Quantcast
Channel: مشاهدات سينمائية
Viewing all 508 articles
Browse latest View live

Away from Her

$
0
0
كتب : عماد العذري

التقييم : 4.5/5

بطولة :جولي كريستي , غوردون بينسنت
إخراج :سارة بولي (2007)

باكورة أعمال الممثلة الكندية الشابة سارة بولي إقتباساً عن قصة قصيرة كتبتها أليس مونرو , دراما عن غرانتو فيونا : زوجان عاشا معاً قرابة 40 عاماً في منزل ريفي جميل أساسه الحب و بناءه عاطفة حبيبين و صديقين و زوجين , و عندما تبدأ ذاكرة فيونابالإضمحلال تقرر الذهاب إلى مأوى للعجزة , القرار الذي يشعل الأسى في قلب زوجها البائس وهو أسىً يتفاقم مع قرار الدار حرمانه من زيارتها لفترة طويلة ليمنحها الفرصة على التأقلم مع وضعها الجديد , لكن الرجل يقرر البقاء وراء زوجته مقدماً لها دعمه المعنوي حتى اللحظة الأخيرة .

قصة مؤثرة تتحرى فيها سارة بوليتساؤلاً معقداً (هل الذاكرة هي الغذاء الأساسي للعاطفة ؟) ، غرانتفقد في زوجته ذاكرتها و وقع في موقف صعب : ماقيمة كل ما ستقدمه لها , أياً ما كان , طالما أنها لن تتذكره و لن تتذكرك إلى الأبد ؟!! , مأساة تراجيدية توقع الرجل تحت ضغط كبير , غرانتيبقى على العاطفة التي في قلبه , وطالما أن ذاكرتها تجاهه قد فقدت فإن ذاكرته الخاصة تجاه شريكته مازالت باقية , رغم إدراك الرجل أن كل ما كان بينهما قد إنتهى إلى الأبد , و أنه لو تجاهل ما يحدث و إنصرف لحياته فلن يكترث أحد للأمر , معضلة صعبة لم أشاهدها بهذا التعقيد (الذي تستحقه) في أي من أفلام (الصمود الطويل) , تلك التي يقف فيها أحد الشريكين إلى جوار الأخر في حالة مرضية أو وضع حياتي صعب في رحلة صمود طويلة , جميع تلك الحالات ترتكز على قاعدة واحدة هي الأمل , و ركيزة الأمل الحقيقية هي الذاكرة (وطالما هو لا يتذكرني فلا معنى لصمودي) , سارةبوليتخبرنا مبكراً أن فيلمها مختلف , هنا لا وجود للأمل مطلقاً فبطلتها مريضة ألزهايمرتفقد ذاكرتها مع تقدم الزمن لكن عاطفة زوجها تجاهها كانت أكبر من حدود الذاكرة و أقوى من عقارب الساعة , سارة بوليتحقق من خلال نصها تجلياً عظيماً لردٍ كلاسيكيٍ على حقيقة (طالما هو لا يتذكرني فلا معنى لصمودي) ، تقول ببساطة (حتى وإن لم يتذكرني فإنني أتذكره) .

غوردون بينسينتيقدم واحداً من تلك الأداءات التي لا تشعر بقوتها إلا إذا تعمقت جيداً في تفاصيل شخصيتها , يرسم ذلك التوازن بين فداحة الفقدان و ثقل الكاهل و العيش على الذكرى و العاطفة تجاه شريكة حياته , بالمقابل تقدم الديم جولي كريستيواحداً من أفضل أداءات العام الماضي ببراعة ممثلة أسطورية , في بدايات الفيلم تستغل مدةً قصيرة للغاية لتبرهن للمشاهد لماذا يحبها زوجها إلى هذا الحد (وهي حاجة ملحة لتأسيس معضلة الفيلم) , وعندما تبدأ إنحدارها نحو هاوية الخرف تحافظ كريستيعلى نبرة عاطفية صعبة للغاية (لا أدري كيف أبدعتها) وهي (على خلاف أدوار مماثلة تنصدم فيها الشخصيات بواقعها الجديد) تقدم تجريداً مدروساً جداً للصورة التي تراها أمامها , الصورة التي تعيشها , محاولاتها الفاشلة في التذكر , وفشلها في إدراك المشترك مع زوجها , و الأهم عاطفتها تجاهه و حبها له , ثم فشلها في إدراكه هو ذاته , دون إنفعالات الصدمة المنفعلة التي لا معنى لها مع إمرأة تفقد ذاكرتها , فمن يصدم بواقعه عليه أن يتذكر ماضيه ثم يقارنه بواقعه الجديد قبل أن يصدم به , فيونا لا تتذكر ماضيها أصلاً و تعيش واقعها الجديد على أنه حياتها الحقيقية في أداء عبقري من كريستي , إبنة الثامنة و العشرين سارة بوليمبشرة جداً و إنتظروا منها الكثير .


A History of Violence

$
0
0
كتب :محمد المصري

التقييم : 5/5

بطولة :فيغو مورتنسن ، ماريا بيلو ، إد هاريس
إخراج :ديفيد كرونينبيرغ (2005)

في كافة أفلام ديفيد كرونينبيرجالقديمة ، على رأسها  Videodrome،  The Fly، Dead Ringers ، يكون "المشروع"أو "الفكرة العامة"التي تجمعها هي "الوعي بالجَسَد"، تحولاته الفيزيائية من شيءٍ إلى شيء ، ليخلق كرونينبيرجلنفسه، على مدارِ عقدين ، شكلاً مختلفاً جداً من سينما مُتطرّفة وشديدة الحدّة ، ونوعاً خاصاً من أفلامِ الرُّعب الذي صار مُقترناً باسمه ، رفضه النقَّاد طويلاً ، قبل أن يقدروه بشدّة بعد ذلك.

بعد وصوله للستين من عمره ، هدأ الرجل كثيراً ، ظل يشغله أيضاً أمر "التحوُّلات"، ولكن بصورة مُختلفة ، أقل خيالاً وعُنفاً من التحول المادي والفيزيائي الذي يجري في أفلامه القديمة ، ولكنها تَحْمِل نَفس العُمق والحدَّة والتطرُّف في تعبيرها.

في A History of Violence يتناول المخرج الكندي قصة رجل عائلة يدعى توم ستال، يعيش حياة هادئة في بلدةٍ صغيرة ، يتغير كل شيء حين يتعرض المقهى الذي يعمل به لهجومٍ من رجلين مسلحين ، يصبح بطلاً محلياً حين يقتلهم باستخدامٍ بارع للمسدس ، قبل أن يُفْتَح عليه ذلك جحيماً غير مُنتظراً ، حين يحضر رجل غريب بعينٍ واحدة يناديه"جوي كوزاك"، ويطلب منه السفر معه لتصفية ماضي قديم ، مدمي وعنيف جداً.

كل ما في هذا الفيلم هو عن نوعٍ عَميق من التحوُّل ، قصته الأساسية ، كل مشاهده وخيوطه الفرعية ، حركة الأجساد ، النَّظرات ، كل شيء ينطِق بفكرة التحوُّل التي هُوِسَ بها مُخرجه : كيف يتحوّل عامل المَقهى "تومستال"لمُقاتل بارع يستخدم المُسدس بثقة ؟ ، كيف ينقلب رب العائلة لصورةٍ عَنيفة ودَموية من شخصٍ قديم يَبدو وكأنه انبعث كي يحمي عائلته ؟ ، كيف يتغيَّر شكل العلاقة الجسدية بينه وبين زوجته من (رقَّة) و(عادية) توم ستال لـ(غُلْظَةِ) و(عُنْف) جوي كوزاكفي مشهدين جنسيين حواهما الفيلم ؟ ، الصورة التي يتغيَّر بها "جاك ستال"، الابن ، من مراهقٍ جبان لشخصٍ أكثر عُنفاً ؟ ، أو تِلك التي يُنهي جوي كوزاكمُهمته ، ثم يَذهب إلى النهر في واحدٍ من أكثر مشاهد (التطهر) التي لا تُبارح مُخيّلتي من أجل أن يعود لشخصية "توم ستال"؟ ، كل شيء فعلاً يدور حول كلمة (التحوُّل) و(التغيُّر) ويحاول الفيلم التقاط تلك اللحظات التي تَجعلنا شخوصاً آخرين ، بذاتٍ أخرى غير التي نحنُ عليها قبل ذلك.

وعلى عكسِ أفلامه الأقدم ، فإن كرونينبيرجلا يَحمل في هذا العمل تجربة جسدية عَنيفة يمر بها بطله ، لا خطأ علمي يُحوله لذبابة ولا يد تُصبح مُسدساً ! ، ولكن بصورةٍ أخرى يَبدو الأمر أقسى ، لأنه يتحوّل هُنا من شخصٍ إلى شخص ، ولشدَّة هذا التحوُّل يظن أنه انتهى من ماضيه كُله ، لن يراه ثانيةً ، كأن الحياة توقَّفت عند نُقطة مُعينة ، ثم انفتحت لتبدأ من جديد ، ولكنه لم يستطع الهرب إلى الأبد ، ووجد ذاته الأخرى لازالت موجودة ، بداخله ، تُطارده ، وتُدمّر وجوده الحالي ، وهنا تحديداً يَكْمُن أسى الفيلم كله ، وعَظمته الحقيقية ، عن رجلٍ يُصارع آخر يعيش بداخله ، وفي كل ماضيه.

"
لقد ظننت أنني قتلت جوي كوزاك ، أنه لن يظهر مرة أخرى ، ذهبنا إلى الصحراء ودفنته ، وظللت 3 سنوات لأصبح توم ستال".

وفي المشهدِ الأخير ، يعود "توم ستال"، وليس "جوي كوزاك"، إلى البيتِ ، بعد التطهُّر الأخير بالدّمِ والماء ، قَطعات متتالية من "كرونينبيرج"على الوجوهِ ، ثم تذهب طفلته لتحضر طبقاً رابعاً تضعه على منضدة الطعام ، في مُحاولةٍ للغفران ، نسيان الماضي ، قبول الذات الجديدة بينهم ، يَجْلسُ ساكتاً ، وهم ساكِتون ، يَنظرون لبعضهم ، بأملٍ وحُزن ، ثم تُظْلَم الشَّاشة ، نهاية عَظيمة لفيلمٍ عظيم.

The Hole

$
0
0
كتب : فراس محمد

التقييم : 4/5

بطولة :يانغ كواي مي ، يانغ باي ينغ
إخراج :تساي مينغ ليانغ (1998)

ما خارج الموضوع هو الشيء المثير مجددا في فلم المخرج التايواني (الذي لا افهم للمرة الرابعة) كيف يورط مشاهديه بعزلة شخصياته , وكيف تبدو هذه العزلة وما فيها من روتين شيء مثير فعلا للإهتمام والمشاهدة , رغم ان اغلب المشاهد يبدو انه لا يجري فيها الكثير ، تتكرر بشكل روتيني كما قال المخرج الاميركي مونتيهيلمانعن فلمه الاخير المتوج في فينيسيا (شخصيته الرئيسية تأكل السباكيتي  , ثم تذهب , ثم تعود , ثم تأكل السباكيتي , تذهب , تعود , تأكل البطيخ) , مشاهد لا يحدث فيها تقريباً شيء , لكن مع ذلك , صدق هذه العزلة (المفروضة) هذه المرة وممثليه الذي دوماً يستخدمهم , من النادر ان يغير مينغممثليه , تجعل الفكرة حيوية أكثر مما تبدو .

قدم تساي مينغهذا الفلم تكريماً لمغنية تايوانية كانت مشهورة في ستينات القرن الماضي , و أغانيها التي تبدو وكأنها لأودري هيبورنفي فلم ميوزيكال ستيني (لكن تايواني) تحولت لكلاسيكيات حيث يُنهي فلمه بالجملة التالية :

We are grateful that we still have
Grace Chang's songs to comfort us

وبشكل غريب وغير متوقع في الفلم ، يضع اغانيها على شكل فيديو كليبس ، وهو لم يضعها اعتباطاً ، فكل اغنية من تلك الاغاني تعبر عن الخط البياني للعلاقة التي قدمها بين بطليه ، ومع كل اغنية تزداد ملامح العلاقة بالوضوح , والبطلين بالغرق فيها ، وما جعل العلاقة مميزة هي غرابتها ، هذه من أغرب العلاقات الرومانسية التي من الممكن ان تشاهدها في السينما ، فقبل سبع ايام على الدخول بعام 2000 (وهي في المستقبل باعتبار ان الفلم من انتاج 1998) ، هناك فايروس يجتاح مدينة تايوانية ، اغلب سكانها نزحوا او هاجروا ، وشركة الماء تحذر من انها ستوقف تزويد المدينة بالماء ، وهناك غضب عارم تجاه تصرفات الحكومة في منع انتشار الفايروس ، ولكن بطلي تساي منيغبقيا حيث هما ، الرجل في الطابق العلوي , والفتاة في الطابق السفلي ، يأتي عامل تصليحات في احد الايام ، ويحفر حفرة في ارضية الطابق العلوي ، ويتركها ، وتبدأ من هذه الحفرة بملاحظة كل من بطلي القصة بعضهما البعض .

