً للمشاهدة الواحدة فقط ، و مع ذلك من الصعب انكار أن هذه التجربة ذات الـ 14دقيقة هي من فتحت الباب الحقيقي لسينما ديفيدلينش– مثلاً - التي مزجت السريالية بالرمزية لكن مع عملٍ أكبر على البنية القصصية .

في التسلسل السردي تترك لنا ديرنمساحةً لتفسير ما يجري بناءً على تلك الرمزية و لذلك تتعدد القراءات للبنية السردية ذاتها و ان كنت أميل لاعتبار الفيلم بدقائقه كلها مجرد حلمٍ متعدد المستويات بالرغم من أن قراءاتٍ أخرى ترى في لوحتيه الأولى و الأخيرة أحداثاً حقيقية ، في المستوى الأول، البسيط و القريب من لحظة اليقظة ، تقدم لنا ديرنإمرأةً تعاني من عذابات / صراعات / تناقضات، منها ما تعرفه و منها ما تشعر بتأثيره عليها ، الوحدة ، و الإحباط ، و ربما هاجس الإنتحار ، (الوردة)التي تلتقطها مطلع الفيلم هي (الشيء الجميل في حياتها) ، ربما الحب أو العاطفة أو رغبة الحياة ، في الواقع هذا ما تبدو عليه للآخرين ، تتجنب الكاميرا في هذا المستوى التعامل مع وجه البطلة ، تلتقط يديها ، مشيتها ، ظلها على الحائط ، هذه الضبابية هي الصورة التي تبدو عليها البطلة ، ينزلق المفتاحعبر الدرج فتحاول اللحاق به و التقاطه ، في المنزل تجد سكيناًفي قطعة خبز و هاتفاًرفعت سماعته و نافذة مفتوحة و فونوغرافاً يعمل ، يتضح لنا هنا أنها لا تعيش وحدها ، تذهب في النوم ، لترى في حلمها – او المستوى الثانيمن الحلم - انها تطارد شخصاً بوجه مرآة يحمل وردتها ، الشيء الجميل في حياتها ، الكاميرا في هذا المستوى تلتقط وجه البطلة ، هي هنا نظرة البطلة لذاتها ، تعجز عن اللحاق بذلك الكائن الغريب ، و في منظور المستوى الثاني من الحلم يبدو هذا تعبيراً عن عجزها الحقيقي عن ادراك مكمن مخاوفها التي تسرق الشيء الجميل في حياتها، تنصرف الى منزلها ، تعثر على السكين و على سماعة الهاتف مجدداً ، (سماعة الهاتف)تبدو رمزاً للهاجس الذي يناديها و لا تأبه له فتغلقه كل مرة، و (السكين) هنا هي كنايةٌ عن (النهاية)، في هذا المستوى لا تدرك البطلة ذلك (الهاجس) و لا تدرك كيفية (النهاية) ، نرى – من خلال كاميرا هاميدو أداء ديرن - كياناً ثقيلاً يمنعها عن البقاء في غرفتها ، بطلة ديرنهنا تعاني العجز و الخوف من شيءٍ في ذاتها يمنعها عن اتخاذ قرارٍ تجاه من يسلبها الشيء الجميل في حياتها، ترى نفسها نائمةً في الغرفة ، تطل من الشباك على المستوى الثالثمن الحلم ، ترى نفسها مجدداً تطارد الكيان الغريب ذو وجه المرآة ، تنصرف الى منزلها و تخرج المفتاح من فمها ، (المفتاح) هنا هو كنايةٌ عن (الحل) ، و وجوده يخرج من فمها دليلٌ على أنها تملكه دون أن تدركه، في المنزل ترى الكيان الغريب يصعد إلى غرفتها حاملاً الوردة ، تجرؤ في هذا المستوى على ادراك أن هذا الكيان الغريب هو جزءٌ من منزلها ، لكنها تصعد بصعوبةٍ وراءه من أجل اللحاق به ، لا تدركه لكنها تراه هناك يضع الوردة في سريرها ، ترى الوردة سكيناً ، بطلة ديرناقتربت اكثر من ملامسة مخاوفها ، امتلكت الحل دون أن تدرك كينونته بعد، ترى نفسها نائمةً تحلم ثم تنظر من النافذة على مستوى رابعٍللحلم ، نسخةٌ رابعة منها تطارد الكيان الغريب ثم تنصرف الى منزلها ، المفتاح مجدداً موجودٌ في فمها ، لكنه يستحيل سكيناً هذه المرة ، العمق الرابع للحلم يقدم حلاً ، نهايةٌ لكل شيء ، تعرضه على نسختيها الأخريين كـ(مفتاح / حَل) ، لا يكون سوى مجرد مفتاحٍ بالنسبة لهن ، لكنه يستحيل سكيناً في يد النسخة الثالثة ، في أعمق أعماق الحلم ، حيث المستوى الرابع ، تكسر الشخصية قيودها و تعثر على الحل الذي يحررهاو هو حل ترفضه نسخ المستويين الثاني و الأول كنايةً عن ضعف و هشاشة البطلة و عدم قدرتها على اتخاذ قرارٍ كهذا، هي تعرف الآن كيف ستتصرف ، لكنها لا تعرف تجاه من ستتصرف، تتوجه النسخة الرابعة نحو النسخة الأولى النائمة لإنهاء كل شيء ، تسير على الرمل و العشب و الأسفلت و السجاد كنايةً عن طول المسافة التي استغرقها فعلٌ كهذا ، عند لحظة الفعل تستيقظ النسخة الأولى هلعة على وجه حبيبها ، استيقاظها هنا رمزيٌ بحد ذاته ، هي تذهب في مستوى أعمق للحلم حيث تتحرر من وعيها و تدرك في لحظة (الإستيقاظ) هذه تجاه من ستتصرف ، تصعد وراء حبيبها الذي يحمل (الوردة / الشيء الذي تحب) ، نراه يغلق (الهاتف / الهاجس) ، تراه على نفس هيئة الكيان الغامض يضع الوردة في سريرها و ترى وجهه في المرآة ، تستلقي الى جوار وردتها التي تستحيل (سكيناً / نهايةً) لكل ما يجري ، توجه السكين باتجاه رجلها فتتحطم مرآته و يلتهمها البحر ، في المستوى الأخيرمن الحلم نرى من شباك النافذة رجلها هذه المرة – و ليس بهيأة الكائن الغريب – يعود إلى المنزل ليرى الوردة مرميةً في الخارج ، و يراها هناك ، تجلس على كرسيها و قد أنهت كل شيء ، مخاوفها ، تطلعاتها المكتومة ، ذكوريته ، تحررت و انعتقت من هواجسها التي لا تهدأ .

هذا الإعتماد الواضح على الرمزية في التعامل مع سريالية الحلم قد يصنع مشكلة تقبلٍ لدى البعض و مشكلة ديمومةٍ لدى بعضٍ آخر ، مع ذلك فالسرد المقدم مفتوحٌ على قراءاتٍ متعددة قائمة على طرق التوظيف المختلفة للرمز في السينما ، ما يهم هنا أن ديرنتحقق مبتغاها ، تتناول مخاوف بطلتها و التي هي مخاوف المرأة من الرجل عموماً ، مخاوفها الموجودة في عقلها الباطن و التي هي بحاجةٍ لتحريرها أولاً كي تتحرر ، تنجز ديرنتلك الصورة بأقل التكاليف الممكنة ، كتبت فقط خطوطاً عريضةً للحكاية ، قامت بالبطولة مع زوجها و هو ذاته الذي نفذ التصوير السينمائي بكاميرا 16ملم متواضعة ، حتى أن ديرن أضافت الموسيقى التصويرية بعد 13عاماً بفضل تعاونها مع زوجها الثالث الموسيقار الياباني تيجي آيتو ، بهذه الأدوات فقط عاش هذا الفيلم ، و بهذه الأدوات وضعت ديرن لإسمها مكاناً في تاريخ السينما .

Shoah

$
0
0
كتب :خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

اخراج :كلود لانزمان (1985)

"الذكرى مليئة بالثقوب ، لكنك إن أعدت بناء ذات المشهد في حالته صلبة ، لن تحصل على مجرد ذكرى ، لكنك ستحصل على إعادة إحياء الماضي" - كلود لانزمان

هو فيلم صناعته مرهقة ومشاهدته مرهقة والحديث عنه مرهق ، على الرغم من كونه لم يستخدم لقطات أرشيفية أو صور تنقل ما حدث – رغم كثرتها – إلا إن تأثيره كان الأعمق والأكثر فزعاً بصورة أعظم أثراً من أفلام لجأت لتصوير المأساة بالدراما ، فالتعبير – الذي قُتل استخداماً – بأن الفيلم "يجعلك جزء من التجربة"لابد أن يصبح صادق وحتمي في فيلم عظيم مثل هذا.

عنوان الفيلم يعني النكبة / الخرابوهي الكلمة التي أصبحت مرادف للهولوكوستباللغة العبرية ، العضو السابق في المقاومة الفرنسية كلود لانزماناستخدام صور شعرية للأماكن الشاهدة على بشاعة الماضي كما استخدم شهادات مؤلمة كانت بعيدة عن برودة التنظير ، شهادات اقتصرت على الناجيين والجناة والشهود المعاصرين ، لم يهتم بالتسلسل الزمني ولم يستخدم أسلوب الراوي حتى يكون الفيلم تجربة تُجتاز وليس قصة تُروى.

العسكريين النازيين رفضوا التصوير لكن لانزمانلجأ إلى الخداع الاستخباراتي ، أوهمهم أن الحديث سري في الوقت التي كانت الكاميرا مُخبَّأة في حقيبته ، في الخارج ينتظر في الحافلة تقني لالتقاط الصوت والصورة ، اكتشف الخدعة أحد النازيين فأوسع لانزمانضرباً تسبب في مكوثه شهراً في المستشفى ، بالإضافة إلى مقاضاة المخرج لتصويره بدون إذن.

الأحداث والتحليل لا يوجد لهم مكان كبير في الفيلم ، الوصف يستمر ولا ينتهي ، سائقي قطارات الموت لم يمكنهم تحمل صراخ "الحمولة"إلا عن طريق معاقرة الفودكا التي منحها لهم النازيين بسخاء ، المعتقلين التشيكيين غنوا النشيد الوطني التشيكي أثناء سيرهم منقادين إلى غرف الغاز ، وصف آلية عمل وهيكلة غرف الغاز من قبل أحد النازيين في مقابل وصف حال الجثث وتموضعها من قبل أحد الناجين ، الحلاق الذي كُلِّف بحلق رؤوس النساء قبل إبادتهن فيجد زوجته وسطهن.

كل هذا والمشاهد لا يرى صورة واحدة لما حدث ، فالصورة تقتل الخيال كما قال لانزمان، تأثير المادة الفيلمية يظل تأثير مادي سطحي ، بينما تأثير الخيال والمحسوس اللامادي يصبح ندبة في الضمير.

لانزماناستغرق في صناعة عمله المُلْهِم إحدى عشر عاماً ، خمس سنوات في مرحلة المونتاج ، 350 ساعة تم تصويرها في أربعة عشر دولة لكن الفيلم بصورته النهائية تكون من تسع ساعات ونصف ، ساهم في طول مدة الفيلم عدم قدرة المحاور / المخرجعلى الحديث بالبولاندية أو العبرية أو اليديشية لكن لانزمان لم يحذف الجزء الخاص بترجمة المترجم ولم يضع ترجمة مُرافقة المتحدثين ، لم يكن هذا تضييعاً للوقت لكنه منح الفيلم ثقلاً لا يضاهى ، حيث منحنا الوقت الكافي لإلتقاط المشاعر من الوجوه وحركة الجسد قبل أن نعرف معنى الكلام وإن كنا استنتجنا جزءاً من فحواه.

في بعض الأوقات يستغل لانزمان زمن الحديث في استعراض الأماكن (الشاهد الصامت) ، أعتقد أن هذا الزمن "الضائع"– عندما يقوم المترجم بنقل ترجمته إلى المخرج بينما يمكث الشاهد صامتاً – من أفضل عناصر الفيلم ، فالشاهد لديه الوقت ليفكر ويتذكر ويعيد اختبار شعوره ، وهذا ما فعله المشاهد قبله عندما كان يتحدث الشاهد بلغة لا يعرفها المشاهد ، لانزمانمنحنا الوقت الكافي للتفكير والإنغماس في الإنهاك الشعوري.

الفيلم جاء في استفتاء مجلة Sight and Soundالعريقة كثاني أحسن فيلم وثائقي في التاريخ بعد فيلم فيرتوفالمؤسس Man with a Movie Camera، في حين أنه لم ينل رضا الناقدة الأمريكية صاحبة التأثير بولين كايللإحساسها بأن الفيلم مُغرِق في جلد الذات لمشاهد غير مذنب ، بينما الناقد كينت جونزأعتقد أن الفيلم لن يكون جلداً للذات إلا لمن يعتقد أن الوقت هو شيء يجب أن يُستثمر ، كما تم إنتقاد لانزمان لإصراره على شهادات بعض العوام الراضية أو اللامبالية بإبادة اليهود ، في حين أنه تجاهل تماماً عمليات إنقاذ البولانديين لليهود ، كما تجاهل ملايين البولانديين الذين تعرضوا للإبادة كذلك .

على أي حال اختيار لانزمان للنحت "بصرياً"في الحاضر يتركنا فريسة لظلال الماضي ومخاوف المستقبل ، ففكرة إبادة مجموعة من البشر لغيرهم لازالت ممكنة في عالم يَفترض البعض أنه قد تعلم الدرس !

Captain Phillips

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

التقييم :2/5

بطولة :توم هانكس ، برخط عبدي
إخراج :بول غرينغراس (2013)

في الحقيقة لا أصدق أننا في العام 2014 ولازال السينمائيون الأمريكيون ينتجون مثل هذه الأفلام ، أعلم أن القصة حقيقة ولا أشكك في معاناة الكابتن فيليبس الحقيقي ، ولكن قصة كهذه وفيلم كهذا شاهدنا مثله عشرات بل ربما مئات من الأفلام الأمريكية من قبل ، تلك الحبكة المعروفة عن مواطنين أمريكيين يتعرضون للخطر أو الضياع - في البحر ، في الفضاء ، في الصحراء - من قبل خاطفين أو من قبل خطر خارجي ، ثم تقوم الحكومة بإنقاذهم.

ما جعلني أيضاً لا أجد الفيلم يستحق كل هذا الثناء والتقدير أنني لم أجد فيه شيئاً جديداً ، فـ (توم هانكس) معروف منذ زمن طويل انه ممثل بارع ، لذلك لا يحسب للفيلم أن توم هانكسكان جيداً فيه ، بل بالعكس فهو قدم العديد من الأدوار اللامعة والبارزة في تاريخه من قبل وكانت أفضل من الفيلم هنا كثيراً ، ولم أحب له سوى المشهد الأخير في الفيلم حيث كان أدائه في منتهى القوة والتأثير ، أيضاً تطور ظروف القصة وإنتاجها بهذه الطريقة المملة التي لم يكن فيها جديد جعلت الفيلم باهتاً وأعتقد أنها لم توفِ القصة الحقيقة حقها التقديم أو التقدير الجيد.

أجمل ما في الأمر حقيقةً كان التصوير ، وبالذات في مشاهد قارب الإنقاذ ومحاولة هرب كابتن فيليبسفي البحر ، فإدارة الكاميرا في أماكن صعبة كهذه وبهذه الطريقة التي تشعرك بمدى التوتر والضيق كان جيداً جداً ، بالإضافة إلى آداء الممثلين الصوماليين ، ليس فقط برخاد عبديوإنما حتى الذين قاموا بأدوار صغيرة من بداية الفيلم وأهمهم قائد فريق القراصنة .

كما قلت لم أجد في الفيلم تقديراً للقصة الحقيقية ، لم أجد تقديراً لمعاناة كابتن فيليبسنفسه بقدر ما وجدت تقدير لدور القوات الأمريكية ، فكل تلك الصور ذات الزوايا الواسعة للقواعد الأمريكية والجنود مفتولي العضلات وحزم الضباط المسؤولين ، كل ذلك وضح القصد الحقيقي من انتاج قصة كهذه ، حتى وإن كان المخرج أراد أن ينتقد أمريكا وسياستها بطريقة ناعمة من خلال لقطتين لا غير ، أولهما حينما تحدث موسى (برخاد عبدي) عن فقر مصادر رزقهم لاستيلاء أمريكا على المياه والشواطئ ، وثانياً عندما انتشر دم القراصنة الثلاثة على جسد كابتن فيليبسقبل انقاذه بدقائق ، وكأن أمريكا هي المسؤولة عن كل هذا ، ولكن اللقطتين كانتا أضعف من مواجهة كل هذا التوجيه ناحية تقدير وثناء وتمجيد لأمريكا ودورها وقواتها طوال الفيلم.

Babel

$
0
0
كتب : محمد السجيني

التقييم :4.5/5

بطولة :براد بيت ، كيت بلانشيت ، رينكو كيكوتشي
إخراج :أليخاندرو غوانزاليس إينياريتو (2006)

منذ ثلاثة أعوام فكّرت أن أضع قائمة لأفضل 100 فيلم في الألفيّة ، وبغض النظر عن مدي التقدًّم فيها الي الآن ، اتذكّر ان هُناك ثلاثة مُخرجين لهم ثلاثة أفلام في القائمَة ، كوينتن تارنتينو، كلينت ايستوودواليخاندرو جونزاليسايناريتو .

يحكي الفيلم الثالث في مسيرَة ايناريتوأربع قصص ، القصّة تسير جوار الأخرى في مسارات متوازية تتدَاخل كثيراً ، تبدأ القصة الأولي في عائلة فقيرة تعتمد علي رعي الأغنام في قوتها اليومي وتعيش في الصحراء ، يشتري الأب بندقيّة صيد للدفاع عن قطيعه لكن ولديه يستخدمان السلاح في اصابة سائحَة أثناء تحدّي في دقّة التصويب ، القصّة الثانية عن زوجين أمريكيين ذهبا الي المغرب للسيَاحة ، تُصاب الزوجَة بطلقة ناريّة من أحد اولاد عائل الأسرة السابقة ، القصّة الثالثة تحكي قصّة خادمة مكسيكيّة - تعمل في منزل العائلة الأمريكية التي ذهب أبواها في رحلة للمغرب - تذهب الي المكسيكلحضور حفل زفاف ابنها وتأخذ معها الطفلين دون علم الوالدين وتقع في مشاكل كثيرة ، القصّة الرابعَة لفتاة يابانيّة تملك طاقة حُب كبيرة لكنّها تُكبَت لأنها صماء ولم يُعجب بها أحد ، فتُخرجها علي هيئة ثورة جنسيّة لا تسيطر عليها.

على صعيد النص ، يتحدّث الفيلم - وعبر قصصه المُختلفة - عن أشخاص تُعاني من مُفاجآت الواقع ، ذوات تجمعها الخيبة والانكسَار وضربات الأقدار ، شيء يجعلهم كالفرائس تبحث عن النجَاة دون النظر لأي شيء ، صورَة بائسَة حقيقيّة جداً للعَالم الآن ، تتّسع مسافاته لكن مأساته تجمع الكُل في حُجرة واحدة مُظلمة هي المصير المُشترك، الخوف والحَذر هما المُحرّكان الرئيسيّان للأحداث ، مثلاً لولا خوف الارهَاب لما صَارت مُطاردة الجنود المغربيين للجُناة بهذه الوحشيّة ، نفس الأمر في قصّة الخادمة المكسيكيّة العجوز ، كذلك الفتاة اليابانيّة التي يخاف منها مُجتمعها كُلّه وأجبرها علي العيش في عُزلة و كَبت أثر عليها سلباً فيما بعد ، جييرمو ارياجايستخلص مُعَاناة البشر كلّها في مُحرك احداثه الرئيسي .

علي صعيد الاخراج تبرز قُدرة ايناريتوالمُعتادة علي تحويل نصوص مُعقّدة مُتداخلة سردياً الي صورة بصريّة انسانيّة لا يتوه معها المُشاهد ولا يتابع خطاً واحداً ويُهمل الآخر ، هذا السرد المُتشابك يلغي الفوارق الزمنيّة والمكانيّة ويجعَل الأحداث بدايات / نهايات لأحداثٍ أخرى ، وهذا ليست المرّة الأولى للرجُل ، فعلها قبل ذلك في فيلميه السابقين ، لكن طريقته هُنا تجعل الفيلم أكثر حيوية عن سابقيه لإختلاف جُغرافيّة الحدث وتفتح له الطريق في اختلاف أسلوب العرض طبقاً لكُل قصّة ، في صحراء المَغربالتزم فيه ببيئة الحدَث بدون بهرَجة بصريّة أو موسيقي مُزعجة ، هذا علي العكس من قصّة الفتاة اليابانيّة التي ترك فيها الكاميرا علي حُريّة واهتم جيداً بالألوَان والموسيقي المُناسبة .

We Are the Best!

$
0
0
كتب : مصطفى فلاح

التقييم :4.5/5

بطولة :ميرا باركهامر ، ميرا غروسن ، ليف لاموين
إخراج :لوكاس موديسن (2014)

لا يهم ماذا تعتقد ؟ ، فنحن الأفضل ...

أنا أتفق مع كثير مما قاله بعض من شاهد الفلم و أشارته في ما يتعلق بالمعاني الخفية التي تدور حول الشعور بالوحدة و التطابق المعنوي و الحسّي لحياة المُراهقين , الفترة التي أجاد لوكاس مووديسون التحدث عنها في أشهر أعماله حتى اليومShow Me Love وLilya 4-ever .

هذا المخرج يواصل تقديم الأفلام المثيرة للإعجاب , كونه يجمع بين طابع سينما المؤلف , أي السينمائي الذي يملك رؤية خاصة للعالم رغم أنه لا يخرج عن حدود (ستوكهولم) , عالمه الأثير , و بين طابع الفلم الشعبي الذي يتميز ببساطته , بوضوح رؤيته , بحميميته ، وبموضوعه الإنساني القريب من القلوب ؛ الوجبة النخبوية التي يُقدمها مع كل عمل خالية من الدسم لكنها في نفس ذات الوقت تبدو لذيذة المذاق , قد لا تحمل ثقل القيمة الفنية لكنها مهمة بطرحها و ملهمة بالطريقة التي تُطرح بها .