ما يعجبني في افلام هذا المخرج ، هي التفاصيل التي يكررها دوماً في افلامه ، بشكل تثير كوميديا غريبة , تجد نفسك تبتسم وتضحك في مشاهد غير مضحكة , أو لا تحوي كوميديا ، ولكن تكرارها بشكل عفوي يجعلها مثيرة للسخرية ، في كل افلامه , هناك منزل غارق بالمياه , في كل افلامه هناك مطر غزير لا يستطيع سكان المكان التعامل معه ، غالبا يسبب كارثة , وفلمه هذا هو أكثر افلامه رطوبة ، الماس هو البطل الرئيسي هنا ، يخترق ورق الجدران , يهطل دون توقف في الخارج , هناك تسرب في السقوف , وبعض التفاصيل التي لا يستطيع سوى مخرج يفهم معنى الفعل ورد الفعل في جو بارد وكئيب ومعزول ان يقدمها ، وهذا ما كرره في The Riverوفي Rebels of the Neon Godوفي فلم Vive L'Amour، وهذا ما أعتقد سيكرره في كل افلامه , وهذا ما جعلني مستعدا لمشاهدتها جميعاً ، وهذا ما يجعل تساي مينغمخرج غير توافقي ، إذا شاهدت اول ساعة من فلمه ، لن تتوقف حتى تشاهد كل افلامه ، أما إن لم تستطع إكمالها فلن تتمكن من مشاهدة فلم آخر له . 

In a Year with 13 Moons

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم : 4.5/5

بطولة : فولكر شبينجلر
إخراج : راينر فيرنر فاسبندر (1978)

"ليس من السهل أن ترى الجمال في المعاناة ، هذا شيء صعب ، ويمكن فقط تفهمه إن بحثت بعمق داخلك !"– فاسبندر.

بعد حوالي خمسة وثلاثين عاماً مازال الفيلم يثير تحفظ وغضب البعض ، تخيل كم الجرأة لدى فاسبندروقتها ، ويمكننا ربط تلك الجرأة بكونه منتجاً للعمل ، فبهذا حصل الرجل على الحرية الكاملة لإخراج وكتابة ومونتاج وتصوير واحد من أهم وأجمل أفلامه ، فيلم يطرح بقوة أسئلته المؤرقة عن الحب.

في بداية الفيلم يخبرنا صوت فاسبندرتفسير عنوان الفيلم ، حيث يقول أن كل سبع سنوات تأتي سنة قمرية ، وفيها يعاني العاشقون كثيراً كما يعانون أيضاً في السنوات التي يظهر بها القمر ثلاثة عشر مرة ، فإن أتت السنة القمرية مع السنة ذات الثلاثة عشر قمر ، فهي كارثة لهم ، العاشقون عند فاسبندرتتحكم مشاعرهم بصورة مهيمنة في اختياراتهم المصيرية.

(ألفيرا) متحولة جنسياً تبحث عن الجنس في حديقة عامة فيُكتشف أمرها فتتعرض لضرب مبرح ، حبيبها يتركها ، تحاول التمسك به فتتعرض للإهانة والضرب مرة أخرى ، تذهب مع صديقتها العاهرة لدار الأيتام الكاثوليكي حيث نشأت ألفيراالتي كانت وقتها طفلاً يدعى إيرفن، من خلال ذكريات إحدى الراهبات يمكننا ملاحظة ملامح التغيير السلوكي العدواني الذي تعرض له الطفل خلال مراحل نموه ، الطفل كان يريد العمل كصائغ لكنهم دربوه ليصبح جزاراً ، تحمل بنت الجزار منه وتنجب بنتاً ، يتزوجا لكنهما ينفصلا لإنعدام الشغف.

التفسير المباشر لتحول ألفيرايكمن في حبها أنطوان، فقد عملا سوياً في الجزارة ويوماً ما صرح إيرفن بأنه يحبه ، فرد أنطوان مازحاً أنه من السيء أن إيرفنليس امرأة ، يذهب إيرفن إلى (الدار البيضاء) ليخضع لعملية تغيير الجنس ويتحول إلى ألفيرا، يعود إلى أنطوانفيجد أنه لا زال مرفوضاً.

أنطوان– أحد الناجيين من معسكرات الإبادة النازية – سيترك الجزارة ويكون سمسار مالي له وزن ثقيل في مدينة فرانكفورت ، لكنه قاسي القلب لا يرحم ، يتوقع البعض أن من تعرض لهذا الكم من الوحشية ستجعله التجربة رحيماً بغيره ، لكن فاسبندريرى العكس و كالعادة لا يكترث للهجوم الشرس عليه وعلي أفلامه أو لإتهامه بكونه عدو عتيد للسامية.

يعتقد فاسبندرأن كل مخرج يحترم نفسه يمتلك موضوع واحد فقط يكرره كل فيلم ، ويُقر أن موضوعه هو استغلال المشاعر، بدوافع وطنية أو دينية أو عاطفية أو جنسية ، شخصيات فاسبندردائماً تبحث عن الحب ودائماً ما يسحقها الحب ، في صرخته الأعلى (السنة ذات الثلاثة عشر قمر) نجد تراكم الإساءة والاستغلال المجتمعي والفردي ساهم في تضييق الخناق على روح محبة ، روح تحملت عدم حصولها على الحب في المقابل ، لكنها لم تتحمل أن يقابل الحب الغامر الذي تحمله بالإهانة.

"الحب هو الشيء الأفضل ، الأكثر غدراً ، الأداة الأكثر فاعلية للكبت الإجتماعي" - فاسبندر


Match Point

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

التقييم : 4.5/5

بطولة :جوناثان رايس مايرز ، سكارلت جوهانسن
إخراج :وودي آلن (2005)


في فيلمه الذي يعتبره هو الأفضل بين أفلامه كلها ، يقدم وودي آلاننظرة جديدة للنفس البشرية ، ولأحكام القدر وكيف تتحكم الصدف والحظ في الحياة.

فما بين الحب ، والرغبة ، والطموح يوضع مستقبل الشخصية الرئيسية في الفيلم كريس ويلتونعلى المحك ، فكريسالذي لعب الحظ كثيراً في حياته وجعله رجل أعمال متزوج من امرأة ثرية بدلا من لاعب تنس فقير ووحيد، يقع تحت تأثير نولاالجميلة ، المخطوبة سابقاً لأخو زوجته ، والتي كانت قد تكونت بينهما علاقة سريعة أثناء خطبتها تلك وانتهت ولكن سرعان ما عادت العلاقة للتوهج مرة أخرى بعدما قابلها "صدفة"مرة أخرى في أحد المعارض.


نولانفسها والتي تبحث عن وظيفة كممثلة تبدأ بها حياة نجوميتها ، كانت قد قابلت خطيبها السابق "بالصدفة"، وبالتبعية التقت بكريس "بالصدفة"أيضاً سواءً في المرة الأولى أو الثانية ، ليكون ذلك مسار تغيير في حياتها ، ليس فقط مسار تتحرك فيه الحياة وإنما أيضاً تنتهي من خلاله.

من خلال هذا الوجود القوي للصدف في الفيلم والدور الذي تلعبه في التحكم في أحداثه ، يطرح آلانمثالاً قوياً عن غياب العدل في هذه الحياة ، مثالاً عن غياب التحكم الخفي للأقدار والتي تفرض الثواب والعقاب ، بإمكان المرء أن يفر بفعلته أو يكتسب المزيد من النقاط كما في لعبة التنس مثلاً دون وجود تبرير لهذا ، ودون وجود عقاب أو عدل يزن كفة الأمور ولو قليلاً.

ومع ذلك ، وعلى الرغم من نظرتنا لكريسو نولاكمجرمين بحق كلويمثلاً ، إلا أنه ولو ركزت قليلاً ستجد أن حتى كلوينفسها وهي الضحية هنا فهي مخطئة ، إن لم يكن في حق أحد ففي حق نفسها منذ البداية ، فهي تحكم السيطرة على عالمها ، تجعله فقط كما تريده هي ، غير مستجيبة لأي إشارات أو مؤثرات خارجية ، تستند على أموال والديها وفقط لتجعل من عالمها مؤمّناً ضد كل ما لا تريده و تخاف منه أو تهرب من مواجهته ، إن كان كريسقد أخطأ في خيانته لها بشكل غير مبرر لأنه لا يوجد ما يستند عليه في خطأه ليبرره ، فإن كلويقد بررت لنفسها أخطائها - التي قد لا تراها هي - فقط بأموال والديها ، الأموال التي إن لم تكن موجودة ، لم تكن كلويستجد شيئاً لتستند عليه ، ربما نستطيع رؤية مايعرضه وودي آلانهنا من رؤية مختلفة عن تفسير الأخطاء التي يبررها الانسان لنفسه حتى وإن كانت غير واضحة ولا يلتفت إليها لمجرد وجود عوامل أخرى مضمونة بالنسبة له، وهو فقط وجد تلك العوامل المضمونة بالصدفة في حياته ، واعتمد عليها ليبني حياته ويبرر أخطائه من خلالها ، وكأن وودييدعو لإعادة النظر في أصل الأشياء قبل اتخاذها ذريعة لتبرير الأخطاء/الأفعال عموماً.

ربما كانت الضحية الوحيدة البريئة تماما في الفيلم هي جارة نولا، والتي تم أيضاً قتلها "بالصدفة"البحتة.

تجربة وودي آلانهنا - والتي تبناها من الجريمة والعقابلديستوفسكي وقدمها بشكل مختلف قليلاً من قبل في فيلمه Crimes and Misdemeanorsعام 1989 - تختلف عن باقي تجاربه في كونها واضحة الأحداث والمعالم ، ليس هناك الكثير من الحوار الذاتي مع النفس أو الأسئلة القلقة ، الأسئلة فقط هنا هي ما يطرحه عليك آلانمن أحداث وخطوات قوية تتخذها الشخصيات في مواجهة الحياة ، كما أن إدارة آلانلممثلين شباب ، لم يقدموا أدواراً عظيمة من قبل وهو المخرج ذو السمعة العريقة ليقدموا تلك الأدوار بهذه الحنكة المناسبة لفيلم كهذا تجعل الفيلم تجربة مميزة ومفاجئة بالنسبة لك كمشاهد.

في النهاية يقول ووديعن الفيلم بأنه الفيلم الأفضل بين أعماله ، وقد اجتمعت كل عناصره الجيدة "بالصدفة"، حيث يقول بأنه يحاول طوال الوقت حينما يصنع فيلماً بأن يجمع العناصر الجيدة فيه ولكنه ينجح في بعضها ويفشل في بعضها الآخر ، إلا أنه في هذا الفيلم تكاملت فيه العناصر الجيدة بشكل مفاجئ وغير متوقع تماماً من حيث الممثلين والتصوير والموسيقى الكلاسيكية التي اختارها آلانلتضفي على الفيلم لمسة من العظمة والرهبة تناسب ما يطرحه الفيلم من بحث في الأقدار والحياة ، والأهم من ذلك السيناريو والذي غيره آلان مرتين ، مرة ليناسب انتاج الفيلم في لندنبدلاً من أمريكاومرة لتغيير البطلة لجعلها أمريكية (سكارليت جوهانسن) بدلاً من كيت وينسلتالتي اعتذرت عن أداء الدور.

The Glass Key

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم : 4/5

بطولة :آلان لاد ، فيرونيكا ليك
إخراج :ستيوارت هايسلر (1942)

إنه الفيلم الذى قال عنه العملاق اليابانى أكيرا كيروساوا أنه الفيلم الذى استلهم منه الخطوط العريضة لفيلمه العظيم Yojimbo.

مذهل هو فن السينما ؛ كيف يتطور و كيف يتتابع التأثر و التأثير ، من فيلم نوار هوليودى إلى فيلم ساموراى يابانى إلى ويسترن اسباجيتى إيطالى ، المذهل هو التباين البصرى و الدرامى الشديد بين المدارس الثلاثة ، لكن ألم يكن من أثروا بشكل كبير في ولادة الموجة الفرنسية الشهيرة هم هيتشكوكو فوردو نيكولاسراي؟!.

فيلمنا هو فيلم نوار هوليودي من النوع الذى قدمته هوليوود مراراً و تكراراً فى الأربعينات و الخمسينات ، يسير على الخطىالمعروفة في بناء الفيلم النوار : جريمة ، جنس ، عنف ، محقق ، لا تتعقد الأمور هنا كثيراً أو بمعنى أدق لا يحاول الفيلم تبنى إيقاع أكثر تعقيداً كذلك الذى رأيناه في أفلام النوار الشهيرة مثل The Big Sleep أوThe Maltese Falcon، تتشعب خيوط الجريمة و تأخذ ارتباط شكلي و فعلى بالسياسة و دوافعها ، لكن يبنى المخرج أحداثه بهدوء و سلاسة و ذلك كان واضحاً في تتابع حدوث الجريمة و تتابع كشف ملابساتها ، يخسر الفيلم بهذه الطريقة نقطة كانت ستصب فى مصلحته بالتأكيد و تحوله إلى أحد كلاسيكيات الفيلم النوار ، عنصر التشويق و الإثارة مُفتقد إلى حد بعيد فى إيقاع الفيلم حتى الموسيقى التصويرية لم تكن بتلك الحيوية المطلوبة في هذه الأفلام ، الحبكة لا غبار عليها ، المشهد الافتتاحي قوى ، تشابك السياسة بالمصالح الشخصية يحدث بتمهيد و تصاعد ممتاز ، لكن بصرياً يفتقد الفيلم تلك البهارات النوارية المميزة ، و الإيقاع يفتقد تدفقاً و تشويقاً .