هنا نحن لسنا أمام ثلاثة مُراهقات (أصغر من ذلك بقليل) و صراعهن في تخطي الحواجز الأيديولوجية التي فرضتها عليهم البيئة و العائلة , فالفلم يبدأ في الفترة اللاحقة لقفز العقبات و تجاوز كليشيهات الخطأ و الصواب ! ، هنا الرقابة الأسرية تبدو شبه معدومة و الأطفال (بوبوو كلارا) لا يتورعون الخروج عن فطرتهم و طباعهم لتحقيق نزواتهم بل و لعب دور البطولة في نشر هذا التمرد الوقتي على الآخرين (هيدفيكمثلاً) ، مووديسونيُعالج هذه الفكرة بشكل مفتوح , غير قاطع أو مباشر , تاركاً ضمير الحكم الهوليوودي المُعتاد للمشاهد ، و متخلياً عن الأطروحات الدرامية التي إكتنفتها بعض الأعمال المُشابهة الجيدة للسرد العرضي , السهل المُمتنع , لتجارب ما قبل النضوج .

أنا أود أن أعتبر أن نتيجة العمل كانت تجربة مخرجه كمُراهق هذه المرة و ليس فقط كمُراقب لهم , عن طفل يلعب دور البطولة ضمن المساحة الواقعية لحياته , يختار و يقرر دون أي إكتراث حقيقي لمن حوله , لا يبحث عن فرصة التعبير عن ذاته و استقلاليته بل ينتزعها بشكل آمن لا يؤذي أحداً , و أخيراً يؤسس لفكرة أن كونك تقليدياً ليس سوى توازي لنمط حياة ليست من اختيارك و أن التجرد منها لربما يبدو أسهل بكثير مما كنت تعتقد !

هناك تلقائية طاغية على أداء المؤديات الصغيرات و راحة مكتسبة في التعامل مع المادة التي يقتبسها المُخرج من الرواية التصويرية التي كتبتها له زوجته , هذان الأمران يجعلان من العمل شيئاً يستحق الإنتظار , المشاهدة , و الإستمتاع بفرقة الروك الصغيرة هذه .

فيلم بسيط، يجسد نمط حياة متوسطة إجتماعياً , ستروقك مساحة العاطفة فيه و المداخلات الطريفة التي تطفو عليه ، فلمfeel-goodالأهم لهذا العام .

The Piano

$
0
0
كتب :خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

بطولة :هولي هنتر ، هارفي كيتل
إخراج :جين كامبيون (1993)

"بالنسبة لي أن أكون مخرجة هو أمر يتعلق بالمراقبة ، ليس أن أقول للناس ما عليهم فعله ، ربما الإخراج هو مرآة ، لو لم تكن موجودة لم أستطاع الناس وضع مساحيقهم" - جين كامبيون

لبعض المحظوظين ستكون مشاهدة هذا الفيلم هي مِن أفضل ما يمكن أن يحدث لهم ، نحن لا نسمع صوت آدا، لكننا نسمع صوت عقلها ، آدافقدت صوتها منذ كانت في السادسة ولا أحد يعرف سبباً لذلك ، آدارزقت بطفلة جميلة (فلورا) لكن الأب قد توفى ، تتزوج من (ألسداير) الذي لم تره مطلقاً بينما هو رأى صورتها المرسلة له حيث يعيش في نيوزيلندا ، تنتقل آداللعيش معه لكنه يجدها صغيرة الحجم على عكس ما تخيله ، آدا– التي أتت مع البيانو في القارب – لا ترضى بأن يُترك البيانو على الشاطيء ، المحليون البدائيون يستطيعون فقط نقل أغراضها خلال الأحراش إلى منزل ألسداير .

البيانو هو أكثر من شغف ، البيانو أكثر من كونه مُكمِّلاً لشخص آداالأخرس الذي لا يهمه التواصل بالأساس ، البيانو مرادف لوجود آدا، لذا ترجو جورج– صديق زوجها – أن يأخذها إلى الشاطيء حيث تتمكن من رؤية البيانو والعزف ، نغرق في اللذة مع وجه هولي هنتروهو يتقلب في السعادة واللذة والنشوى ثم الرضا و الإنسجام بينها و بين المفاتيح و الصوت ، بينها وبين الحياة كما تختارها.

يرى جورجحالة النشوى لدى آدا، جورج أميّ وأقرب إلى البدائيين حيث يتكلم لغتهم ويرسم على وجهه وشماً مثلهم ، يعرض جورجعلى زوج آداأن يمنح الأخير قطعة الأرض التي يريدها مقابل أن يحصل جورج على بيانو آدا، الزوج يوافق على العرض بينما تثور آدا غضباً ، تبدأ آدافي تعليم جورج كيفية العزف ، لكن جورج يريد فقط أن يَسمع ، مع الوقت تتطور العلاقة الغريبة بينهما حيث يقايض جورجآدابأن يمنحها بعض مفاتيح البيانو مقابل بعض الطلبات التي يطلبها منها ، في النهاية يمنح جورجآداالبيانو بالكامل لأنه لا يريد أن يُرغمها على فعل ما لا ترغب ، آدا– حبيسة الصمت والكلمات – تخاطبه حسياً بأنها تبادله الشعور.

يعلم الزوج بطبيعة العلاقة ، يحاول التقرب من آدا بصورة بدائية فترفضه ، يمنعها من الخروج ، آداتحاول أن توصل رسالة لليائس جورج عن طريق إرسال أحد مفاتيح البيانو إليه ، لكن الطفلة فلورا تذهب إلى زوج أمها و تخبره ، الزوج يشعر بموجة من الغضب تنتهى بأن يقوم ببتر سبابة آدا، يُرسل الزوج فلوراإلى جورج بالأصبع المبتور بدلاً من مفتاح البيانو مهدداً إياه أن يتركها وإلا اكمل عمله ، يحاول الزوج من جديد التقرب من آدا، لكنها تنظر إليه نظرة شديدة القسوة كفيلة بجعله يذهب إلى جورج ويطلب منه أن يأخذ آداويرحل ، يفعل جورج، القارب يتحمل البيانو بالكاد ، تطلب آداأن يتم رميه في البحر ، يرفض جورج لكن آداتُصر ، يتم رميه بالفعل وتضع آداقدمها وسط الحبل الذي كان يربط البيانو فيجرها البيانو إلى الأعماق ، آداتريد أن تستكمل توحدها مع البيانو حيث أنه ليس من العدل أن تحيا بدونه بينما هو يرقد صامتاً إلى الأبد ، بعد لحظات من الاستسلام ترفض آداالموت وتتخلص من الحبل ، يتم تجهيز أصبع معدني ليد آدا حيث تعمل معلمة للبيانو وتبدأ كذلك في تعلم الكلام.

بتر إبهام آداكان عند الزوج بمثابة قص جناحها ، لكنه عند آداكما يُدرك الجميع بمثابة قتل روحها ، من وجهة نظر نسوية فبتر الإصبع قد يكون كل تضييق على حرية المرأة أو كل جريمة يرتكبها المجتمع / الرجل في حقها ، لذا شعرت آدابالإنكسار ، لكن الخرساء المجنونة كانت أقوى ، رغم أنها يئست لكون حياتها انتهت بانتهاء قدرتها على العزف لكنها تمكنت من العودة من اليأس والإنكسار ، كامبيون– مخرجة الفيلم ومؤلفته – في البداية كانت تود أن تُغرق آدامع البيانو بدافع رومانسي وواقعي كذلك ، لكن كامبيون– مهووسة جون كيتس– عادت لتؤمن بـآداوتؤمن بحياة قد تستحق العيش ، فتحيي آداوتنتصر للمرأة وتأتي بنهاية شعرية قريبة من الطريقة (التيرينس ماليكية).

آدامريضة بالشغف وجورج مريض بالشوق ، بينما الزوج لا شغف ولا شوق ، آداوجورجعاشا عذاباً طويلاً ووجدا اللذة في بعض المسكنات ، بينما لا يمكن اعتبار الزوج – الذي لم يتعذب كثيراً ولم يختبر الشغف أو الشوق – حياً ، جورجيبدو همجياً بينما يبدو الزوج متحضراً ، لكن كامبيونتريد أن تصفي حسابها مع مسلمات مظاهر الحضارة لذا اختارت أن تُبحر بعيداً عن تلك الحضارة ، وإن لم تترك لنا الوقت الكافي للتعرف عن حياة البدائيين والطبيعة حولهم لرغبتها في تكثيف الفيلم حول شخصية آدا.

سيجورني ويفركانت اختيار كامبيونالأول لكن – لحسن ظنا – لم تسنح الظروف ، إيزابيل أوبيركذلك كانت مرشحة للعب الدور وندمت على عدم القتال من أجله ، لكن المفارقة ستحدث عندما يمنحها القدر بيانو عظيم آخر مع هانكه، الطفلة آنا– التي لعبت دور فلورا وقامت بأداء مذهل – تم اختيارها من بين خمسة آلاف طفلة مرشحة للدور ، بينما يمكن تلخيص الأهمية الجمالية المستقلة لموسيقى مايكل نومانفي الفيلم بأنها بمثابة موسيقى نينو روتافي TheGodfatherأو موسيقى شاجيرو أوميباياشيفي فيلم وونج كار واي العظيم In the Mood for Love.

"أعتقد أن الباعث الرومانسي يوجد لدينا كلنا ، أحياناً نعش به لبعض الوقت ، لكنه ليس جزء من الطريقة العاقلة للعيش ، هو طريق بطولي وينتهي عامة بصورة خطرة" - جين كامبيون


The Death of Mr. Lazarescu

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :5/5

بطولة :يون فيسكوتانو ، لومينيتا جورجيو
إخراج :كريستي بويو (2005)

موت السيد لازاراسو , ام حياته , يبدو ان كريستي بويولم يجد الكثير من الفرق بينهما , الأهم , ان هذا الفلم ربما وصل في أسلوب مخرجه , أو الاسلوب الذي اتبعه بعض المخرجين الرومانيين في الفترة الاخيرة , إلى  أبعد حد , الاسلوب الذي يمزج ما بين الدرامي والوثائقي , بكلمات اكثر اختصاراً , عدم الاحساس بشعور الكاميرا , أو بالأحرى الاحساس بأقوى شعور انساني يمكن ان يعيشه المُشاهد كونه ناتج عن كسر تام للحاجز بين ما هو معاش , و ما هو سينمائي مصور , ربما هذا الاسلوب يعتبر الاكثر صعوبة من ناحية التطبيق , لأنه يحتاج لتطبيق اسلوب صارم في ترجمة هذه اللغة السينمائية الخاصة , على موقع التصوير وعلى الشخصيات و أداءاتهم .

اشترك كريستي بويوعام 2005 في مهرجان كان خارج نطاق المنافسة الرسمية , قدم فلمه في فئة (نظرة ما) التي عادة ما تستقبل تجارب المخرجين الخاصة , حينها نال بويوجائزة افضل فلم , مؤكداً ان السينما الرومانية تحتل رويداً رويدا مكانة أهم على خارطة السينما العالمية , اثناء مشاهدة هذا الفلم لا يمكنك اغفال تشابه الاساليب بينه وبين رائعة كريستيان مونغيو4 Months, 3 Weeks, and 2 Daysالتي نال عبرها سعفة عام 2007 .

ما يتحدث عنه الفلم , اكثر من مجرد جولة لكاميرا محمولة بين منزل للسيد لازاراسو و مشافي بوخاريست , هو يصور ما معنى ان تتحول حياة رجل لمجرد حالة مرضية , كيف تحولت لحياة استبدل فيها اقاربه بالقطط , كيف اصبح وضع أي علاقة تربط بين أي شخصين غير مبنية سوى على الشيء الانساني الذي بدا مع حركة الكاميرا المحمولة و أداءات الممثلين الصارمة , وضع مخجل , وربما وضع مؤذي .

مستشفيات لا يعمل بها سوى رجال العربات الناقلة , كما في فلم مونغيو , اطباء كرجال الامن , بيروقراطية تبدو وكأنها استشرت بشكل سرطاني في مفاصل هذه الحياة الجافة كما انتشر السرطان في جسد السيد لازاراسو بفعل الزمن والاهمال , لكن الحالة التي يتحدث عنها بويواكثر شمولاً من حالة السيد لازاراسو الصحية , هنا يبدو ان الانسان بحد ذاته قد تحول لمجرد حالة , هذا الشعور تحول بشكل مقرف لشيء روتيني .

ربما أهم ما في الفلم , اننا لن نشعر بثقل الاسلوب الواقعي الذي تعامل به بويومع حالة السيد لازاراسو والتي تمثل انعكاس لحالة تعامل الجميع مع حالته الصحية والاجتماعية , والانسانية ايضاً , الواقعية في هذا الفلم لم تعد غاية , بل اصبحت افضل وسيلة تشرح حالة هذا الفلم , وتوصل ربما افضل شعور مجرد عنها  .

هذا فلم لا يمكن ان تقدمه السينما العالمية يومياً .

Cutie and the Boxer

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

التقييم :4/5

إخراج :زاكاري هينزرلينغ (2013)

أحد ألطف الأفلام التي يمكنك أن تشاهدها ، أحد ألطف بدايات الأفلام تحديداً ، من خلال وجهي نوريكوو يوشيوالطفوليين وضحكاتهما سوياً وكيف يبدئان يومهما معاً ثم بالانتقال إلى فن كل منهما ، يوشيوبفنه الصاخب ذو الألوان القوية ، ونوريكوبرسوماتها الرقيقة في مظهرها المحملة بالكثير ، ومن هنا ، من فن نوريكو، تبدأ حكايتهما الحقيقية.

فعلى الرغم من لطف ورقة الأمور في البداية والدمج بين تلك الصورة الحميمية لمنزلهما الصغير مع تميز ما يقدمه كل منهما من فن ، إلا أنه مع التعرف على أصل الحكاية ستعرف أن الوضع مختلف تماماً ، فحكاية نوريكومع زوجها هي حكاية ألم ومعاناة ، حكاية عن الغربة ، ليست فقط غربة عن بلدك وإنما غربة عن نفسك وعن أحلامك ، هي حكاية عن العلاقة بين الرجل والمرأة منذ بدء الخليقة ومزيج التعقيد والتورط والتضحية بينهما ، حكاية حب مختلف من نوعه، وأسئلة يصعب اجابتها ، وكل ذلك مغلف بالشغف ، بالشغف بفن متفرد ، فن يسيطر على صاحبه فيجرفه معه فلا تعرف هل هو يبعده أم يقربه من ذاته ، الفيلم حكاية عن الأحلام وتحقيقها ، وتقييمك لذاتك ولحياتك بعد انتهاء كل شيء.

أحد أهم وأجمل عناصر الفيلم هو صورته ، التقاط الكاميرا للنظرات الحزينة الهاربة من نوريكو، وخوف يوشيكوالمخفي تحت بهجته الدائمة ، لحظات السأم والعادية من الأوقات بينهما ، الإضاءة النهارية المشرقة حينما ابتعد عنها ، القدرة على رصد الألوان الصاخبة المبهجة والرسومات ذات الطابع الطفولي مع إبراز المشاعر الحزينة القاتمة التي تملأ تاريخهما سوياً ، كل هذا يجعل الإطار البصري المغلف للفيلم إطار متميز وممتع وحساس جدا عما يعبر عنه.

ينتهي الفيلم ليتركك تتسائل ، هل الفن يستحق كل هذه المعاناة لتحقيقه ؟ ، هل الفن تعويض كاف عن كل الألم والإنهاك ؟ ، هل هناك مقياس واضح تقيم حياتك من خلاله ؟ ، وهل للحب تعريف واضح رغم كل ما يكتنفه من تعقيد ؟ ، الفيلم هو رحلة بحث تحوم حول إيجاد اجابات لمثل هذه الأسئلة.

Welcome to New York

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :3/5

بطولة :جيرار ديبارديو ، جاكلين بيسيه
إخراج :آبل فيرارا (2014)

ما يُثير أهتمامي تحديداً في أفلام كهذه هو المعالجة التي تحدد ما هو بارز و ما هو هامشي في القصة , و بطريقة ما يستطيع المخرج أبل فيراراأن يعطي شخصية العمل الرئيسية )واحدة) مركزية تصنع مُحيطها الخاص ضمن التماسك العام للسرد .

الإنسيابية هذه المرة تأتي من ذلك التقمص الذي يُحدثه جيرارد ديبارديوو هو في العقد السادس من عمره , لرجل بنفس السن تقريباً , حرص المُخرج , و هو الكاتب أيضاً، على تركها لتأويل المُشاهد الماثل أمام الشاشة فقط ؛ شخص خاوي رغم مسؤولياته الأجتماعية و أهدافه السياسية الكبيرة , مُختل الهوية بين الرأسمالي الديكتاتوري و رب العائلة الدبلوماسي ؛ يمتلك (حصانة) تغويه من أجل سلطة أكبر و يغوي هو بها الآخرين ؛ هو أشبه بـ (جوردانبلفورت) هرم السن أو (غوردن غيكو) في قمة لُعبته ، ذئبا البورصة في عملّي سكورسيزيو ستون المعنونين بـWall Streetبالتعاقب!

فيرارايستخدم لقطاته غير المُريحة و كأنها جلسة لطرد الشياطين , يُعري هذا الغول المُقيت و يكشف عيوبه بشكل حقيقي و صادم , لا يكذب و لا يساوم , لا يريد أن يمنح مشاهديه متعة مشاهدة انتقال رجل (بطله) على هذه الشاكلة من نقطة في القمة الى نقطة في القاع , أن يصوّره وهو ينزلق بسرعة دون أن يمد له يد العون أو يُعطيه فرصة أخرى للأرتقاء ؛ و أخيراً , أن يجعلك تدرك الفارق بين ما هو فيه و بين ما يجب أن يكون عليه !

الشخصيات التي قدمها فيرارا سابقاً كانت كثيرة الأخطاء لكنها تواصل البحث عن المغفرة بالخداع , كايتيلفيBadLieutenantو تاجر المخدرات فيKing of New York (عمليُه الأشهر) , ماضيها الملوث هو الذي يصنع خطواتها الحاضرة من أجل مُستقبل أطهر , دائماً ما تحاور مرآة الذات عن أحداث الصواب من الخطأ , و نيل العفو المُجتمعي من تبريره صواباً ! ، في الحقيقة , (ديفيرو) هنا لا يختلف كثيراً عنها , فهو من الممكن أن يخدع الجميع و لكنه من المستحيل أن يخدع ذاته , حتى لو تظاهر بُقدرته على ذلك ؛ و لذا فهو يحاول إيهامها بإستخدام جميع الحيل من أجل تبرير ما يُريد تبريره !

كل ما مضى تابع الى التأويل (كما أسلفت) , و هذه بُغية صُناع الفلم في بلورة القصة النيووركية الجديدة , ملعب فيراراالأثير , بالتكثيف على شخصية العمل و صنع رتمها الداخلي المُتحرر من رتم القصة ؛ فالملاحظ هنا هو التخفيف المُتعمد للأحداث و أستاتيكية واضحة في خط مسار حدث واحد من أجل منح كل مشهد ثقله الخاص الموازي لثقل الشخصية و الموازي أيضاً لخلق التوتر الخفي الذي تزرعه نيويوركفي نفس ساكنيها ؛ و هذا هو هدف المُخرج منذ العقدين .

اليوم السادس

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم :4.5/5

بطولة :داليدا ، محسن محي الدين
إخراج :يوسف شاهين (1986)

فى مناخ كابوسي يسوده الخوف و الاحتلال و الفقر و المرض و الموت يُهدى يوسف شاهينفيلمه إلى جين كيليالذى - على حد وصفه - ملأ أيام شبابنا بهجة .

لذلك يستوقفني كثيراً أثناء مشاهدة هذا الفيلم استعراض حدوتة حتتناالشهير الذى يستعرض فيه عُكّامهاراته الراقصة أمام صدّيقةمُقلداً جين كيلى، فى لحظة عشوائية اندفاعية أثناء رقص عُكّاينكشف - و لأول مرة في الفيلم - شعر صدّيقةالحقيقي في لحظة كشف ذات نادرة و جميلة في السينما المصرية ، الاستعراض بأكمله يلعب في تلك المنطقة التي يقدمها شاهين طوال أحداث الفيلم ، حيث اندفاع و تتابع المآسي من تحت أقدام أبطاله و في نفس الوقت تدفق مشاعرهم و أحلامهم وسط واقع طاحن لا يرحم ، و الأهم هو الشعور بالبهجة الذى يستنطقه من بين جنبات تلك المآسي .

يستعرض يوسف شاهينفى خلفية كادراته حارات و شوارع و أراضي مصر ، يربط بطريقة ساحرة نفوس تائهة غارقة فى دوامتها بوطن تائه فاقد لهويته ، كأنه يقدم مرثية لوطن يحتضر و أشخاص على وشك الاختفاء ، لكنه يقدم - كعادته - إيقاعاً مُتدفقاً سريعاً لاهثاً لا يسمح لشيء إلا لتدفق مشاعر شخصياته على الشاشة و كأن حركة كاميرته السريعة تكشف وراءها كماً هائلاً من المشاعر و الأحاسيس المكبوتة ، لذلك يأتي انكشاف شعر صدّيقةفي حركة عشوائية سريعة لعُكّاو هو يرقص ، و كأن ما هو مكبوت و مخفى في حاجة إلى مثل تلك الحركات العشوائية كي ينكشف و يتدفق أمامنا على الشاشة .

ذلك التدفق في حركة الكاميرا و في الإيقاع أعطى الفيلم طابعاً شاعرياً تناغمت معه طريقة يوسف شاهينالمعهودة في توجيه  الممثلين و في طريقة إلقاءهم لجمل الحوار ، حيث هناك إيقاع موسيقى واضح مثلاً في تقسيم جمل الحوار و زمن كل جملة و وزن الجمل مع بعضها و طبعاً في طريقة الإلقاء ، ليس غريباً على شاهين ذلك الحس الموسيقى الطاغي على الحالة العامة للفيلم حتى في أقسى المواقف تراجيدية ، فالرجل كان يفكر في أن يجعل فيلم الأرض فيلماً غنائياً قبل خروجه بالصورة التي شاهدناها ، الموسيقى لا تنفصل بشكل أو بآخر عن عالم شاهينالسينمائي ، و فيلمنا هذا يحفل بالكثير من الموسيقى و الغناء و الرقص .