المميز جداً بالفيلم هو الطريقة التي ربط بها السياسة بالأحداث و كيفية تداخلها مع حدوث الجريمة و دوافعها و التتابعات التي نتجت عن ذلك و فكرة أن ضحاياها لا ذنب لهم فيما يحدث ؛ الابن المحب للحياة لا ذنب مباشر له في تهديد مستقبل أبيه السياسى ، "سنيب"الأخت التي بطيشها و اندفاعها للحب تشكل تهديداً لمصالح أخيها ، "جيف"الحارس القوى هو مجرد أداة تم التلاعب بها لتحقيق مصالح شخصية بحتة لمن يستغلونه ، الخسارة في النهاية تقع على هؤلاء ممن لا ذنب لهم حتى مع الإيقاع بمن ارتكب الجريمة .

سيناريو قوى كان بحاجة إلى شغل بصرى يزيد من حدة مفاصله الأساسية من جريمة و عنف و جنس و إيقاعاً يرفع وتيرة التشويق و تشابك ملابسات الجريمة مع مصالح السياسة .

Jodorowsky's Dune

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :4.5/5

إخراج :فرانك بافيتش (2014)

رُبما لا نعرف عن يودروسكيأكثر من خياله المُطلق و أفاقه الواسعة , أكثر من عوالمه السريالية اللصيقة بالذاكرة , ألا أن هذا السريالي الشغوف بالسينما , يُشبهها بالفضاء لا تنتهي , يراها عبادة و هو المُتعبد ؛ القادم من خلفية مسرحية طويلة الأمد يعشق الشاشة , يرى فيها أحلامه , يتكلم معها و ترُد عليه , عندما سُئل عن سبب وجوده في الحياة , جاء رده : "أن تخلق لنفسك روح ! بالنسبة لي , الأفلام هي وسيلة البحث عن هذه الروحيودروسكييُقدس السينما هكذا ! تخلى عن المشوار , غاب العقدين و هو في قمة الهرم , في رحلة البحث عن (الروح) , لماذا ؟ ، هذا العمل التوثيقي الرائع هو الجواب.

التشيلي المُخضرم يبدو فاقد الثقة بالأنسان كما في أعماله , بقدرته عن فّك القيود و التحرر منها , هو أشبه بغريب حطّ على الأرض كخلاص لأهلها (و هو يؤكد على ذلك) , له أجندة مُختلفة تماماً عنهم ، أن يخاطبهم بالسينما ! ، الشغف الذي وضعه في أكثر روايات القرن العشرين الملحمية ألهاماً له كانت أشبه بداء و دواءه , بثمل سينمائي و الإفاقة منه ، هو يرى في (Dune) الرواية , الكتاب المُقدس لأفلام الخيال العلمي , المرجع الأهم لرواد هذه الصناعة , أوديسا أفضل لصاحبها , و أعظم فلم ، لم نشاهده بعد !

مُخرج العمل فرانك بافيجيكشف السر , يحرص على رواية قصة خلف قصة : قصة صعود , قصة صراع , قصة تمسك بالمبادئ و بالهوية , صراع لا يمكن أن ينتهي إلا ، بالنصر ! ، يتنقل بدقة محسوبة و أسلوب سينمائي فذ بين المواد المؤرشفة التي تكشف عن جهد كبير و مُثير للأعجاب , بين مقاطع مُقابلاته مع من اختارهم يودروسكي للعمل معه في مشروعه الأهم الذي أبصر النور في عين غيره (ديفيد لينش) , مع من ترك فيهم الأثر البالغ (نيكولاس ويندنغ ريفنأحدهم) , مع من كانوا السبب في عودته لذلك المعبد الكبير (السينما) في توثيق بيوغرافيته ، بالطريقة المعهودة منه !


Million Dollar Baby

$
0
0
كتب :محمد السجيني

التقييم : 5/5

بطولة :كلينت إيستوود ، هيلاري سوانك ، مورغان فريمان
إخراج :كلينت إيستوود (2004)

من بين كُل مُخرجي السينما الأمريكيّة ، لا يُوجد مثل ايستوودفي تقديمه لـ "الوَحشة"علي الشاشة !

يحكي الفيلم قصّةماغي فيتزجيرالدالإنسانة الفقيرة التي عَاشت سنواتها الإحدى و الثلاثين على هامش الحياة نادلة ً في مطعم وضيع ، وداخلها حُلم أن تصبح مُلاكمة محترفة ، حلم غريب و لا يراه أحد سواها ، فتجمع عزيمتها في أحد الأيام و تنجح بعد محاولات شاقة في إقناع المدرب الخبيرفرانكي دنبتدريبها ، لتبدأ شق طريقها نحو اللقب العالمي بسرعة و كفاءة نتيجة المهارة العالية التي تمكنها من الإطاحة بمنافساتها في الجولة الأولى غالبا ً ، و بينما تنحى الأحداث نحو المثالية و أثناء خوضها النزال الحاسم أمام بطلة العالم الملقبة بالدب الأزرق ، تسقطماغيمُصابة بضربة غادرة من منافستها الشرسة , و تفقد على إثرها الوعي ، وتتطوّر الاحداث.

الفيلم الخَامس والعشرون في مَسيرة المخرج كلينت ايستوودهو فيلم عظيم ، يبحث فيه - وبكل الشاعرية المُمكنة - رحلة عن الامل والانكسار داخل نفوس مُتعبة طال بها الطريق ، وكعادة الرجُل لا يلتزم بالصنف الذي يقدّمه اطلاقاً ، الرجُل هنا لم يقدّم فيلما رياضيّاً عن المُلاكمة ، مثلما لم يقدّم فيلم ويسترن في 1992 او فيلم جريمة في 2003 ومثلما لم يقدّم فيلماً حربياً في 2006 بعد حصوله علي اوسكار افضل فيلم ومخرج عن هذا الفيلم.

يروقني هذا الرجُل في جُزئيّة مزج "العلاقات"بين الأبطال مع "الاطار"العام للنص ، هذا الرجُل عبقري عبقري عبقري في رسم حدود المآساة و الهروب من فخ الافتعال والسذاجة ، في جَعل المُشاهد جُزء لا يتجزّأ من عمله،فعلى وتر انساني رقيق ، يلعب ايستوودمقطوعة عظيمة ويرسم علاقة لا تتكرر بين ماجيو فرانك، مُلاكمة مبتدئة فقدت والدها ومُدرّب عجوز يفقد ابنته ، كلاهما يجد ما ينقصه في الآخر ، علاقة تبدو صعبة التنفيذ علي الورق لكن ايستوودينجح في القاءنا داخلها وليس فقط كمشاهدين ، ينجح بنفس رجُل عجوز بلغ من العُمر عتيّاً واصبح علي شفا حُفرة من الموت ، ولم يعُد يخشي أي شيء تأتي الموسيقي العظيمة التي ألّفها بنفسه في أكثر اللحظات إحراجا ً و إثارة للمشاعر ، و ترتفع بحُزن كبير في نهاية الفيلم مع شارة الختام كأنها ترسخ المأساة في نفس المتلقي أكثر و أكثر.

فتاة المليون دولارليس فيلماً عن المُلاكمَة بقدر ما هو قصّة رجُل عجوز بينه وبين الموت خطوَات ، أرهقته الوحدة ، ويبحث عن سلامه النفسي في آخر ايّامه ، في رأيي الشخصي ، هذا هو اعظم افلام هوليوود الالفيّة.




The Elephant Man

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم : 4/5

بطولة :جون هيرت , أنتوني هوبكنز
إخراج :ديفيد لينش (1980)

الفيلم الثالث لديفيد لينش يحكي قصة جون ميريكشاب بريطاني في القرن التاسع عشر عاش حياةً فريدةً من نوعها بسبب الجسد المشوه الذي ولد به و الذي تركه أسيراً للعبودية بفعل جشع الإنسان الذي إستخدمه وسيلة لعرضه في السيرك , قبل أن يلتقطه الدكتور فريدريك تريفيزالمولع بدراسة الظواهر الطبية الغريبة و ينقله من حياته الخاوية نحو صفوة المجتمع البريطاني , المجتمع الذي على الرغم من إعترافه به كجنتلمان حقيقي و كإنسان مرهف الحس و الذوق إلا أنه إستمر في التعامل معه كشخص غريب و كأنما قدر للشاب الذي توفي في السابعة و العشرين من عمره أن يعيش كل سنوات عمره أسيراً و سجيناً في قوقعة جسمه المشوه .

يستمر ديفيد لينشفي طرق الصورة الكابوسية التي إستلهمها في معظم أفلامه للأهواء و النزعات البشرية , من خلال تمكنه الدائم إستكشاف كل ماهو مروع و شنيع و باعث على الأسى و الرثاء في الصور الحياتية اليومية , و هو إن كان حقق إنطلاقته المبشرة عام 1977 في فيلمه الشهير Eraserheadإلا أن هذا الفيلم الذي رشح لثمان جوائز أوسكار عام 1980 هو ما جلب الشهرة الحقيقية لديفيد لينش , الشهرة التي جعلت أفلامه دوماً محط أنظار المترقبين و المعجبين على مدى أربعة عقودٍ لاحقاً جعلتها سيداً لهذه النوعية من الأعمال .

على الرغم من إقراري بأهمية فيلمٍ كهذا و بالعديد و العديد من النقاط الإيجابية التي إمتلأ بها سواءً على الصعيد الإخراجي أو على الصعيد الفني و الفكري , إلا أن هذا الفيلم يُفتتح بصورة سيئة و عديمة المعنى يحاول من خلالها ديفيد لينش أن يضع بصمةً مبكرة له كسبيل نحو ربط أعماله طوال مسيرته القادمة ببعضها البعض , يستلهم في إفتتاحيته الصور المثيرة للوليد المسخ في فيلمه السابق من خلال صورة كابوسية شنيعة ( وعديمة المذاق ) لفيلة تركض و إمرأةٍ تغتصب كمحاولة لخلق مقاربة سوداوية ممهدة للصورة الشنيعة التي سنرى عليها بطل فيلمنا هذا , و مع تقديري لما قدمه لينش في فيلمه هذا – الذي يبدو أكثر أفلامه رقةً و حساسية – إلا أنه لا يمت للرقة و الحساسية بأي صلة في المشهد عديم المغزى الذي يفتتح به فيلمه .

مبكراً جداً يخبرنا ديفيد لينش بالملامح الواضحة لفيلمه , من خلال الصورة الغرائبية التي يقودنا بها للقاء بطله , إحتفالات في المدينة مع أجواء هزلية تبدو غير منطقية و أقرب إلى صورة حلم , عروض مجنونة هنا و هناك , و بين كل هذا نجد عرضاً خاصاً للرجل الفيل , شاب يخضع لسيطرة تاجر جشع يعرضه في السوق للمشاهدة مقابل المال , ربما تمهيد يبدو كافياً حتى و إن كان يتخذ فقط صورة المراقب لما يحدث , نحن لا نقترب من بطلنا إطلاقاً في الفترة التي كان فيها مجرد عرض في سيرك , نحنا حتى لا نرى وجهه المشوه , لينشو كأنما يحاول أن يجعله غامضاً بالنسبة لنا كما كان غامضاً للجميع خلال تلك الفترة , و عندما نبدأ بالتقرب منه و فهم دواخله كان هذا لأنه بدأ بالإندماج في المجتمع البريطاني , نحن نعايش من خلال هذا العمل ذات الصورة التي رسمت للشاب المشوه في تلك الحقبة الفيكتورية , لا نعرف عنه أكثر مما عرفه عنه الناس , و لا نقترب لفهمه إلا عندما يتيح هو نفسه الفرصة لنا بالإقتراب , هذه الصورة التي تراقب و لا تغوص خدمها بشكل واضح – خصوصاً خلال المراحل المبكرة من الفيلم – تقديم العمل باللونين الأبيض و الأسود و طريقة القطع بين المشاهد من خلال التلاشي أو الذوبان إضافةً إلى موسيقى تصويرية تكاد تكون معدومةً في الفيلم , جزئيات توحدت لتخلق صورة تأملية حقيقية لا توجه المشاهد نحو شيء , هي تعرض له و تترك له حرية تشكيل المشاعر التي يفضلها نحو مايشاهده , خالقةً إيقاعاً هادئاً للغاية (و ليس رتيباً) تدعمه بقوة الترقبية التي يصنعها وجود هذه الشخصية الغريبة .