محسن محى الدينيقدم هنا كل ما يمكن أن يحلم به ممثل : يغنى و يرقص و يتماهى مع شخصية تخلق لنفسها هامشاً بسيطاً يحاول أن يُرضى به طموحاته الكبيرة ، و يقدم مع داليداقصة حب غريبة بين إمرأة في الأربعين من عمرها و شاب فى عمر  أولادها ، قصة حب لم يحاول شاهينأن يُضفى عليها الحس التراجيدي الطاغي على الأحداث بل أعطاها مساحة قليلة من الكبت و العجز و الكتمان آلت في النهاية إلى مشهد وداع عظيم ، و لعل الاستعراض المذكور في أول المقال يكشف بطريقة مُكثفة و جميلة عن تلك المساحة .

ربما كان غريباً في النهاية أن نتحدث عن الصورة و علاقتها بتدفق مشاعر أبطالها و عن الموسيقى و الحس الطاغي لها في الأحداث في فيلم يحمل نظرة تراجيدية قاسية ، فيلم يقدم أشخاص مُهمَشين في مجتمع مُهمَش يقع تحت وطأة الفقر و المرض و الاحتلال ، يوسف شاهينيقدم دائماً في أقسى مشاهده قسوة جانب تفاؤلي حذر ، و لعل المثال الأشهر هو مشهد المجزرة الشهير في تحفته عودة الابن الضال، و من بعد النكسة و شاهينيقلب في دفاتره القديمة و دفاتر الوطن القديمة حيث البحث عن الهوية وسط أمواج متلاطمة من الأحداث و الأحلام و الانكسارات ، و يخرج فى النهاية بذلك الإيقاع الذى نعرفه و بذلك الثراء البصرى الذى تسبح فيه شخصيات تلاحق زمن يسير إلى الهاوية مُتمسكة بأبسط الأشياء .

Revolutionary Road

$
0
0
كتب :محمد السجيني

التقييم :5/5

بطولة :ليوناردو ديكابريو ، كيت وينسلت
إخراج :سام مينديس (2008)

فرانكو أبريلزوجان يعيشا حياتهما بسَعَادة وأمَل في تحقيق أحلامهما ، بخصوص الحياة المهنيّة والعائلية ، لكن هذه الطموحات تتكسّر عندما تتحوّل حياتهما للرتابة والملل ، وتتعقّد الأمُور أكثر عندما يُرزقان بطفلين ليقطعا عليهما أي أمل في اتخاذ مسار غير تقليدي لحياتهما .. تحاول أبريلأن تنقذ حياتها ، فتقترح على زوجها أن يبيع منزلهما ويسافرا إلى باريس ليُجدّدا أحلامهما ، فيتحمس فرانك، لكن تلقّيه ترقية كبيرة تُغريه وتلغي فكرة السفر لديه ، ومع مرور الوقت تزداد المسافة بين الزوجين أكثر ، وتتوالى الأحداث   .

الفيلم الرابع في مسيرة المُخرج الأوسكاري سام منديزهو فيلم عظيم ، يبحَث بكُل العُمق اللازم في مسيرة زوجين في دوّامة مشاكلهما ، وبجوار ذلك لا يُهمل مُطلقاً تلك الأسئلة المُربكة عن الكبت والرغبة في الحريّة والانطلاق ، والأجمل من ذلك هو القالب البسيط الذي يضع فيه رتشارد ياتسروايته، ان الحديث عن ان هذا الفيلم يُجسّد معاناة الرجل في علاقته مع المرأة التي ترفض الاعتراف بالتضحيّات التي يبذلها من أجل إنجاح العلاقة هو اختزال ظالم للفيلم ، فبالنظر في مسارات الفيلم الأخرى نكشف عن معنى أوسع من مجرد الحديث عن مشاكل زوجيّة ، إنه يحكي قصّة الإنسان الذي تلاشَت أحلامُه ورَغباته تحت ضغط الواقع فأصبح إنساناً عاديّاً مثله مثل الملايين من البشر ؛ يأكل ، و يشرب ، و ينام ، ويذهب إلى عمله حتى تأتي لحظة الموت فيُغادر الدنيا دون أن يذوق طعم الحريّة ودون أن يتنفس الطبيعة   .

نص جيسون هايثينص عظيم وضارب في العُمق رغم بساطته ، رسمه لشخصيّاته بكُل ملامحها وحسابه لكُل ردة فعل من الشخصيّات ومَدي خدمتها لهدف النص ، التطويع العظيم لكُل شيء للضغط على ابريل تمهيداً للنهاية الملحميّة العظيمة .

سام منديزهُنا يستعيد عظمته مُجدّداً ، تلك التي صنعها في تحفته العظيمة American Beautyقبل تسع سنوات من هذا الفيلم ، يُسيّر الحدث ليمشي بتلقائية متجهاً نحو الأمام دائماً في تصاعد محموم نحو الذروة ، ويستعين بكاميرا العظيم دوماً روجر ديكنزالذي يمنح كاميرا الكلاسيكيّة اللازمة لمثل هذا النَص ، إختيار زواياه وحجم اللقطة حسب حجم الشاشة مع العمق في البؤرة والثراء في مكوّنات الصورة ، إنها جزء من عين منديز السينمائيّة كما عرفناها في American Beauty.

الانجاز الأعظم في هذا الفيلم في رأيي هو تلك المُباراة الادائيّة العظيمة التي قدّمها ديكابريوو وينسلت، استحوذا على الشاشة تماماً بأداء استثنائي يتوّج مسيرتهما المتميزة خلال العشر سنوات الماضية ، هذا واحد من أفضل افلام 2008 .

Z

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم :4/5

بطولة :إيف مونتان ، إيرين باباس ، جان لوي ترانتينيان
إخراج :كوستا غافراس (1969)

جاء العمل الروائي الثالث في مسيرة اليوناني كوستا غافراسبعد ثلاثة أعوامٍ فقط على تحفة جيلو بونتيكورفو TheBattle of Algiers، تناول الفيلمان مواضيع الحرية و القمع السياسي في حكايتين مختلفتي الروح و العقل تلتقيان حول وطنٍ ضائعٍ ، مرةً بيد أبنائه و مرةً بيد غاصبيه ، اليوم لا تذكر الإثارة السياسية في السينما إلا و يذكر هذان الفيلمان قبل أي شيءٍ آخر .

يفتتح غافراسهذا الفيلم بتنبيه المشاهد لأي تشابهٍ بين أحداث فيلمه و أحداثٍ حقيقية ، تأكيدٌ مبكر على أن الموضوع الذي يتناوله هو ذات الموضوع الذي قد يتوارد إلى ذهن المشاهد في تلك الحقبة ، الأحداث السياسية المؤسفة التي أعقبت إغتيال داعية السلام اليوناني غريغوريس لامبراكيسعام 1963على يد متطرفين يمينيين مدفوعين من شخصياتٍ نافذةٍ في سلك الشرطة والتي انتهت تداعياتها بالإنقلاب العسكري الذي حدث عام 1967 .

هنا سيحكي لنا غافراسقصة زي، البروفسور المعروف و الزعيم اليساري الذي يعتزم إلقاء خطبةٍ سياسيةٍ مناهضةٍ للتسلح النووي ، عقب الخطاب يتعرض زي لهجومٍ في ميدان عام من قبل متطرفين يمينيين على مرأى من حشود الشرطة المكلفة بتأمين الحدث ، الهجوم يكون قاتلاً و الشرطة تدعي أن ما جرى مجرد حادثة ، لكن صحفياً متحمساً لسبق و قاضي تحقيقٍ لا يساوم يجدان في بحثهما أن الأمور أعقد بكثير مما تبدو عليه .

سيناريو الفيلم - الذي كتبه خورخي سيمبرونرفقة غافراسعن روايةٍ حملت الإسم ذاته لفاسيليس فاسيليكوس– تقليديٌ جداً على صعيد هيكله العام ، ثلاث حركاتٍ تقليدية حتى على صعيد حيزها الزمني ، حركةٌ أولى متوسطة ، ثم ثانية خاطفة ، و ثالثة تحتل نصف مدة الفيلم تقريباً ، لا مكان و لا زمان محددين بدقة ، لا توجد حتى أسماءٌ حقيقية ، حتى تلك التي تذكر تكون أشبه بأسماءٍ هزلية ، هناك الكولونيلو الجنرالو المدامو القاضيو النائب العامو الشاهد، هذا التفصيل يحاول سيمبرونو غافراسمن خلاله إعطاء الحكاية مساحة تعبيرٍ أوسع من خلال تحريرها من قيود الشخصيات و تحركها ضمن البعدين الزماني و المكاني ليصبح العمل أقرب إلى هجائيةٍ سياسية عن قمع الدولة و الحكومات الشمولية ، إلى حدٍ ما يكون هذا فعالاً لأنه يتمكن بنجاح من خلاله من تقديم كل ما يمكن مشاهدته في المطبخ السياسي : اليمين و اليسار ، الإضطرابات الإجتماعية  ، الحشود ، التضييق ، القمع ، اللوبيات ، المنظمات السرية ، الرسائل المبطنة ، أوراق الضغط ، التهديد ، الإغتيال ، تزوير الحقائق، و حتى الفساد السياسي، وصولاً إلى الإنقلاب العسكري، مع ذلك يتأثر هذا البعد الهجائي أحياناً بحسٍ كوميديٍ خاطف يوجده النص في بعض شخصياته ، كما نرى مثلاً في شهادة صاحب الورشة أثناء التحقيق معه في المستشفى ، أو في ردود فعل الجنرالات أثناء توجيه تهمة القتل العمد إليهم قرب الختام ، هذا يهز إيقاع الفيلم القائم على الكثير من الجدية في التعامل مع الحدث ، و إن كان تدفق الحدث - الذي لا يتوقف تقريباً - يخفف من تأثير ذلك .

يحاول غافراسأيضاً أن يقدم بعض التفاصيل الجانبية لشخصياته دون أن يمنح لتلك التفاصيل قيمةً و معنى ، التفصيلالجيديستمد قيمته دائماً من بعدٍ ما في (الشخصية) أو (الحدث) يحاول ذلك التفصيل ربطنا به بهدف إغناء الشخصية أو الحدث أو كليهما ، بعض تفاصيل الفيلم لا تحقق ذلك ، هذه الجزئية تبرز بشكلٍ أوضح في الفلاشباكات الخاطفة من ماضي البروفسور مع زوجته و هما شخصيتان لم نتورط معهما بالشكل الكافي لإعتبار تلك التفاصيل مهمةً لنا ، أو لم نجد الوقت الكافي للتورط معها أساساً ، والد قاضي التحقيق كان يشغل المنصب ذاته فيما مضى ، صاحب الورشة يدفع للشهادة بدافع الغيرة و يختلف مع شقيقته التي حصلت على وظيفتها من انتسابها لليمين ، و فاغوالمجرم هو شاذٌ جنسياً ، تفاصيل ربما كانت لتكتسب قيمةً أكبر في عملٍ لا يجرد حكايته مبكراً من الزمان و المكان ليمنحها متسعاً من التعبير عن حكايةٍ عالميةٍ تتكرر في واقعنا كل يوم ، (خصوصية) التفاصيل لا تفيد (عمومية) الحكاية في شيءٍ هنا .