و عقب مشهد الظهور الأول لجون ميرك الذي يبدو مثيراً و محفزاً يحاول ديفيد لينشألا يبقي صورة ميركالمشوهة هدفاً لمشاهده لذلك نجده يتعمد ألا يظهر وجه ميركفي الكثير من المشاهد , و كأنما الرجل لا يحاول أن يستغل ذلك الوجه كنوع من الحافز لدى مشاهده للإهتمام و المتابعة , يبدو لينشو كأنما يقول بأن المهم هو ليس نظرتنا لوجه المسخ بل غوصنا في جوهره و حقيقته , و هو من خلال طريقة السرد ذاتها التي ينهجها في فيلمه يحاول خلق نوعٍ من (اللاغرابة) في قصة شديدة الغرابة , و في اللحظة التي تفزع فيها ممرضة الإطعام من رؤية وجه ميركيرينا ديفيد لينشوجهه بطريقة مطولةٍ هذه المرة , و كأنما يحض مشاهده على التمعن فيه و تشكيل صورة منطقية لمقدار الرفض الذي يمكن أن يلقاه رجل بهذه الصورة الممسوخة من قبل المجتمع , لينشيجاري ما يحدث لبطله بطريقة تستحق الإحترام , يبقيه غامضاً في الفترة التي كان فيها غامضاً للجميع , و يصبح مثيراً للإهتمام عندما نبدأ بالإهتمام بحالته , يجعله مرعباً عندما كان بالفعل مرعباً للمحيطين به , و يخلق فيه رقةً حقيقية عندما أسرت رقته و إحترامه صفوة المجتمع اللندني , و يخلق له صورةً كابوسية عندما يجبر على أن يعيش كابوساً حقيقياً عندما إستغله أحد موظفي المشفى للترويج لدى رفاقه في الحانة لقضاء سهرةٍ مجنونةٍ مع ميرك , ديفيد لينشيحاول بطريقةٍ يستحق الثناء عليها خلق نوع من التواصل الحقيقي و التعايش بين مشاهده و شخصيته بطريقة تجعل هذا التواصل هو الحافز الوحيد ربما لإستمرارية الإهتمام خصوصاً مع قصة لا تبحث عن نقطة نهاية حقيقية .

عندما يبدأ الفيلم في الغوص عميقاً يكون ذلك من خلال الطريقة التي تغيرت بها بيئة جون ميرك , الصراع الذي يتأجج بين مستخدم ميركالسابق صاحب السيرك المستغل , و الطبيب فريدريك تريفيزالذي يرعاه الآن , المواجهة بين طريقتي التعامل المختلفتين في ظاهرهما مع شخص غريب مثل جون ميرك , يقول تريفرزلصاحب السيرك (أنت تجني مالاً من شقاء هذا الرجل) فيرد صاحب السيرك (وهل تعتقد بأنك تختلف عني؟!) , و هي محاولة جيدة من النص لرسم التناقض الأخلاقي الموجود لدى الدكتور تريفرز , ولاءه للحياة العلمية التي عاشها , و للنهج العلمي الذي وحد طريقة تعامله مع جميع الحالات التي صادفها في حياته , يبدو الرجل واقعاً تحت وطأة كون الحالة الجديدة التي يتعامل معها حالةً شديدة الجاذبية بالنسبة للمجتمع , و محاولته ترويض جون ميركلا تبدو بعيدةً كثيراً عن محاولة تقديمه للمجتمع بصورةٍ أفضل , ربما يبدو الإصرار على إندماج ميركالكامل مع المجتمع الذي يحيط به نوعاً من العبث , و هي جزئية يدركها تريفرزو يتعايش معها , هو لا يقدم ميركلمجتمع الصفوة , بل يأتي بمجتمع الصفوة إليه , و هو في الخلاصة لا يرى بأنه يختلف كثيراً عن صاحب السيرك , غيّر فقط الشكليات : طريقة العيش و الملبس و المظهر و المكان , لكن ميركأصبح في الختام وسيلةً مهمة لجني الأرباح بالنسبة للمستشفى , تريفرزيدرك جيداً بأن مافعله على الرغم من كونه جيداً لجون ميركإلا أن الرجل سيبقى حتى بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين إستلطفوه مجرد شخصٍ مسخ , هم لا يهتمون فعلاً لأمره لكنهم يحاولون التأثير على أصدقاءهم بعبارات من قبيل (لقد شاهدته) (لقد شربت الشاي معه) (لقد قرأ لي مقطعاًمن شكسبير) , أهم ما أعجبني في هذا النص هو أنه رغم تطرقه لهذه الجزئية بقوة إلا أنه لا يمنحها - ضمن البنية الدرامية للفيلم - أكثر مما تستحقه , يحاول قدر المستطاع ألا ينساق وراء تحري التناقض الأخلاقي في تعامل الأشخاص المحيطين بجون ميرك معه و ينسى بالمقابل جون ميركنفسه , هو يوازن بين الجزئيتين بطريقة ذكية و متقنة و تحسب له .

و رغم ذلك إلا أن الفيلم يطرح بالمقابل سؤالاً صارخاً لدى مشاهده : ما هو الغرض الذي يهدف له لينش من تقديم جون ميرك ؟ تساؤل راودني أكثر من مرة أثناء المشاهدة , هل هي حبكة (الجميلة و الوحش) التقليدية عن الشخص المسخ الذي يخفي داخله قلباً من ذهب ؟! , ربما يبدو هذا متناسباً مع قصة رومانسية أو أسطورية يعود فيها المسخ إلى هيئته الحقيقية في الختام , لكن قصة جون ميركلا تبدو كذلك , و لا أبالغ إذا قلت بأن تقديمها يبدو بدون هدف , و العبرة التي يريد منا النص إستخلاصها عن الشجاعةو العزيمةو التصميمو البحث عن المكانةلا تبدو منطقية , جون ميركلم يتعامل في حياته مع (خيارات) , خيارات يمكن أن تجعل سرد قصته ملهماً للكثيرين , جون ميركلم يكن لديه أي خيار , كان لديه سبيل واحد فقط , شخص ولد مشوهاً للغاية و عليه أن يعيش هكذا , جون ميركأضطر للتعامل مع وضعه و كان مسيّراً طوال مراحل حياته , لا تستطيع أن تستخلص عبرةً حقيقية مكتملةً من تقديم حياته بالمعنى التقليدي للعبر المستقاة من تقديم مآسٍ كهذه , حتى على صعيد محاولات الرجل أن يكيف حياته مع وضعه الصحي , الفيلم لا يصور الرجل و كأنما يكافح ليصل للصورة الحسنة التي تركها لدى مجتمع الصفوة البريطاني , بل ينهج نهجاً يبدو مستدراً للعاطفة في محاولةٍ للتأثير في مشاهديه , لك أن تتأمل أن جون ميرك القادم لتوه من بيئةٍ لم يتحدث فيها حرفاً واحداً و عاش كل حياته الماضية (21 عاماً) كحيوان , أصبح فجأةً يتكلم و يقرأ و يحفظ الأشعار و يتعامل برقي مع من يحيطون به , قفزةٌ تبدو مفتعلة (رغم إمكانية حدوثها) , و سبب هذه الإفتعالية هو تجاهل النص لتبرير إمكانيتها , و إصراره على عدم تقديم جون ميرككشخص يجد صعوبة ذاتية (وليست خارجية) في الإندماج في المجتمع , يقدم ميرككشخص إعتيادي مشكلته الحقيقية هي رفض المجتمع له بسبب شكله الغريب , و هي جزئية لا تبدو منطقية مع شخص وجد نفسه فجأةً في مجتمع و بيئةٍ غريبين عنه .

بالمجمل هو فيلمٌ مهم و مختلف , عابه في مجمله قصور في تعامل نصه مع شخصية جون ميرك و دواخلها و إصراره على تقديمها إنطلاقاً من الخارج , عابه بعض التشويش المونتاجي لإنسيابيته بفعل تعمده القطع المبكر (الذي يبدو مبتوراً) في ختام كل مشهد , لكنه قدم قصة عاطفية مؤثرة عن إنسانٍ حكمت عليه ظروفه أن يعيش في مجتمع لا يتقبله و يرفض أن ينظر إلى داخله عوضاً عن الإهتمام بخارجه , مخدوماً بأداءٍ مرهف الحس و مؤثر و قادر بسهولة على الوصول و الإختراق من السير جون هيرتلشخصية جون ميركرغم أنك لا تشاهد وجهه و ردود فعله المعبرة في أي مشهد من المشاهد , و أداء متفهم و مدروس من السير أنتوني هوبكنزلشخصية الدكتورفريدريك تريفيز, و الكثير و الكثير من الحنكة الإخراجية التي اعتدناها دائماً من واحدٍ من أفضل أبناء جيله من المخرجين .


The Master

$
0
0
كتب : محمد المصري

التقييم : 4.5/5

بطولة :واكين فينيكس ، فيليب سيمور هوفمان
إخراج :بول توماس أندرسن (2012)

في بداية الفيلم ، يجلس فريديفي جلسة التأهيل النَّفسي بعد الحرب العالمية الثانية ، يُحاول التهرُّب من سؤالٍ عن حُلمٍ يراه في منامه باستمرار ، قبل أن يستسلم في النهاية : (كان حُلماً عن أبي وأمي وعنّي ، في الديار ، كنا نجلس حول المائدة ، ونَشرب ، ونَضحك ، ونوعاً ما ينتهي هُنا) ، قُرب مُنتصف الفيلم يسأله (السيد) في مشهد عَظيم عن والده ، يخبره أنه مات سكراناً ، (وأمَّك؟) ، يتردد فريدي كثيراً كثيراً : (في مشفى للمجانين) ، ذلك الأمر يَحكي الحكاية كُلّها.

نَحنُ ننتهي من الماضي ولكن الماضي لا ينتهي منَّا ، بول توماس أندرسونيؤمن بذلك إلى درجة الثَّمالة ، في فيلمه السادس ضمن مسيرة استثنائية لمخرجٍ شاب يتناول مُحاولة انعتاق روح من ألمِها وجنونها وماضيها ، دراسة سلوكيَّة ونفسية عَظيمة جداً في شخصِ فريدي ، الشاب الذي يَهرب من حبيبته خوفاً من جنونه ، يذهب إلى الحَرب ضمن خيارات عدة حمقاء بحثاً عن مَهربٍ ، قبل أن يَخرج مُحطَّمَاً ومُهتزاً و مهترئاً بالكامِل ، مُقابلة السيد لانكستربالنسبةِ لفريديكانت فرصة للتحرُّر من كل هذا ، لا يأخذه بجديّة إلا عند لحظة (الاختبار) ، تِلك التي يُوَرّطنا فيها بول توماستماماً : هذا الثُّقل الشديد في الماضي ، ثم تِلك القطعة الهادئة لحُلمٍ مُتخيّل يعود فيه إلى دوريس، فريدييخاف من نفسه ، وحين يُخبره لانكسترفي مرحلةٍ لاحقة أنه (الوحيد الذي يقبله) فإن ذلك يبدو حقيقياً تماماً ، وقبول لانكسترهذا هو فرصة فريدي الوحيدة ليقبل نفسه ويتحرر من كل شيء ، لذلك فهو لا يَقبل المساس بـ(السيّد) ، ولا يحتمل الشَّك ، ويثور في ثلاثِ مرَّات على أيّ ممن يُشكك فيه ، قبل أن يَذهب بعيداً ، يَهرب أو يَنجو ، لمرةٍ أولى ثم لمرةٍ ثانية ، يحاول البدء من جديد ، ويُنهي أندرسونالحكاية دون يَقين ، هو فقط يُتابع مُحاولة بطله.

هُناك العديد من التفسيرات للفيلم و (السيد) والأبعاد الفلسفية والتاريخية للحكاية التي تُسْرَد هِنا بجنون ، وبعضها يبقى غامضاً بشدّة ويحمل تأويلات عدة ، ولكن ذلك المسار الذي اتخذته شخصية فريديهو الأمر الأساسي في مَكانة هذا الفيلم عندي بين أفلام 2012 ، إلى جانب قيمته السينمائية الرَّفِيعة ، للرجل الذي يُنظر إليه دائماً ، لشدة التقدير والقِيمة ، باعتباره "أورسون ويلز الجديد".

واكين فينيكسو فيليب سايمور هوفمانيجسدان أفضل الأداءات الرئيسية والمُساعدة في ذلك العام ، و بولتوماس أندرسونيُبرهن من جديد على كونه صفوة مخرجي جيل التسعينات وامتداداً لعظماء هوليوود القدامى ، وأن كل فيلم جديد له هو (حَدَث سينمائي) يستحق الاحتفال والتأمُّل.

The Apple

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم : 4/5

بطولة : معصومة نادري ، زهرة نادري
إخراج :سميرة مخملباف (1998)

قدمت سميرة مخملبافهذا الفلم وهي في عمر الثامنة عشر , لسيناريو والدها المخرج الايراني الشهير محسنمخملباف , والتي اكتسبت عنه شيئاُ من لونه الوثائقي , لكن في فلمها هذا , كان اللون الوثائقي فيه بمعنى تسليط الضوء على مشكلة , ومناقشتها ورصد شخصياتها وهي تعيش مشاكلها تحت عين الكاميرا , فلمها الوثائقي هذا , اكتسب لوناُ درامياُ (ديكودراما) , عكست سميرة الآية , وجعلت من الواقع فلماُ سينمائياُ , وهذا ما سبب احساساُ قوي , بأن هذه العائلة , تعيش محنتها , دون رتوش , أو دون مبالغة , مع ذلك , استطاعت سميرةان تستخلص من هذه التجربة السينمائية , افكاراُ عن ماضي هذه العائلة , واصل أو جذر المشكلة .