بعض تلك التفاصيل لا يكتفي بأنه (لا يغني) بل أنه قد (يضعف) سلاسة تقبل المشاهد للحكاية ، أن تشاهد مثلاً جنرالاً في الشرطة يزور شاهداً في المستشفى لثنيه عن شهادته ، أو تشاهد كولونيلاً يتفاوض مع عامل توصيل على جريمة قتل ، أو تشاهد كليهما في مسرح الجريمة يراقبان الحدث أمام الجميع ، تفاصيل ستمر لكنها بالتأكيد لن تشعر المشاهد بالراحة ، بعض تلك التفاصيل يتحملها النص ، و بعضها يتحملها غافراسالمخرج ، خصوصاً في إدارة المكان في مشاهد الإحتجاجات مطلع الفيلم ، نشعر بسذاجة تعامل زيو مرافقيه مع التهديدات و غوغائية ما يحدث ، إما أن النص كتب الحدث بطريقةٍ تجعله يبدو ساذجاً ، أو أن غافراسجعله يبدو كذلك في الشريط المصور ، الطريقة التي يمر بها زيفي مواجهة الحشود مبتعداً عن مرافقيه تبدو غير منطقية ، و تعامل مرافقيه مع مروره يزيد ذلك غرابة ، لذلك لا يبدو الحدث الرئيسي (الحركة الثانية من السيناريو) مريحاً للمشاهد ، و هذه التفاصيل (الدرامية / التقنية) على قلتها هي ما تجعل من The Battle of Algiersبرأيي تحفةً سينمائيةً في نوعها .

بالرغم من ذلك لا يمكن انكار التدفق المدروس للحدث في الحركة الثالثة ، إثارة الفيلم ترتفع و لا تتوقف لإلتقاط الأنفاس ، نطاق الحدث يتسع كما هي رؤيتنا في عمق الحكاية ، تبدو الصورة العامة للفيلم شبيهة بصورة (الروايةالرسمية) التي نسمعها في التلفاز بعد أي حادثة ، ثم لا نلبث بمرور الأيام أن نكتشف الحقيقة تلو الأخرى التي تحيل تلك (الرواية الرسمية) إلى شيءٍ مختلفٍ تماماً عما بدت عليه في البداية ، هذا يتحقق على الشاشة بإمتياز يستحق التقدير ، غافراسيضبط إيقاع حكايته بصورةٍ تنعكس حتى على قيمة الأداء التصويري لراؤول كوتار (مصور الموجة الفرنسية الأشهر) و الأداء المونتاجي لفرانسواز بونو (التي تفوز بالأوسكار هنا) و اللتين لا تجدان المساحة الكافية للبروز في النصف الأول من الفيلم ، و بالتأكيد يحسب لغافراس أداءان رائعان من إيف مونتانو جان لوي ترانتينيان، و عمقٌ - لا وجود فعلي له - تمنحه الكبيرة إيرين باباسلشخصية هيلينفي دورٍ محدودٍ جداً و كلماتٍ لا تتجاوز أصابع اليد .

وضع هذا الفيلم غافراسعلى أول طريق المجد ، حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً في فرنساو الولايات المتحدة، و كان أول فيلمٍ على الإطلاق يرشح لأوسكاري أفضل فيلم و أفضل فيلم أجنبي ، فيلمٌ مهم في (صورةٍ) هي مزيجٌ من إيقاع فيلم بونتيكورفوو تأثير الموجةو روح ميلفيل، تحكي (حكايةً) ظاهرها التداعيات القانونية في أعقاب اغتيال شخصيةٍ سياسيةٍ بارزة ، وباطنها نظرةٌ في عمق الحكومات الشمولية ، و في الحرية التي لا تحتاج لحماية لأن الخطر الأكبر على الحرية – أي حرية – يأتي دائماً من أولئك الذين يحمونها .

Beau Travail

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

بطولة :دينيس لافانت
إخراج :كلير دينيس (1999)

"كلنا نمتلك سلة قمامة داخلنا .. تلك نظريتي" - الرقيب جالوب

الفرنسية كلير دينيستمكنت – بنجاح ساحق – من اختراق عالم الرجال ، فعالم الجيش تناوله الرجال كثيراً لكنهم انشغلوا كثيراً مع مظاهره الشكلية الخارجية ومكونات أفراده النفسية ، لكن دينيسقدمت لنا البيئة المشكِّلة للأفراد والتي تكون أعتى من أي ملمح آخر ، تمكنت دينيس– بتصرُّف وأصالة – من تحويل رواية الأمريكي هيرمان ميلفلBilly Buddإلى شعر سينمائي ، فأصبح الأسطول البريطاني فيلقاً فرنسياً ، وأصبح كل شيء في الرواية شيئاً آخر.

راوي الفيلم هو الرقيب السابق جالوبالذي يتذكر ما حدث في جيبوتي، كيف كان يعيش في الصحراء وكيف كان تدريبه للجنود ، الحياة العسكرية الصارمة التي كان يحيا بها ولها ، بالإضافة إلى إيمانه الشديد بقائده فورستير، القائد لا يعبأ بهذا الإيمان ويريد أن يُترك لحاله حتى يكتفى من مضغ أوراق القات ، ينضم للقوات الجندي سنتان، سنتانجميل الهيئة ولبق مما جعله محبوباً من قبل الجميع ، جالوبيشعر بالغيرة ، يغالي جالوبفي عقاب أحد الجنود الذي ترك موضع خدمته ، يحاول سنتان الدفاع عن الجندي المُعاقَب بعصيان أوامر جالوب، يقرر جالوبعقاب سنتان ، جالوبخطط للخلاص من سنتان قبل أن يفعل الأخير أي شيء ولكن جالوب كان يتحين الوقت المناسب لتنفيذ الأمر ، فقد قام جالوببترك سنتانفي عراء الصحراء بعد أن ترك معه بوصلة لا تعمل، ينكشف مخطط جالوبويتم تسريحه من الجيش ، جالوبأصبح يعيش في (فرنسا) كمدني ، دون هدف أو إطار منضبط لحياته مما يجعلنا نتوقع رغبته في الإنتحار ، يُختتم الفيلم برقص ارتجالي من قبل جالوبعلى أغنية تقول "هذا هو إيقاع الليل .. هذا هو إيقاع حياتي".

نجحت دينيس– التي تقدر كثيراً ياسوجيرو أوزو– في تهيئة المزاج والجو العام بإيقاع متأمل صبور وصورة جميلة لطبيعة قاحلة ، دينيسعمدت إلى الحوار المحدود للتركيز على المحيط وعلى البيئة التي تصنع هؤلاء الرجال، فلا تترك للمُشاهِد المجال لينغمس شعورياً مع الرجال ولكن لينغمس ذاتياً في الطبيعة التي أصبح يعيش فيها مثلهم، فيصبح كل شيء – بعد أن كان غريباً – قد أصبح مفهوماً، مثل أوزولجأت دينيسلقصة بسيطة لكن تلك القصة البسيطة مع الأسلوب الفني المناسب يمكنها أن تقول كل شيء، وتفتح للمُشاهِد آفاق لم يبصرها من قبل وجمال شديد الأصالة لم يسبق أن انتبه له.

الممثل الفرنسي دينيس لافانت– الرقيب جالوب– كان مدهشاً ، فالشخصية تحتمل أبعاد عديدة ، في إعتقادي أن مثل هذه الشخصيات المعقدة تحتاج من الممثل ألا يُظهر تلك الأبعاد كما أن عليه كذلك ألا يُنكرها ، جالوبلا يستطيع العيش خارج النظام الذي أعتاد عليه ، كما أنه لا يستطيع العيش داخله بينما ينال جندي آخر الاهتمام والتقدير ، كراهية جالوبالغير مبررة للجندي سنتان يمكن استنباطها من كبت جنسي مثلي محتمل عند جالوب، كما يمكن تأويل أسبابها بأن جالوب– صاحب العقل النظامي – وجد أن الجندي "المستجد"لا يستحق كل هذا الحب والتقدير ، بينما اعتقد جالوب– الدقيق الصارم – أنه أجدر بالحب والتقدير في المجتمع الدقيق الصارم ، القائد فورستيرلا يكترث بإخلاص جالوبالشديد وهذا قد يكون له التأثير الأهم على إحباط جالوبكذلك.

الإغراق في التناول السياسي والتحليل الجنسي لشخصية جالوبقد يلهي عن الاستمتاع بشاعرية واحد من أجمل أفلام السينما من وجهة نظري ، كما أن شيطان المقارنة بين الرواية والفيلم قد يثير حفيظة المنحازين للرواية ، لكن إن ترك المشاهد تحيزه وتطلعه وجعل الفيلم بمثابة طقس استرخاء فبالتأكيد تضمن كلير دينيسله أن يختبر تجربة لا تُنسى ، استخدمت دينيسخلال تدريبات الجنود موسيقى بنجامين بريتنمن أوبرا Billy Buddوالتي كان لها طبع مهيب جنائزي ، فتدريبات الجنود أصبحت طقس حياتي لا مفر منه ، مثل شخص يسعي لأن يمتلك جسم قوي فيمارس تدريبات عنيفة لكن عقيدته النفسية بعد وقت ما تجعله يؤمن بأنه أصبح في حاجة إلى جسم قوي ليتمكن من تنفيذ التدريبات !

"القائد فورستير : لمَ التحقت بالفيلق ؟
أحد الجنود : أيها القائد أنت تعرف الحال في روسيا ، لا يوجد مال أو عمل ، لقد ألتحقت بالجيش لمدة عامين وحاربت من أجل روسيا ، لكن من المستحيل أن تحارب فقط من أجل المُثل العليا ، مُثل عليا تتغير باستمرار ، هل تعرف سيدي ماذا أعني ؟
القائد فورستير : أي مُثل عليا؟"



Short Term 12

$
0
0
كتبت : فاطمة توفيق

التقييم :4.5/5

بطولة : بري لارسن ، فرانتز تيرنر
إخراج :دستن كريتن (2013)

بعيداً عن مواسم وأفلام الجوائز ، والأفلام الكلاسيكية العظيمة ، هناك ، حيث البراءة والبدايات المحببة للنفس ، التجارب الجديدة المدهشة والموهبة الطازجة غير المشذبة تقبع الأفلام المستقلة ، ومتعة التفتيش فيها عن فيلم جيد لا يضاهيها شيء سوى مشاهدة هذا الفيلم الجيد والاستمتاع به ، لماذا ؟ ، لأنه بريء ، وجديد ، وجميل.

الفيلم هنا هو من أجمل تجاربي مع الأفلام المستقلة ، يكفيني أنني أحسست بمجرد إنتهائه أنه لمثل هذا خلقت السينما ، لمثل هذا صنعت الأفلام ، لمثل تلك المتعة والعذوبة والاحساس الذي يملأ قلبك فيشبعه.

لا أعرف حقيقة من أين أبدأ حديثي عنه ، هل من السينيماتوجرافي الأخاذ الذي ذكرني بأجمل سينيماتوجرافي شاهدته من قبل في فيلمOslo, August 31  والسينيماتوجرافي في أوسلوكما هنا لا يعتمد على الابهار أو التعقيد أو التقنيات الصعبة ، وإنما هو رقيق جميل حساس كنفسية شخصيات الفيلم ، هنا ، تشاهد كل التفاصيل الصغيرة المحيطة بالشخصيات والموجودة فيهم ، تقترب الكاميرا من أدق التفاصيل وأكثرها وجعاً وحقيقية ، تختلف الاضاءة وتغلف المشاهد بإطار رقيق يناسب كل مشهد وما يحدث فيه ، تنتقل الكاميرا لترصد النظرات المختلسة والابتسامات المختلجة وكل ما تحاول الشخصيات اخفائه من خوف ، و حزن ، وارتعاش خفيف في الأيادي ، مع انتقال ناعم بين زوايا تصوير واسعة تبرز الوحدة أو الفرحة او مدى سيطرة الألم على ما حولك ، وزوايا ضيقة تركز على ما تريد إبرازه من تفاصيل صغيرة أو حميمية موجودة بين شخصيات المشهد.

بعيداً عن التصوير ، آداء الممثلين مبهر ، ليس فقط في قوته وإنما لأنه يصدر من ممثلين كلهم صغار في السن ليست لهم تجارب سابقة بارزة ، مما يعكس مدى موهبة المخرج وقدرته على إخراج تلك الآداءات المبهرة من كل منهم.

وفي الحديث عن المخرجدستن كريتنوهو كاتب سيناريو وقصة الفيلم وكان قد قدم نفس القصة من قبل من خلال فيلم قصير ، يجب أن أتكلم هنا عن عذوبة السيناريو ، سحره ، لمحات الذكاء فيه ، واللحظات المضحكة وسط كل الألم ، وكيفية نقله لذلك الألم الخفيف الذي يمس شغاف القلب من خلال كل عناصر الفيلم مجتمعة ، أعتقد أن الرجل لو استمر على هذا المنوال سيصنع اسماً ذو بريق خاص به وسط صناع السينما.

الفيلم وكما أجمع عليه الكثيرون هو من أفضل أفلام 2013 ، ومن أفضل التجارب في السينما المستقلة ، تجربة مميزة وشديدة الخصوصية لصانعها ولكل من يشاهده.


Deliverance

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم :5/5

بطولة :بيرت رينولدز ، جون فويت
إخراج :جون بورمان (1972)

ماذا كنت ستفعل لو كنت مكان أبطال الفيلم ؟ موقفك ؟ تفكيرك ؟ طريقة تفاعلك مع موقف مثل هذا ؟ ضميرك و أخلاقك ؟ أم أن الضمير و الأخلاق لا يعنيان شيئاُ هنا ؟

بداية قبل أي كلام ، هذا فيلم عظيم ، يؤكد ذلك الرأي مشهد العزف الشهير بين درو - أحد الأبطال - و أحد أطفال تلك المنطقة المعزولة ، تفرد المشهد أنه يمكن تفسيره بأكثر من طريقة ، ممكن مثلاً تفسيره بأنه إشارة إلى العلاقة بين المدينة و بين الطبيعة ببساطتها و هدوءها و استسلامها لأفعال البشر ، و من الممكن ألا نفسره إطلاقاً و يبقى فقط مجرد الإحساس بالجمال الموجود في ذلك المشهد و الاستسلام لإيقاع تلك الموسيقى بل و الرقص معها مثلما فعل أحد سكان المنطقة ، المهم ؛ المشهد عظيم بالفعل و لا يمكن بأي حال من الأحوال فصله عن الفيلم لأن تأثيره سيظل باقياً على الأبطال و على المُشاهد على حدٍ سواء .

يجمع السيناريو على أرضية واحدة بين خطورة و إثارة المغامرة التي يقوم بها أبطال الفيلم بما تحمله من مخاطرة و جهل بما يمكن أن يحمله النهر لهم و بين خطورة الموقف الذى تعرضوا له و تلك الإشكاليات الكبرى المتعلقة بالضمير و القانون و تغليب الغريزة في النهاية في اختيار مثير للجدل و توابع ذلك الاختيار على مسار رحلتهم ، يقول بوبيللويسبعد تخطى منحدرات خطيرة في النهر أنهم هزموا النهر فيرد عليه لويسبأنهم لن يهزموا النهر ، شخصية لويستبدو أنها الأكثر اتساقاً مع طبيعة الصراع الخفي الذى يطرحه الفيلم ، يعلم أن ما يتحكم في مسار الأمور في النهاية هو غريزة البقاء ، لذلك لا يتردد أبداً في تبنى اختيار دفن الرجل الذى اغتصب صديقهم و إخفاء الأمر عن الشرطة في حين يتردد إد و يتبنى دروموقف القانون و يندفع بوبيتجاه الاختيار الذى يحقق له الانتقام و الثأر ، وحده لويستحركه غريزة البقاء و يستغلها لصالحه تماماً و يبدو في النهاية متصالحاً مع اختياره و مع ما آلت إليه الأمور على عكس الآخرين ، بعد اتخاذ ذلك القرار يبدو أنه لا يمكن فصل منحنيات الإثارة التي تقدمها مغامرة اجتياز النهر عن ما يعتمل داخل نفوس الأبطال فاجتياز النهر الآن لم يعد للمغامرة بل اصبح خلاصاُ لهم مما حدث ، ممكن تفسير ما حدث بعد ذلك بأن الطبيعة بدأت تأخذ موقفاً مما حدث و أنها ترد بالطريقة الوحيدة التي تعرفها ، لا يهم أيضاً التفسير هنا ، السيناريو لا يتبنى موقف طرح إشارات أو إسقاطات تثير تفسيرات ، السيناريو يثير تساؤلاً واحداً يتعلق بموقفك أنت كمُشاهد لو كنت مكان أبطاله ! .

السيناريو في النهاية مُغري لأى مخرج أن يصنع منه إثارة تصاعدية تتخذ من رعب المجهول شكلاً بصرياً و موسيقياً يثير في المُشاهد تأثير انتظار المجهول ، لكن جون بورمان يذهب إلى ما هو أبعد و أعمق و أجمل من ذلك ، صورته و موسيقاه و إيقاعه يتخذوا موقف المتابع لتصرفات أبطاله ، فالاستسلام لمتعة المغامرة في البداية ، ثم المفاجأة مع مشهد الاغتصاب ، ثم الصدمة من مناقشتهم المسرحية لاتخاذ قرار بخصوص جثة المُغتصب ، ثم المتابعة المُرّة للرعب الذى أحاط برحلتهم و بنفوسهم ، لم يكن للسيناريو أن يظهر بهذا الجمال لولا إنجاز بورمانالعظيم هنا ، تلك المراحل التي تحدثت عنها واضحة كل الوضوح في مفاصل الفيلم الأساسية : الصورة و الموسيقى و المونتاج ، لا يحاول بورمان طرح موقف معين تجاه أحداث الفيلم و لا حتى موقف تجاه الإثارة و المجهول الكامن في الفيلم ، هو يتابع مثل المُشاهد بالضبط ما يحدث و يستسلم لكل ما يحمله السيناريو من مفاجآت و تحولات .

في نهاية الفيلم يسأل شريف المنطقة إد عن سبب تواجد أربع سترات نجاة بدلاً من ثلاثة معهم ، يقرر إد ألا يكذب و يخبره بحقيقة تلك التفصيلة الصغيرة ، فيطلب منهم الشريف ألا يعودوا إلى المنطقة ثانية لأنه يريد أن يرى تلك البلدة تموت في سلام ، مع ذلك الحوار الساحر ستجد ذاكرتك تسترجع كل أحداث هذا الفيلم الجميل و مُسترجعاً أيضاً موقفك أنت كمُشاهد تجاه ما حدث و كيفية تفاعلك و انحيازك لأحد الاختيارين اللذين طُرحا للمناقشة .

Only Lovers Left Alive

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :4/5

بطولة :تيلدا سوينتن ، توم هيدلستن
إخراج :جيم جارمش (2013)

اسم شخصيتي جارموش، آدموحواء، لكنها ليست بداية الخليقة ، ربما هنا شهادة على نهايتها ، نور الشمس غائب تماماً ، ليس لأن آدمو حواءهما اساساً مصاصا دماء ، بل لأن الضوء لن يقدم في حياة شخصيتيه الشيء الجديد ، لن يقدم لهما رؤية افضل ، نظاراتهما السوداء صالحة لليل ايضاً ، وكم لهما مشاهد ايقونية بهذه النظارات والثياب الفضفاضة مستندين على جدران مدينة طنجةالاثرية أو في أحد زوايا نادي ليلي في ديترويت .

قصة مصاصي الدماء بدت لي استعارة عن الانتماء لزمن ليس زمانهما ، رغبة جارموشفي تصوير هوس أدم بآلاته الموسيقية الاثرية , وانعزاله في مكان واحد رافضاً للزمن أن يتسرب للداخل , ليس في الجديد شيء مثير ، الفلم في بعض اجزاءه بدى رؤية من بعيد لمجرى التطور , لحركة التاريخ ، للإنهيار ، ولولا اعتماد جارموشفي بعض الفترات الاخرى على القصة أكثر من الفكرة لكان الفلم حمل معاني أكثر عمقاً وقوة ، ولكن في كلا الحالتين ، ما يبرز في هذا الفلم هو قدرة جارموشالكبيرة على زرع المشاهد أمام الشاشة , وعلى السيطرة عليه بأجواء الفلم الساحرة ما بين شوارع ديترويت المهجورة وازقة طنجةالاثرية ، حيث دندنات العود تتردد بين الجدران المتلاصقة ، و في المقاهي اغنية (القلب بيحب مرة) على صوت العود ، اعرب مصاص الدماء عن اعجابه بالمطربة اللبنانية ، وتمنى لها ألا تنال الشهرة ابداً ، جارموشيعكس ربما عدم قدرته على فهم الطريقة التي يتم التعامل فيها مع الفنون في هذا الوقت ، النظارات التي عادة يرتديها في صوره تشبه كثيراً ما ترتديه حواء وآدم ، ربما يتمنى لنفسه إلا يكون مشهوراً اسوة بالمطربة اللبنانية ، و طنجةمدينة اثرية ، لم تتأثر كثيرا بميزات العصر الجديد ، مكان مناسب لكي يحيا الخالدون ، و مصاصو الدماء ، وخصوصا ممن عاشوا الفترات التي لا يمكن ان تعود.

الشيء المثير في الفلم هو خلق هاتين الشخصيتين ، صنع الكاريكتر في مخيلة جارموشوطريقته في تجسيدهما ، مشاهدهما سوية محيرة من الناحية الزمنية ، هيئتهما تدل على العصور الوسطى واحاديثهما عصرية و متناقضة ، حواء تمتلك موبايل متطور ، آدميستخدم آلات كهربائية قديمة جداً في التواصل على الطريقة الحديثة ، حديثهما عن التاريخ يشبه حديث ذكريات ، جارموشفعلاً يطرح فكرة مثيرة للإهتمام ، من عاش الفترات السابقة من التاريخ كيف كان سيجد الفترة الحالية , التي لا تملك خصوصية الفترات السابقة ، هل سيشعر ان الكون متجه نحو الانهيار مع هذا الكم الكبير من التطور ، في حديث عابر جرى خلال الفلم , هناك شعور ان الانسان سيعود في المستقبل للبحث عن الحاجات البدائية التي كان يبحث عنها في الماضي ، وربما قد يفتعل حروباً من أجل الماء ، وهذا وارد ، ولكن الفلم ابقى على شعلة الفلم الرومانسية مضيئة ، علاقة آدموحواءعلاقة تشبه التاريخ ، هما رغم حبهما لبعضهما لكنهما لا يستطيعان ان يعيشا معاً للابد ، لذلك كان في ديترويت، وكانت في طنجة، لقاء آدم بحواء مجددا احياء لمفهوم الحب ، الشيء الذي لا يجب ان يموت في هذا الزمن الذي يموت فيه كل شيء ، ومن بعد آدم وحواء ، نذر الحب و طقوسه يجب ان تستمر ، وكان الوعد في طنجة ، المدينة التي تجمع الماضي والحاضر دون تعارض ، دون صدام ، المدينة التي لا تهتم كثيراً إن صعد أحد للقمر ما دامت اغنية القلب بيحب مرةمازالت تُطرب الحاضرين ، مادامت الجدران قائمة و صفراء وتحبس الماضي.