منذ بداية الفلم سنجد ان اسمي سميرةومحسن مخملباف موجودان على العريضة الموقعة من قبل اهل الحي والموجهة لهيئة الشؤون الاجتماعية للاطلاع على واقع حال عائلة مكونة من أم مصابة بالعمى وزوجها العجوز الفقير , الذي يعيش على ما يحصل عليه من معونات , وابنتهما التي حكمت عليهما الظروف ان تعيشان في سجن , خلف القضبان طيلة احد عشر عاماُ من حياتهما , لم يستطيعا خلالها تعلم شيء , حتى النطق لديهما لم يكن سليماُ , فكان الحل الاجدى لوالدهما ان يبقيهما بعيداُ عن العين , وبعيداُ عن أي محاولة قد تلحق به العار , كونهما فتاتين , وهذا ما حرمهما من ادنى مقومات الحياة , فاعتادتا على السجن , وعلى أي شيء يحصلان عليه , التفاحة، التي قادتهما نحو العالم (في اسقاط عكسي لتفاحة آدمالتي اخرجته من الجنة) , سببت لهما سعادة لا يمكن وصفها , تفاحة واحدة , عرّفتهما على ما خارج الجدران , على الاصدقاء , وعلى ما معنى ان تريا اباهما وراء القضبان – مشهد قيام معصومة بفتح قفل باب الحديد لأبيها , مشهد عظيم جدا , يكفي ان ترصد وجه هاتين الفتاتين .

سميرة , لم تكن هنا تلقي اللوم , بشكل مباشر , على الوالدين , أو على مجتمعهما , أو على الواقع الاجتماعي المفروض , ولا حتى كان اللوم على النظام السياسي الذي كرس بوصوله للحكم كل اشكال التعصب الديني والتخلف الاجتماعي , هنا تلقي اللوم على قدرات المنهارة أمام القضبان على العجز أمام صلابة القفل , القضبان كما صورتها سميرةبدت واقعاُ , يمكن القبول به , أي محاولة لكسره قد تبدو عبثية , خصوصاُ انها ليست فقط مجرد قضبان من الحديد , ما يجب ان ينكسر , اقسى بكثير من الحديد , لا تستطيع ان تستغرب عدم اكتراث الام العمياء بنظافة ابنتيها امام اهتمامها بازالة الغطاء عن رأسيهما , لا تستغرب ان يلجأ الوالد لتعليم بناته الطبخ والكنس عندما فُرض عليه ان يقوم بتعليمهما , ولكن ايضاُ , لا يمكنك سوى ان تصدقه وهو يغني من قلب متعب  لقد تعبت من الحياة , ارشدني يا الله لعتبات الموت  .

لم نلمس طيلة فترة الفلم , كرهاُ من قبل الاب , أو الام , لطفلتيهما , على العكس , يبدو ان الاب يملك في قلبه حنانا لا يبخل به على ابنتيه , لا يمكن ايضاُ سوى ان نبرر لامهما غضبها وشتمها لموظفة الشؤون الاجتماعية , فنهاية الفلم ابرزت فعلاُ كم ان الام كانت ضحية , وإن استطاعت ان تعلم بناتها شيئا في اعوامهما الاحدى عشر , هو ان تمارسا دور الضحية باستسلام  كما مارسته هي طيلة حياتها , فهناك قوى اكبر من الجميع , تتحكم وتستولي على مفاتيح الحبس الارادي , الذي اوجدت هذه العائلة نفسها بها , رغم ان تفاحة واحدة قادرة على كسر الاغلال .

إن كانت سميرة , وهي في عمر الثامنة عشر , قد اقدمت على معالجة هكذا موضوع بهذه الشفافية , فلا نستغرب ايضا ما قدمته في تحفتها  الخامسة بعد الظهر  ولا نستغرب اعتبارها ظاهرة سينمائية قد لا تتكرر كثيراُ .
  

Late Spring

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم : 5/5

بطولة : سيتسوكو هارا ، شيشو ريو
إخراج : ياسوجيرو أوزو (1949)

حصيرة من الخيش .

"في هذا العالم يحب الناس تعقيد الأمور ، الأشياء فعلاً قد تبدو معقدة، لكن من يدري ! جوهر الحياة – على غير المتوقع – قد يكون غاية في البساطة!" - أوزو

مؤشران هامان أعتقد بوجودهما لتمييز المخرج العظيم ، الأولقدرته على إخراس الصوت اللعين الذي يراهن أن الفيلم لن يستمر بنفس القدر من الجمال الذي بدأ به ، الثانيهو كم الأصالة في أعماله حيث تميز فيلمه من مشهد واحد ، لكن تعرُّف فيلم لأوزومسألة تحتاج ربما إلى صورة واحدة فقط .

أوزوثائر راديكالي شديد الهدوء ، لا يطور أو يُحدِّث بل يبتكر سينما بديلة كلياً ، أوزو يصور – دائماً – بالعدسة الخمسين ملم ، يكسر – دائماً – قداسة قاعدة المائة وثمانين درجة ، يتحدث – دائماً – عن العلاقات بين الأجيال عن طريق ممثلين ينظرون مباشرة إلى الكاميرا ، يُخرج الصامت والناطق والملون ، لديه كاميرا شديدة الثبات ، يبدأ وينهي أفلامه – دائماً – بحصيرة بسيطة من الخيش .

أستاذ جامعي أرمل يريد تزويج بنته نوريكوالتي ترفض الزواج لرغبتها في البقاء مع أبيها كي لا يكون وحيداً ، لكنها تستجيب لضغوط الأب والعمة وتوافق في النهاية .

كلمات قليلة يمكنها تلخيص قصة الفيلم ولا توجد كلمات كافية لوصف كم الجمال والعظمة ، والأهم وصف الحزن ، القصة البسيطة تقول الكثير عن الإنسان كما تقول قصة اليابان بعد الحرب ، هل تحتفظ بالتقاليد أم تتجه ناحية الغرب ، زوج نوريكولا نراه قط ، لكن نعرف من وصف العمة أنه يشبه الممثل الأمريكي جاري كوبرمن جهة الفم فقط ، أوزو يختار مستقبل نوريكوومستقبل اليابان التي على أعتاب ترك ماضيها مثلما تترك نوريكوأباها ، وتنطلق ناحية الحضارة الغربية من جهة الفم فقط ، أو هكذا يأمل أوزو.

العلاقات بين الأجيال يمكن اعتبارها امتداد للتشتت الحضاري الحاصل في اليابان بين التقليدية والحداثة ، بين العادات القديمة وملامح الهيمنة الأمريكية ، أوزوهو واحد من الأوائل – ربما الأول – في استخدام رموز تلك الهيمنة كلافتة كوكاكولاالتي تظهر في أحد المشاهد .

شخصية الأب متفهِّمة هادئة ، يستعيض عن الكلام بالإيماء ، شخصية نوريكورقيقة مُحِبَّة ، دائمة الابتسام حتى عند الغضب والحزن ، لكنها لن تمكث كذلك عند الفقد ، ربما الشخصيات – والفيلم كذلك – لا يصلحان لزمننا ، لكن الأكيد أن الخلل ليس في الفيلم ، فكل فيلم لأوزو– كما يقول الناقد مايكل أتكنسون– هو درس خام متكامل لمدى الجودة التي يمكن أن تصل إليها السينما .
سيتسوكو هاراالممثلة العظيمة ذات الابتسامة الساحرة التي قامت بدور نوريكوفي أفلامه (من ضمنها مفضلي و مفضل أوزونفسه : أواخر الربيع) لم تتزوج قط هي الأخرى حتى اسماها اليابانيون "العذراء الأبدية"، بعد وفاة أوزواعتزلت التمثيل ورفضت إجراء أي مقابلة صحفية ، احتجبت في كاماكوراحيث صوروا فيها الأفلام سوياً وحيث يرقد أوزو.

يقول المُذهِل شيشو ريوالذي لعب دور الأب وممثل أوزوالمفضل : "أوزو – السيد – امتلك قوة شخصية لا تُضاهى ، ترك بصمته في كل شيء حوله ، كل شيء أصبح امتداد له ، ففي الاستوديو – مثلاً – لم يكن مهتم فقط بالديكور عامةً لكن بكل تفصيلة ، كل وسادة صغيرة وضعها بيده ، كل شيء متناهي الصغر يضعه حيثما يرى ، لا شيء متروك للصدفة ، حتى إنه كان يُهندِم ملابس الممثلين قبل اللقطات ، لا شيء خطأ في هذا طالما المرء متأكد حقاً مما يريده".

أوزو– الأصلي الأصيل – لا يأتي بالداخل ليعرضه للخارج ، لكن يأتي بالخارج كي يرى الداخل ، فابتدع وضع للكاميرا سيُعرف بالـ  Tatami Shot، وهي زاوية منخفضة موزاية "نظرياً"لمستوى نظر الجالس على حصيرة التاتامي، مهملاً التصوير من مستوى فوق الكتف ليضع المشاهد داخل الحجرة جالساً على حصيرة التاتامييتابع ويراقب ، يأكل الأرز ويشرب الساكيويرى دخان المصانع ويسمع أصوات القطارات .

البعض يفسر الزاوية المنخفضة بأن أوزويريد عرض شخصياته – العادية – حيث يعطيهم أهمية وعظمة وإن كانوا فقراء أو مهمشين ، بينما تفسير المخرج ماساهيرو شينودا– الذي عمل مساعداً لأوزو– بأن السبب هو منع الكاميرا من اتخاذ وجهة نظر إنسانية ! ، مفسراً قوله بأن أوزويرفض الخضوع لأن تكون السينما مجرد امتداد للرواية .

"سينما أوزو سينما طيبة ، فهو يقدر العلاقات الطبيعية المتفاعلة ، لقطاته الطويلة أبدية وتتسم بالاحترام ، العلاقات بين الناس يصورها في لقطات طويلة وهذا هو نوع التقدير الذي اكنَّه أوزو لجمهوره" - عباسكيارستمي(والذي كرَّس لأوزوفيلمه التأملي "خمسة").

حصيرة من الخيش.

The Element of Crime

$
0
0
كتبت : فاطمة توفيق

التقييم : 4.5/5

بطولة :مايكل إلفيك ، إزموند نايت
إخراج :لارس فون ترير (1984)

عندما يقدم لارس فون ترييرفيلماً عن جريمة قتل، يكون الأمر مختلفاً عن كل ما تتوقعه وعن كل ما شاهدته من قبل .

تحدث الجريمة في أوروبا ، بعدما تشوهت وسادت فيها الفوضى ، ويتم استدعاء الضابط المجتهد
فيشرمن القاهرة ليحقق فيها ، نحن نعرف كل ذلك من خلال جلسة تنويم معناطيسي يحكي فيها فيشرما حدث لمعالجه النفسي في القاهرة ، نعرف منه أن المسؤول عنه في هذه الوظيفة هو كريمرزميل دراسته الفوضوي المزعج ، والذي كان قد عرض الوظيفة من قبل على أوزبورن، أستاذ علم الجريمة العظيم ، الذي ألف الكتب والنظريات والتي اتخذها فيشرمنهجاً ليس فقط في التحقيق والبحث كضابط شرطة وإنما منهجاً لتفكيره وحياته ، ولكن عندما يعود فيشرإلى أوروبا يجد أن الأمر اختلف كثيراً ، أوزبورنقد شاخ كثيراً ، حرق كل مؤلفاته ونظرياته واتخذ من بيته سكناً لا يخرج منه ، بينما ملأت الجريمة والفوضى أوروبا وعاث فيها الفساد .

تكاد وأنت تشاهد الفيلم أن تشم الرائحة الكريهة والرطوبة التي تملأ أجوائه ، مع ذلك الجو المقبض الكابوسي واختفاء الأبعاد والاتجاهات المنطقية للأماكن ، تشعر وكأن الأماكن هي فقط دهاليز في عقل منهك ونفسية مشوهة ، مع احساس دائم بالغرق من مياه الأمطار ، البرك ، الأنهار ، هناك دائماً مياه وبشر متكدسين وأوساخ والكثير من العرق ، وكل ذلك مع سيناريو قاتم ذاتي وشعري في آن واحد كان خير مادة يقدم من خلالها لارس فون ترييروجهة نظره في الانسان وفي الحياة الحديثة وما تفعله بالعالم ، فلا سيطرة للجمال أو العلم أو القوانين ، كل ذلك قد تم التخلص منه أو حرقه كما حدث مع أوزبورنمثلا حينما طُرد ، وحينما حرق كتبه وأبحاثه ، والسيطرة هنا فقط للفوضى ، والوحشية والقبح الذي صنعه الانسان ، فهو يقتل ، يمارس الدعارة ، ويجمع التذكارات من مواقع الجريمة كنوع من الترفيه والسياحة ، وإن خلق شعائر يلتزم بها - كالغطس في الفيلم - كانت بشعة كباقي هذا العالم ، بينما كل ما هو جميل منتمِ للفطرة فهو إما مقتول أو مهدد أو مشوه ، كالفتيات الصغيرات والحيوانات المقيدة أو التي نشاهد جثثها كثيراً أو الحمار الذي يبدأ به الفيلم الذي يجاهد ليقف ويبقى حياً (وفي ذلك إشارة سريعة من تريير للفيلم الذي يحبه كثيراً ، Andrei Rublevلتاركوفسكي) .

بينما على النقيض جعل
ترييرمن القاهرة ملاذاً آمناً ، بمآذنها وحيواناتها وأغانيها وابتعادها عن تلك الحياة الحديثة كما يرى هو ، وكما يقول على لسان المعالج النفسي لفيشربأن القاهرة هي الحب الطاهر ، والنيل الخالد والأساطير القديمة التي هي أكبر من أن يستوعبها الأوروبيون ، وحينما قرر فيشر أن يترك أوروبالأنه لم يعد يتحملها أجمَل ذلك في قوله بأن معطفه الذي أتى به من القاهرة كان أخف كثيراً من أن يحميه من مناخ أوروبا، وأنت تشعر بأنه لا يتحدث فقط عن معطفه الذي يلفه حول جسده وإنما أيضاً معطفه القاهري الذي يغلف به روحه ليحميها من عفن وفساد أوروباوحضارتها الحديثة وما آلت إليه .

بالتوازي مع نظرته هذه للحياة الحديثة وبشكل مضفر فيها يقدم
ترييرالكثير من الأسئلة عن النفس البشرية وعن مدى قدرتها على التشوه واستيعابها للقبح ، فهل إذا وفرت البيئة المناسبة لخلق مجرم سيتحول الشخص العادي بل الشخص المحارب للجريمة إلى مجرم يفعل تحديداً ما يحاربه ؟ ، هل الانسان قادر على محاربة ومناقضة نفسه بهذا الشكل ؟ ، وهل على الرغم من هذا التحول سيبقى جزء من الفطرة البشرية في النفس يجاهد ليبقى أو ليتم انقاذه أو معاقبته تكفيراً عن كل هذا التحول ؟ ، وإلا فلماذا استدعى أوزبورنفيشر تحديداً ليحل القضية ؟ ، هل كان يعرف أن فيشرسيحلها فيكفّر أوزبورنعما آلت إليه الأمور ؟ ، أم أن أوزبورنأراد أن يثبت لفيشروهو أفضل طلابه بأن الانسان مهما وصل إلى الفضيلة وحارب بها الشر قادر على أن يتحول إذا سمحت له الظروف ليكون هو بنفسه ذلك الشر ؟.

تقول كيم - وهي الشخصية النسائية التي تقف في المنتصف بين كل الأسئلة وكل الشخصيات - "
هل أنت مؤمن بالخير والشر ؟ ، هل أنت مؤمن بأنه من الممكن إعادة إصلاح الشر ليكون خيراً مرة أخرى؟"، وكأن كيم تسألك أنت شخصياً وليس فيشر ، وكأن ترييريفترض على الرغم من كل القبح بأن أصل الأمور هو الخير ،
كما اختزلت كيم وجود الرب في السائل الذي يقذفه الرجل بداخلها ، فهو المتحكم في الأمور ، هو الذي يصنع هذا العالم ، عالم ربه انسان مشوه وقبيح ، و
كيمالمرأة مصدر الخصوبة فيه حينما أنجبت في هذا العالم أنجبت انساناً معاق غير معافى .

وفي النهاية يطرح
ترييرسؤاله الأخير ، هل النفس التي أصابها كل هذا التشوه بإمكانها أن تتعافى ، أن تتغير ؟ ، هل من حقها ذلك ؟ ، هل سيستيقظ فيشر؟.

الفيلم هو الأول من ثلاثية
أوروباالتي قدمها ترييروتحدث من خلالها عما يراه من مستقبل أوروبا بعدما تعيشه الآن من حياة حديثة .

Alice Doesn't Live Here Anymore

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم :4.5/5

بطولة :إلين بيرستين ، كريس كريستوفرسن
إخراج :مارتن سكورسيزي (1974)

عندما كان
لالين بيرستينحرية اختيار مخرج فيلمها الجديد رشح لها كوبولاسكورسيزىو نصحها أن تشاهد
Mean Streatsلكى تعرف حجم موهبته ، شاهدت الفيلم ، أعجبت به ، لكنها ظلت مترددة خوفاً من أنه لا يستطيع أن يخرج أفلاماً تدور عن النساء ، فسألته عما يعرفه عن النساء فرد "لا شيء ، لكنى أرغب في التعلم !"، و هكذا كان لسكورسيزىالفيلم .

لا يبدو أن سكورسيزيتخلى عن أسلوبه أبداً ؛ حيث الإيقاع السريع و الشد النفسي الذى تقع تحته الشخصيات ، لا يهم إذا كان الفيلم يدور حول المسيح أو سائق نيويوركي يعيش عزلة نفسية قاتمة أو إمرأة تبحث دائماً عن فرصة ثانية تصلح بها حياتها ، "أليس"حلمت طوال حياتها أن تصبح مغنية ، تتزوج و تغادر موطنها مع زوجها لأنه أراد ذلك و ترى فيه التصور الذى طالما تخيلته عن الرجال و هي صغيرة : متحكمين و أقوياء ، تنجب منه و لكن لا تسير الحياة كما كانت تأمل ، تتخلى عن حلم الغناء بناءً على رغبة زوجها الذى يسيء معاملتها هي و ابنهما بعد ذلك و في حادثة سير مفاجئة يموت الزوج تاركها بلا شيء تقريباً فيكون الاختيار الإجباري أمامها هو العودة إلى موطنها ثانية .

تجبر الظروف
أليسدائما على الهروب و الانطلاق بعيداً بحثاً عما هو أفضل و حين تحقق حلمها أخيراً بالغناء في أحد البارات تكون الظروف أقوى مما تريده فتنطلق ثانية و هذه المرة تفعل ما يسد احتياجاتها هي و ابنها المراهق لا ما تريده و تحلم به ، يرسم السيناريو الرحلة التي تقوم بها أليس بإحساس عالي بالشخصية نفسها و مع ما يحيطها من أشخاص و ظروف ، و كلما تقسو عليها الظروف يمنحها السيناريو لحظات تقوى من روحها ، لحظات حب أو صداقة ، لحظات ثقة بالنفس أو أمومة ، تنطلق الرحلة فى منحنيات صاعدة هابطة داخل مشاعر أليسو مع ما يعتمل في نفسها و صراعها ما بين احتياجها للحب و مسئوليتها تجاه ابنها و محاولتها تحقيق حلمها بالغناء ، و من تلك المنحنيات تنبعث كوميديا فى منتهى الصدق و الحميمية ، هذه نقطة أقدرها كثيراً في السيناريو ، الكوميديا فى الفيلم ليست مفتعلة و لا دخيلة على جو الفيلم ، بل هى تضرب على كل الأوتار ؛ حب و حزن و انهيار ، في المشهد الذى انهارت فيه بالبكاء في المطعم الذى تعمل به فتأخذها صديقتها كي تخفف عنها ، تمتزج هنا الكوميديا بكل ما يدور في نفس أليس، تسمح لمشاعرها بالكامل بالانطلاق ، فتبدو القسوة التي فرضتها الظروف عليها هنا أخف و أكثر هدوءاً فهناك من يواسيها و هناك من ينتظرها و هناك ما تريده و ليس عليها إلا أن تتمسك به و تمنحه فرصة أخرى .

كيف سيطوع
سكورسيزىنفسه إذاً في فيلم درامي رومانسي هاديء ؟ ، يسير سكورسيزىطيلة الفيلم بمبدأ الجاهل بأمور النساء الذى يريد أن يعرف كل شيء عنهم ، صحيح هو بارع في تصوير حالة الضغط و الشد العصبي الذى يُسيّر حياة أليسلكنه يتماهى تماماً مع مشاعرها و ردود أفعالها ، يهدأ عندما تهدأ هي ، و يرسم حالة شجن جميلة مع كل مرة تبكى فيها ، ينفعل بكاميرته و شريط صوته عندما تقلق هي كالمجنونة على ابنها ، يُمسك لجام نفسه قليلاً في هذا الفيلم لينطلق بعده مباشرة ليقدم تحفته الشهيرة Taxi Driver، أكثر أفلامه كابوسية و قتامة على الإطلاق .

الين بيرستينبشفافية ملامحها و اهتزاز نبرة صوتها و براءة وجهها تمتص كل ما هو مكتوب في السيناريو و تتماهى مع سكورسيزيفتقف في المنتصف كحلقة وصل واضحة و رائعة بين كل ما هو رقيق في السيناريو و بين سكورسيزيبإيقاعه السريع و ميله دوماً إلى الجوانب المظلمة في شخصيات أفلامه ، مثال جميل على التوليفة التي يشارك في صنعها سيناريست و مخرج و ممثلة لكل منهم بصمة واضحة في خروج العمل بمثل هذا الجمال و بانسجام و تفاهم رائع بينهم .

Unforgiven

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :3/5

بطولة :كين واتانابي ، كيشي ساتو
إخراج :سانغ إل لي (2013)

الحكاية (كما يعرفها الكثيرون) هي عن فعل الجريمة و رده , عن العنف و عواقبه , عن الماضي الحاضر و الحاضر بلا مُستقبل , عن بربرية الرموز القديمة كالحق , العدالة , و الشرف ، و أستحضار المفاهيم الجديدة التي دفنتها تحت التراب , عن فعل الغُفران عندما يُصبح .. سماوياً فقط ! .

حكاية يابانالقرن التاسع عشر هذه المرة , يابان ما بعد حرب (بوشين) الأهلية , يابانالتحولات العظيمة فما بين الشمال و الجنوب , بين الروننأسياد أنفسهم و هيمنة عديمي الشرف , و بين إحتضار التاريخ و الزحف الحضاري العاصف ، سيف و بُندقية ! ، حكاية أكسبت صاحب الفضل في روايتها سابقاً (كلينت أيستوود) أوسكاره الأول مُخرجاً ، النص الذي يُعيد ديفيد ويبكتابته , بعد عقدّي المديح الذي طاله , يغوص (كما سابقه) في سيكولوجية تلك الشخصيات التي يتحدث عنها , سوداوية قلوبهم و أحمر الأيادي المُلطخة بالدماء , يخلق تلك الهلامية التي ساوت بين السامورايو قاطع الطريق , تلك التي جعلت من حفنة مُرتزقة أجدر بالإحترام من شريف المدينة ! .

إخراجياً أيضاً , يتركز الجهد على ضبط الأيقاع من عاطفة داخلية موجودة في صميم تلك الشخصيات و مسوغات ظهورها على السطح , أن يترك الشق كبيراً بين الصداقة و الخصومة , و قد وفق في ذلك ، كما أستعان أيستوودسابقاً بكاميرا جاك غرينومونتيره الأثير جويل كوكسفي تحية لائقة بالصنف الذي أنحسر مع مرور الأعوام , فجاديجكي (سانغ لي) المُقتبَس لا يخلو من تلك اللقطات الواسعة مترامية الأطراف و النفس الملحمي الذي أكسب سابقيه الخلود .

واتانابي , هو الآخر , يساوي بين كقتي الميزان , بين ضعفه المُكابر و حزنه العميق على ما سترتكبه يداه من فعل أعتاد عليه في السابق ، و لا يملك حولاً في فعله مرة أخرى!


Minority Report

$
0
0
كتب :محمد السجيني

التقييم : 4.5/5

بطولة :توم كروز ، كولن فاريل ، سامانثا مورتن
إخراج :ستيفن سبيلبيرغ (2002)

يروي الفيلم قصة تجري احداثها عام 2054 في العاصمة الأمريكية واشنطنولم يكن قد مضى على انشاء وحدة اكتشاف الجريمة بادارة الشرطة سوى ست سنوات فقط ، حيث يقوم فريق من ثلاثة علماء متخصصين في الاستبصار النفسي باستخدام برنامج تجريبي للتنبؤ بجرائم القتل قبل وقوعها عن طريق توصيل آلة دقيقة بموجات مخ أحد هؤلاء العلماء ، الذي يقوم بدوره بعرض ما يراه من أشياء مستقبلية تتعلق بمن ينوون ارتكاب الجرائم على وحدة استباق الجريمة ، وعندئذ يتحرك أفراد وحدة اكتشاف الجريمة الذين يتسلحون بالمعلومات والأسلحة الحديثة ليلقون القبض على المجرم قبل أن يرتكب جريمته .

تمضى الأحداث بشكل طبيعي إلى أن يأتي اليوم الذي يرى فيه رئيس فريق العلماء جوناندرتونالذي يقوم بدوره الممثل البارز توم كروزنفسه أحد مرتكبي جرائم القتل في احدى تنبؤاته ، وفي الوقت الذي يرفض فيه التصديق بأنه سوف يرتكب جريمة قتل ، يلجأ إلى الهروب من زملائه محاولاً البحث عن وسيلة لاثبات أن وحدة استباق الجريمة وفريق العلماء النفسيين ليسوا معصومين من الخطأ.