الفلم قد لا يكون الأهم لجارموش , وقد لا يكون الأفضل في عامه ، لكن وجود رجل بخصوصية و ميزات جارموشليقدم فلماً يصنع حالة مختلفة ومميزة ، هذا الامر يجعل اي مهتم بالسينما يهتم لما يقدمه هذا الرجل بعيداً عن التصنيفات والتقييمات ، الرجل يقدم لك سينما لن تجدها إلا أمام كاميرته ، هذه السينما تذهب لها وتبحث عنها بدل ان تأتي إليك من خلال منصات التتويج او الاقلام النقدية المادحة ، أو سواها من لوغاريتمات .


Calvary

$
0
0
كتب : مصطفى فلاح

التقييم :3.5/5

بطولة :بريندان غليسن ، كريس أودوود
إخراج :جون مايكل مكدونا (2014)

بين عام و آخر , أنتظر عودة أحد الأخوين مكدونالإبراز منطقة خفية في حيوات قاطني المناطق الإنكليزية / الإيرلندية بأسلوب سردي أحببته كثيراً في الأفلام الأربعة التي تقاسمها الأخوين مُناصفة منذ قرابة نصف العقد ، موعدنا هذا المرة مع عمل الأخ الأصغر جون مايكلو هو يُتبع أفتتاحيته الإخراجية المُمتدحة The Guardبنموذج سينمائي عديد الأوجه , نموذج للشاشة التي يسجل عليها مُلاحظاته حول ما يسكن داخل الناس وسط البيئة التي تُحيط بهم , نموذج لطريقته الساخرة و تهكمه المُعتاد في تدوين تلك الملاحظات , و أخيراً نموذج للشكل الإستعراضي المُميز في عرضها .

المكان هو بطل أعمال الأخوين , مكدونالا يستطيع مُبارحته بسهولة و أن كان يُريد ذلك ؛ ورغم تواجد عدة زوايا لكسر حدة المسرح , شخصيات كثيرة مٌقارنة بعزلة شبه الجزيرة و تفرد المكان الواحد (كنيسة , بار , شاطئ) , و حكاية ذات خيط رفيع لكنه (العمل) يبدو مُغلقاً بين أربعة جدران , مُزدحم , يلغي الخصوصية , و يكشف الأسرار دون الحاجة الى إزالة الغطاء !

بريندن غليسونيعود للإلتحاق بسينما المُخرجَين , يشكل معهم الرابط الذي تمتع به (فوردو واين) أو (فيلينيو ماستروياني) في إستحواذ الإنتباه الذي يتركه أحدهما على الآخر , هذه المرة بدور القسيس الذي دفعه التهديد المُباشر الذي تلقّاه في بدء الفلم الى إعادة وضعه الإنتمائي خارج أبواب الكنيسة و التجرد من شللية قوانينها قليلاً بُغية العثور على متوعده بالقتل .

رغم الأجواء غير الودية و الحوارات الجلفية , "العنصرية جزء من ثقافتي"كما جاء على لسان بطل عمله السابق , و الجموح الجماعي معروف الأسباب ضد الكنيسة هذه المرة , إلا أن العمل لا يفقد أي من حسناته الكثيرة على صعيد الكتابة و منحه النظرة الصحيحة للأمور ؛ فـ (مكدونا) , الكاتب أيضاً , يعرف شخصياته جيداً و يوظف معرفته بشكل حسن على الشاشة حتى يغدو المُشاهد مُدركاً لمواقعها و خصائصها , لصلاحها و طلاحها ؛ قد تكون طيبة لكنها ليست بساذجة , أو شريرة رغم أنفها , قد تتخذ منها صديقاً بسرعة أو قد تنفر منها و تتركها لوحدة لا تطاق ! ، قليلاً ما نشاهد من أفلام تُحسن شرح هذه المُتناقضات الضرورية لإثارة التساؤلات في رحلة البحث عن الأجوبة ؛ فهذه رحلة القسيس في البحث عن ذاته في الآخرين و رحلة البحث عن يقين حسن العاقبة في نفوس من لا تؤمن بها , و إن كان هناك درس قاس لبطله الراغب بالبحث و حقيقة مُرة يُخبئها له القدر منذ الأزل .

الشيء الآخر الجدير بالذكر , أن مكدونالا يدعي أكثر مما يُريد أن يُنجز , يأثر بالإستمتاع على إسداء النصائح أو ثريلر معرفة صاحب التهديد , لا يريد إنشاء مُعضلة ليست موجودة فالقسيس يؤمن بالموت في أي لحظة , و أخيراً لا يحاول خلق حالة ضيق حدودي كون المكان مغلقاً , بل يستغله (كما لو كان ملعباً كبيراً) في إستكمال سخطه من مقام ساكنيه و تقديم برهان مُقنع آخر للتحرر منه !



Jeanne Dielman, 23 Quai du Commerce, 1080 Bruxelles

$
0
0
كتب :خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

بطولة :دلفين سيريج
إخراج :شانتال آكرمان (1975)

"هذا زمان السأم .." - صلاح عبد الصبور

شخصياً تذوقي للأفلام قبل أن أشاهد هذا الفيلم أختلف كثيراً عن تذوقي للأفلام بعد أن شاهدته ، هذا فيلم مُؤسس مُعلِّم ، فقد كانت مشاهدة الفيلم انتقال مهم بالنسبة لي ، علَّمني أن تفاوت درجات الصبر قد يساوي تفاوت درجات الجمال.

في العادة أهرب من وصف الأفلام الفنية بالمملة لأن الفن – كما أعتقد – لابد وأن يكون "ممتع"، لكن هذا الفيلم "ممل"بدرجة عظيم ، الممل السطحي – كما المتعة السطحية – زائلة ، لذا فلا تناقض لدي بين المتعة الفنية وبين الفيلم ، لأن المتعة المقصودة متعة وجدانية لابد وأن تجدها متى صبرت كفاية لتجدها ، ومتى وجدتها ستظل أبداً تبحث عنها .

جين ديلمانربة منزل أرملة أربعينية تعيش مع ابنها الوحيد ، بعد ذهاب الابن إلى المدرسة تستقبل الرجال ، خلال أكتر من ثلاث ساعات نختبر ثلاث أيام من الروتين اليومي في حياة جين ، جين تسعى لكي تكون أم جيدة .. امرأة جيدة .. جارة جيدة .. وحتى عاهرة جيدة ، فيلم آكرمانيدفعك بالروتين اليومي والعمل المنزلي لربة منزل إلى الملل الكافي لجعلك تفكر وتشعر ، ستبدأ تفكر في حياة المرأة البائسة ثم حياة المرأة بوجه عام ، ربما ينتهي بك المطاف متأملاً في حياتك نفسها .

مع مشاهدة كل فيلم عظيم وأسلوب فني مختلف أُصبح راضي أكثر عن العبارة المبتذلة "فيلم يُعيد اكتشاف السينماآكرمانهنا أعادت للسينما واحدة من أقوى وأهم خصائص السينما الفنية ، أن تلمس حياة ليست حياتك وكلما كان الفيلم أفضل كلما اقتربت من أن تعيش تلك الحياة ، آكرمانفي سعيها لذلك لا تستخدم أسلوب الراوي أو التأثير الموسيقى ، فهي لا تريد أن تقيد المشاهد بقصة أو تدفعه ناحية شعور معين ، وإن كانت ستكشف خلفية ضئيلة كافية لعدم الاحساس بالتيه ، أعتقد أن آكرمانقالت الكثير في الفيلم وإن لم تقله ، كما أن الكثير يحدث تحت سطح شخصيتها وإن لم نر شيئاً منه !

كاميرا ثابتة تنقل لنا لقطات متوسطة لكل ما حذفه الآخرون من أفلامهم ، تفاصيل ما تقوم به جين في المنزل ، كل شيء في حياة جينيتم بصورة روتينية بدون مساحة للارتجال ، تقوم جين – على سبيل المثال – بتلميع حذاء ابنها ، نحن نقرأ هذه الجملة وربما نقرأها قفزاً ، لكننا في الفيلم نرى الحدث أكثر من مرة بوقته الكامل ، لذا هو فيلم عن الاحترام ، الكاميرا الثابتة المتأملة وزاوية الرؤية من الأسفل دفعت النقاد لذكر الياباني العظيم أوزو، لكن آكرمانقالت أنها رأت أعماله لاحقاً ، على أي حال التشابه الأسلوبي حقق نفس النتيجة ، فنشأت علاقة الاحترام والتقدير بين المُشاهِد والشخصية .

"على أي حال لا أؤمن بوجود اختلاف ما بين الوثائقي والخيال" - شانتال آكرمان

تدريجياً نلاحظ شرخ متزايد يحدث في روتين جين، البطاطس ظلت فترة طويلة على الموقد حتى احترقت ، تذهب جينلتحضر بطاطس جديدة مع احساسها بخلل يحدث في حياتها ، كما أنها اعتادت شرب القهوة في أحد المقاهي ، جينلا تملك الوقت الكافي لكنها تجلس في المقهى وتطلب القهوة ، تترك ثمن قهوتها على المنضدة وتنصرف بدون شرب القهوة ، عندما تدخل جين مع زبائنها الرجال إلى غرفة النوم نظل مع الكاميرا خارج الغرفة ، لكن في اليوم الثالث تدخل الكاميرا إلى داخل الغرفة لترصد حالة استثنائية تكسر روتين جينغالباً إلى الأبد ، جينستشعر بهزة الجماع مع أحد الزبائن ويمكننا كذلك استنتاج أنه أمر لا يتضمنه روتين جين، بعد بضع دقائق ستقتل جينالرجل بمقص.

التفسير مفتوح للمشاهد في إيجاد السبب التي جعل جينتقتل ، و ستتركنا آكرمانعدد من الدقائق ننظر إلى جينالتي تجلس بهدوء ، جين تنتظر شيء لكنها لا تعرف ما الذي تنتظره ، لا نحصل على إجابة وإن كنا حصلنا على عدد كبير من الأسئلة عن الفيلم وعن المرأة ، حيث أن آكرمانحققت أحد أهم وأجمل أفلام النساء دون الحاجة إلى الكثير من الضجيج المصاحب لهذا النوع من الأفلام الثورية ، بل ربما دون الحاجة إلى النوع نفسه .

دلفين سيريجأضافت لأدوارها مع رينيهو بونويلدور أيقوني أعتقد أنه يستحق أن يصبح الدور الذي يتذكر به أهل السينما الممثلة الجميلة ، جدير بالذكر أن مخرجة الفيلم وكاتبته – والتي تُقدِّر بشدة سينما جوداربالمناسبة – أنجزت عملها الأهم في سن الرابعة والعشرين فقط .

"أريد المشاهد أن يحصل على خبرة مادية .. أن يشعر بالوقت يمر ، الأفلام في الغالب تُصنع لتمضية الوقت ، لكني أريد أن يختبر المشاهد الوقت الذي يمر على الشخصية" - شانتال آكرمان

Viewing all 508 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>