الفيلم الثاني في الألفيّة للمُخرج الكبير ستيفن سبيلبيرجهو فيلم مُهم ، ليس لمُجرّد انّه واحد من أفضل خمسة أفلام خيال علمي في العشرين عاماً الأخيرة ، ولكن لأنّه استطاع أن يجمع جيّداً بين (جاذبية الحبكة) و (قوةالقصة) و (اثارة التفاصيل) في توازن بصري تحت ادارة كامنسكيمصوّر سبيلبيرجالأثير، وعلى الرغم من أن النص يغوص جيّداً في عدم الثقة بالعدالة الجنائيّة والتشكيك في الطبيعة الحُرّة الا ان سبيلبيرجيعمل جيّداً علي (ترويض) هذه الجُزئيّة تحديداً مُفضلاً أن ينغمس في عالمه المستقبلي بكل مساحاته الحضرية المترامية اللامتناهية وأجهزته الذكية ، وعلى صعيد الحبكة يبدُو النص مُحكماً الي أقصي درجة ، والمُثير في هذا الأمر ان النص يجعل الدوافع حيّة الي النهاية وترك الاختيارات مُتاحة بكاملها ، وبالتالي ترك المُشاهد في حيرة شديدة حتي اللحظات الأخيرة ، النص في هذه الجزئيّة بارع جداً وانسيابي الي أقصى درجة ، فلا يكتفي بأن يضع الاثارة ، بل يُمنطقها ويحييها .

ما ساءني في هذا الفيلم هو عدم قُدرة سبيلبيرجعلي اظهار العواطف بالشكل الملحوظ ، فلا اذكر مُطلقاً اني اهتممت بقصّة ابن جون، بالعكس بدَت القصّة مُقحمة بشكل كبير في الاطار العام ، وعند مُحاولة سبيلبيرجللتركيز علي آدميين يُحاولون الهروب من الحُزن أصيب العمل بوهن كبير ، لم استطع مُقاومة وضع العمل على قائمتي لأفضل أفلام الألفيّة ، السابع علي قائمتي لأفضل أفلام 2002 .

Vera Drake

$
0
0
بطولة :عماد العذري

التقييم : 4.5/5

بطولة :إيميلدا ستانتون , فيليب ديفيز
إخراج :مايك لي(2004)

بين أبناء جيله من المخرجين البريطانيين ، أمثال جيم شيريدان , و نيل جوردان , و ستيفن فريرز , يبدو مايكليالأكثر قدرة على صناعة الكلاسيكيات , ربما للطريقة التي يحفر فيها في نفوس شخصياته على إختلاف تعقيداتها , و لإصراره الملحوظ على الإرتقاء بأداءات ممثليه – مهما كانت طبيعة أدوارهم - إلى الذروة , و الأهم من ذلك إصراره في جميع السيناريوهات التي يكتبها و يخرجها على تصوير ملامح الحياة اليومية لأبطاله بطريقةٍ يتجاوز بها المدى الضيق للشخصية إلى ما هو أكثر عمومية و أزلية و يمنع نفسه من تأطيرها عند حدود الحبكة التي تدور من خلالها أو الشخصية التي بُني على أساسها , فيلمه هذا – الذي منحه أسد فينيسيا الذهبيعام 2004 – هو واحد من أفضل الأمثلة على ذلك .

يحكي الفيلم قصة فيرا دريكإمرأة خمسينية بسيطة في لندن 1951 عقب بضع سنوات على إنتهاء الحرب العالمية الثانية , تعيش فيراحياةً متواضعةً و بسيطةً للغاية مع زوجها الميكانيكي و إبنها الخياط و إبنتها الخجولة التي تعمل في معمل لصناعة المصابيح , فيراإنسانةٌ ودودة مع جميع المحيطين بها , و حتى مع أولئك الأشخاص الذين لا تعرفهم , تهتم برعاية والدتها المسنة و تأخذ بعين العطف و الإهتمام جارها المريض و تخدم في منازل عائلتين ثريتين بكل إخلاصٍ و تفانٍ , و كل أسبوعين تؤدي فيراعملية إجهاضٍ غير شرعي لنساءٍ أجبرتهن ظروفهن على الحمل , إما بدافع الخطأ أو بسبب الإغتصاب , فيراتدير حياتها بتفانٍ شديد و بحيوية فتاةٍ في العشرين , و بجو من المحبة و العطف و السعادة تنشره من حولها , لكن حياتها كلها تتغير عندما تشرف إحدى النساء المجهضات على الموت بسببها .

بالنسبة لأولئك الذين يتابعون أعمال مايك لييبدو هذا العمل واحداً من أفضلها , و واحداً من أكثرها كلاسيكية و نموذجية , المخرج الذي قدم للعالم روائعSecrets & Lies وLife is Sweet و  Naked،يقدم هنا واحداً من أفضل أداءاته كمخرج , الرجل لا يحتاج لأكثر من بضع دقائق ليسرد علينا بإنسيابية عالية ملامح حياة فيرا و عائلتها , يرسمها بطريقةٍ قد تبدو لمن يتأملها بإمعان مغرقةً في التفاصيل التي لا تبدو واضحةً بالنظرة العامة , الإخلاص الذي تحمله فيرا لتصرفاتها و لما تقوم به , هوسها تجاه إيجاد عريسٍ مناسبٍ لإبنتها و النابع من معرفتها بخجلها , الحب الذي يحمله زوجها لها , و حيوية الشباب التي تملأ إبنها سيد , علاقة فيراواضحة الملامح منذ الدقائق الأولى بكل المحيطين بها , يبدو مايك ليقادراً خلال هذه المدة القصيرة على دفع مشاهده لصنع مشاعر و ردة فعل مكتملتين تجاه هذه المرأة مبكراً جداً , و الحق يقال هو ينجح في ذلك بوضوح , و لن يمضي على المشاهد وقتٌ طويل حتى تأسره فيرا دريكو تستولي على إهتمامه و إعجابه بسبب إخلاصها و تفانيها و حبها للمحيطين بها , بالطريقة ذاتها يدرك مايك ليجيداً أن جزءاً مهماً من غنى شخصية فيرا دريكسينبع في الواقع من غنى الشخصيات المحيطة بها , لذلك يهتم الرجل بشكلٍ ملحوظ بإغناء تلك الشخصيات , ربما من خلال إصراره على خلق شخصيات حقيقية نهتم لأمرها و نتفاعل معها و نتواصل مع ما تفعله , و أتحدث هنا عن الشخصيات بمجملها , و الخصوصية التي تتمتع بها كل شخصيةٍ منها تجعلها تبدو كعالمٍ خاص يمد عبر أحد خطوطه شخصية فيرا دريك المحورية و يغذيها , جزئية نتأملها في العلاقة المتشكلة بين فرانك (شقيق زوجها) و زوجته جويس , و العلاقة المتشكلة بين إبنتها إيثلو خطيبها ريغ , و علاقة الحب الصامدة منذ ثلاثين عاماً بين فيراو زوجها , كل هذه العلاقات تمد بشكل أو بآخر الشخصية الرئيسية للفيلم بنوعٍ من التنوع و تغنيها في سبيل رسم الصورة الختامية للعائلة و لأهمية العائلة و ما تمثله في حياة فيراخصوصاً عندما تصل إلى منعطف الفيلم الرئيسي .

ما أن ينتهي مايك ليمباشرةً من تقديم شخصياته حتى يقلب الخط الذي يسير عليه بعنف , عندما نشاهد فيراتجري عملية إجهاض لمساعدة إحدى النساء , تحول دراماتيكي مثير يأتي عرضاً و دون أي تمهيد مسبق , جعلني أصرخ برافو مايك لي , مايك لي– على ذات النهج الذي ينهجه في سائر أفلامه – يقدم أحداث فيلمه المفصلية بطريقة لا تجعلها تبدو مفصلية , هو يصر دائماً على إقحام تحولات دراماتيكية صعبةٍ للغاية ضمن نسقٍ مختلف عما يسبقه , و ما يثيرني دائماً مع هذا الرجل بأنه ينجح في ذلك , ينجح حيث يفشل الكثيرون , مايك ليو كأنما يخبر مشاهديه و معجبيه دوماً : أنا لا أمهد للتحول لأنه لا يتم التمهيد له عادةً في الحياة اليومية , أنا أصنع التحول , فجأةً و دون أن يجعل الرجل من المشهد مشهداً محورياً يقدم لك فيرا دريكالمرأة التي تقوم بعمليات الإجهاض غير الشرعي للنساء اللواتي لم يجدن من يساعدهن على ذلك , مايك لييقدم لك الحقيقة كما هي دون أي تحول من أي نمط كان في سيكولوجية الشخصية الرئيسية , فيرا دريكحتى في عملها هذا متفانية و مخلصة و تحب مساعدة الآخرين , و هي حتى في نهاية ما تقوم به لا تعتبر بأنها تقوم بأي شيء خارق , هي تقوم بالأمور التي يدفعها ولاءها و إلتزامها الأخلاقي لفعلها لأي شخصٍ كان : تقديم المساعدة لمن يحتاج للمساعدة , مايك ليالذي عادةً ما يلامس بحذر الفوارق الطبقية في أعماله السابقة يقدم عمل فيرا دريكالخفي و كأنما هو ينبع من عمق التباين الطبقي الذي تعيشه , حيث الأغنياء الذين يواجهون المشكلة ذاتها يتدبرون أنفسهم مقابل 100 جنيه , بينما لا يجد الفقراء من يساعدهم في مصيبتهم , و هو من خلال إكتمال هذه الصورة لدى المشاهد عن حياة فيرا دريكيبدو و كأنما يظهر له مدى روتينية حياتها و نمطيتها , و يظهر له بالمقابل كم هي راضيةٌ بها و كم هي مقتنعةٌ بكل شيء تفعله , ليس بدافعٍ من ولاءها تجاه مباديء قد تبدو فائضةً بشكلٍ ساذج على شخصيةٍ كهذه , بل بدافعٍ من بساطتها و بساطة أفكارها و حياتها و روتينها , شخصية فيراتبدو أبسط من أن يكون لها معتقدات أو قناعات مرسخة , هي تقوم بعملٍ خطير دون أن تدرك تماماً مقدار خطورته , و بساطتها لا تبدو مناسبة (وهو أمرٌ يتعمده مايك لي) للتعامل مع النتائج الوخيمة لأعمالها التي تملأها النوايا الطيبة , شخصية حقيقية جداً يوازيها في ذلك شخصية زميلتها ليليالتي تجلب لها الزبائن و تستأثر بجنيهين كاملين من العملية دون أن تعلم فيرا , هذه الشخصية هي الأخرى تقوم بما تقوم به دون قناعات أو معتقدات , يبدو العقاب هنا – فيما لو حدث – أكبر بكثير من أن تغامر بإرتكاب الجريمة فتقاد إليه , شخصيات من الحياة اليومية التي نشاهدها كل يوم , شخصيات تبحث عن السعادة (كلٌ بأسلوبه) دون أن تفكر بمخلفات هذه السعادة و نتائجها , ليس بسبب سلبيتها , و إنما بسبب بساطتها , نص مايك ليمن خلال كل هذا لا يجعلك تنتظر أي شيء , أنت تجلس لمراقبة و متابعة ما يحدث دون أي توقعات أو تصورات , و هي نقطةٌ تحسب له من واقع كونه ينجح مرةً أخرى في فرض أسلوبه , و بما أنه لم يمهد لهذا التحول – رغم أنه يبدو عنيفاً ضمن سياق الأحداث – فلن يبدو هذا الحدث أصلاً كنوعٍ من التحول .

يمكننا أن نقسم هذا الفيلم زمنياً إلى نصفين يستمر كل منهما لمدة ساعةٍ واحدة على الشاشة , نصف لتأسيس و تقديم هذه العائلة و نصف للكارثة التي تصيب هذه العائلة , الكارثة التي تحدث عندما تُستدعى الشرطة للتحقيق في عملية إجهاض كادت تقود صاحبتها إلى الهلاك , ضمن التحقيق يذكر إسم فيرا دريك , و تأتي الشرطة إلى منزل فيرافي حفل خطوبة إبنتها للتحقيق معها , و ربما هي حالات قليلة صادفتني في مشاهداتي السينمائية تبدو فيها اللقطة وحدها كفيلة بتلخيص كل شيء , الـClose-up على وجه فيراو هي تجلس على مائدة الطعام و تسمع لأول مرة إستدعائها للتحقيق في جريمةٍ غير معلنة هو أفضلClose-up شاهدته خلال الألفية كلها , صورة بسيطة و عميقة جداً في آن للحلم المنهار , و للفضيحة , و للذنب , و للخوف من المجهول يرسمه مايكليببراعة تستحق التقدير على وجه بطلته إيميلدا ستاونتونوهي ترى الشرطة في منزلها و تنزلق – بإنسيابية خارقة – من فرحتها بخطوبة إبنتها إلى غياهب المجهول , المجهول الآتي من الجريمة و من العقاب , من الماضي و من المستقبل , تبدو فيرا (بفعل أداء إستثنائي من ممثلة الصف الثاني إيميلدا ستاونتون) و كأنما سقطت فجأة في جحر آليس , الذي ستبدو عاجزةً فيه عن إستيعاب إلى أين سيوصلها , مايك ليالذي أشتهر بإصراره على الوصول دائماً بأداءات ممثليه إلى الذروة من خلال تدريبهم على المشهد الواحد أحياناً لأسابيع , يبدو و كأنما يصل بستاونتونفي هذه اللقطة إلى الذروة الأدائية في مسيرتها , و ستاونتونبالمقابل (وهي هنا تنال جائزة أفضل ممثلة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدوليو ترشيحاً لأوسكار أفضل ممثلة) تتفهم تماماً أهمية مشهدٍ كهذا , هي تدرك بأن هذا المشهد لن ينفصل عن نسق التأسيس الذي قدمت فيه شخصية فيرا , و كم البساطة و اللطف و التعاطف الذي غمرتنا به طوال الساعة الماضية , تدرك ذلك جيداً و تقدم هذا الإنزلاق بذات الكيفية , فترسم في فيرافي هذا المشهد ضياعاً واضحاً و رهبةً مدمرةً و خوفاً حقيقياً مما سيحدث , فيراتواجه فجأةً و في واحدةٍ من أكثر لحظات حياتها إنتظاراً (خطوبة إبنتها الوحيدة و الخجولة) أعنف تجربةٍ في حياتها , يبدو المشهد أبعد بكثير من مجرد إنهيار نفسي أو صدمة عنيفة , فيرالا تمتلك في المشهد الفرصة حتى للمحاكمة العقلية الذاتية لفهم ما يحدث أو سيحدث , فتساق مع الشرطة و منها إلى مكتب التحقيق بطريقة متفهمة و مدروسة بعناية من ستاونتونتتناسب بشكل صادق و حقيقي مع بساطة فيراو ضياعها هنا.

بالتوازي مع هذه الثقة التي يقدمها مايك ليلبطلته للتكفل بهذا المحور من الفيلم , يكثف مايك ليفي هذه المرحلة جهوده في نصه ليرسم مقدار ما يمكن أن تحدثه مصيبةٌ كهذه على عائلةٍ بسيطة , الحب و الشك , الثقة و فقدان الثقة , المساندة و الشماتة , ردود فعل متباينة تجاه ما فعلته فيرا , يُتوِّجها مايك ليبمشهد مواجهة العائلة لبعضهم البعض في مشهد مؤثر و صادق لكيف يبدو الرابط العائلي أعمق و أمتن من أي شيء آخر يستجد على حياتنا , و كيف أن بعض العلاقات التي ولدت معنا و ترسخت و ضربت في الصميم تبدو أكبر و أقوى من أن تزحزحها الإثباتات و الأدلة .

و رغم أن ستاونتونبذلت مجهوداً حقيقياً في التأسيس لفيرا دريكطوال الساعة الماضية إلا أن ما يثبت بوضوح قوة أداءها و عظمته يتجلى في النصف الثاني , خصوصاً في بعض المشاهد المؤثرة التي نقلتها ستاونتونللمشاهد بصدق حقيقي , كمشهد التحقيق معها و الذي يبدو مشهداً للذكرى , أو مشهد إخبارها لزوجها بالحقيقة , مايك لييسرد في هذه المرحلة مبررات فيرالما فعلته , كيف عاشت بدون أب لأن أمها لم تخبرها من هو أبوها و كيف بدأت تفعل ذلك منذ أكثر من 20 عاماً كرد فعلٍ لما حدث لها في شبابها , و رغم أن هذا التبرير يبدو منطقياً إلا أن تقديمه يصنع ثغرة تفقد الفيلم بعضاً من بريقه , فالفيلم لا يحاول ملء الفراغ الذي يحدث في القضية منذ لحظة إعتراف فيرا بجريمتها عن طريق تقديم محاكمات أخلاقية لما فعلته , هو يكتفي فقط بمراقبة ما يحدث , الأمر الذي يولد نوعاً من الفراغ في أحداث الثلث ساعة الأخيرة من الفيلم , خصوصاً في تجنبه تقديم ما حدث لفيراأو لأمها في الماضي و كأنما يترك ذلك لخيال المشاهد و تصوره و الذي لا يكفي لوحده هنا .

فيVera Drake يقدم مايك ليواحداً من أفضل أفلامه على الصعيد البنائي و الدرامي , و من أكثرها قدرة على التشبث بتلافيف الذاكرة و عدم مغادرتها , و من أكثرها كلاسيكيةً أيضاً , تدعمه أداءات متمكنة من طاقمه ككل , و خصوصاً من إيدي مارسانو سالي هوكينز , تساند الأداء الإستثنائي العظيم من نجمة العمل إيميلداستاونتونالتي تخسر هنا جائزة أوسكار في سنةٍ عدها البعض أقوى سنوات الأداء النسائي خلال العقد كله .

This Is Not a Film

$
0
0
كتب : محمد المصري

التقييم :4.5/5

إخراج :جعفر بناهي ، مجتبى ميرطهماسب (2011)

في جَوهر فيلم جعفر بناهي هذا ، والذي أخرجه أثناء إقامته الجبرية بمنزله بعد استئناف الحكم الذي صدر ضده بالسَّجنِ وعدم الإخراج لمدّة 20 عاماً بتهمة تصوير فيلم ضد النظام الإيراني الحاكم ، هُناكَ شغفٍ عظيمٍ بالسينما.

لم أحب بناهي يوماً قدرما أحببته أثناء مشاهدة هذا الفيلم (الذي ليس فيلماً) ، مُلامَسَة حقيقية جداً لعلاقة رجل بفنه ووطنه عبر الوقوف أمام الكاميرا لقرابة الساعة يُحاول فيها أن يَشعر بكونِه حُرَّاً ، نُمارس معه المُحاولة ، ونَشعر بغضبه حين يسأل عن جدوى كل ما يحدث ، ونسترجع معه بعض الذكريات من أفلامِه السابقة كأننا نَجلس مع صديق عَزيز ونُحاول التَّخفيف عنه ولو بالسَّمعِ والمُشاركة ، قبل أن ننظر إليه وهو يُشاهد مَدينته من فوق الدور الحادي عشر و يتساءل عن الباقي بينه و بينها : ما هو السقف الذي تسمّيه وَطناً يا جَعفَر ؟

وفي أعظم مشاهد العمل ، وواحد من أجمل المشاهد التي أتذكرها بين حينٍ وآخر ، يحاول بناهي أن "يُرِي"المُشاهد فيلمه الجديد الذي كان ينوي تنفيذه قبل القبض عليه ، وبسبب إقامته الجبرية فهو مُحدد بمساحة مَنزله ، يُحضر كاميرا بسيطة وبدائية ليقفِ أمامها ، ويعتمد على خيالِ المُتلقي من أجل تصوُّر رؤيته البصرية فيما سيحكيه بلسانه ، يَصف الافتتاحية التي ستستمر لـ 6 دقائق ، يُحاول ترتيب صالة منزله ليجعل من أشياءها أشياءً أخرى في غرفة بطلة الفيلم ، يُحدد المساحة ببكرٍ لاصِق على الأرض ، الوسادة تكون سريراً ، والكرسي هُو النَّافذة ، جعفر يحتاج إلى أن تتماهى لتلك الدقائق فقط ، أن تقتنع وأن تصدَّق وأن تُعْمِل خيالَك معه ، هو بحاجة إليك فعلاً لكي يشعر بكونِه مُخرجاً وبأن هذا (السَّقف الذي يُسمّيه وَطناً) لم يَضِق درجة أن يَخنقه.

فيلم عَظيم عن السينما وعن الشَّغف وعن قَسوة المُجتمع وعن مأساةٍ غير مَنطوقة لمخرج يُقاوم قهره ويحاول أن يتغلَّب على حوائط غير مسموح له تَجاوزها ، فيلم عَظيم بالتَّجربة وبأنَّكَ جُزءً منها : مشاهدتك فقط ستهوَّن على جَعفر وإعجابك سيجعله يَسعد بقدرته على الإخراج رغم تِلك الظروف ، كأنَّكَ تؤانسه من كُلّ هذا البعد وتخبره بأن لكل ما يحدث – على قسوته – مَعنى ، طالما النتاج فيلمٌ حُلْوٌ بتلك الأهمية.


Floating Weeds

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم : 4.5/5

بطولة : جانجيرو ناكامورا ، ماشيكو كيو
إخراج : ياسوجيرو أوزو (1959)

حصيرة من الخيش.

"في قرننا هذا إن كان لازال هناك شيء مقدس .. إن كان هناك كنز مقدس للسينما ، ستكون بالنسبة لي أعمال ياسوجيرو أوزو ، بالنسبة لي لم تقترب السينما من قبل أو من بعد من جوهرها وغايتها لتعرض صورة إنسان هذا القرن بطريقة صادقة وصالحة حتى يتعرف الإنسان على نفسه ولكن – قبل كل شيء – ليتعلم شيئاً عن نفسه" - فيم فيندرز (الألماني في فيلمهTokyo-Ga الذي خص به أوزو).

كيسلوفسكيله اقتباس شهير حيث يقول أنه يبحث عن أواصر الترابط بين الناس في العالم ، يمكننا القول أن الياباني وجد تلك الروابط منذ بدأ ، حتى أنه من المدهش كيف لأفلامه أن تكون وثيقة الصلة بعالم اليوم الذي لم يعرفه ولم يعشه !

في إعادة لفيلمه الصامت "قصة الأعشاب الطافية"يخبرنا أوزو نفس القصة ، تصل فرقة من ممثلي المسرح المتجولين إلى إحدى القري الساحلية – يستخدم اليابانيون مصطلح "الأعشاب الطافية"لوصف الممثلين المتجولين ، يزور مدير الفرقة عشيقته السابقة وأم ابنه الذي لا يعرف أن المدير أباه ، تعلم العشيقة الحالية بالأمر فتذهب إلى مطعم الأم لتواجه المدير لكنه يطردها خشية أن تفضح السر ، تخطط للانتقام بأن تجعل أحد الممثلات تغوي الابن ، الممثلة تغويه بالفعل لكنها تقع في حبه ، يعرف المدير بالمخطط ويثور فيحل الفرقة ، تنصحه الأم بأن يصارح ابنه بالحقيقة ويعيشوا كأسرة سوياً ، الابن يغضب عند معرفته بالأمر فيقرر الأب الرحيل ، يجد المدير في محطة القطار عشيقته فيتصالحا ويرحلا إلى بداية جديدة .

القطارات دائمة التواجد في أفلام أوزوولها دلالات هامة وتوظيفات جمالية كخيول تاركوفسكيو مرايات فاسبندر، أحياناً يتواجد القطار ليعطي احساساً باستمرارية الحياة ، وأحياناً ليعطي احساس الرحيل أو الموت ، وأحياناً لا لشيء ولكن لأن أوزو مولع بالقطارات !

لا يوجد أبطال أو أحداث في أفلام أوزو، المقصود بالأبطال من هم "أكبر من الحياة"المدركين لكل شيء ، والمقصود بالأحداث المثير منها والتي لا تحدث كثيراً وأحياناً لا تحدث أبداً ، لكن في أفلام أوزو– فتوِّة الناس الغلابة – الحب والزواج ، الموت والفراق ، الأسرة والآباء والأبناء ، المدينة والقرية ، بما فيها من مشاعر وأحداث مهمة في حياة كل إنسان .

أوزو– مثل شابلن– إنسان عظيم منح الفقراء اهتمامه ، جعل حياتهم – الخالية من السلاح والساموراي– غنية بجمال عميق ، حوّل تلك الحياة إلى أفلام شعرية دون اصطناع ، تعمَّق بدون سعي ملحوظ ، محفزاً كل تلك المشاعر القوية .

"كل أفلام أوزو عظيمة ، تعكس حكمة شديدة عن طبيعة الإنسان ، كما في كل الأعمال الفنية العظيمة المعنى النهائي متروك لتأويل المرء الخاص ، لذا أعمال أوزو دائماً طازجة ومُلحَّة ، قد تبدو موضة قديمة لكنها لا تصدأ أبداً ، دائماً أرجع لتلك الأفلام كالأصدقاء القدامى لأفاجئ – مجدداً – بمدى كونها ثاقبة وكاشفة لطبيعة البشر ، بشر أكاد أقسم أني أقابلهم كل يوم ، لو أن هناك أحداً يستحق التقدير كسيد صناعة الأفلام فهو أوزو" - الناقد دينيس شوارتز.

اليابانيون – أنفسهم – حرموا العالم من أفلام أوزولاعتقادهم أنه شديد اليابانية ، وأن العالم لن يهتم لمشاهدة أفلامه ، فقد اعتاد المشاهد رؤية اليابانيين في ملابس العصور الوسطى وسط معارك الساموراي، لكنه ليس مستعداً لإن يشاهدهم بأربطة عنق ، أفلام أوزو تعد من Shomin-geki(دراما الناس العاديين) ، وهي نوعية أفلام قام بابتداع اسمها أساتذة السينما الغربيين للتعبير عن الأفلام اليابانية التى تركز على الحياة اليومية للطبقة العاملة ، أفلام أوزوالأربعة وخمسون فقدنا منهم سبعة عشر فيلماً صامتاً بسبب الحرب .

مع أفلام أوزوالملونة نكتشف حبه للأحمر وسط لوحاته ، كما نكتشف أن غلاية الشاي – دائمة الوجود في أفلامه – حمراء ، التوقيع بالأحمر هو التوقيع المعتاد للرسامين اليابانين .

"هذا الموقف تجاه أوزو – اعتباره موضة قديمة – يبدو غريباً بالنسبة لي ، لكنه جعلني واعياً بأن لا علاقة لي بالموضة ، لكن بالأسلوب ، أفلام أوزو – كما هي أفلام الأساتذة – قد تصير موضة وقد لا تصير ، لكن القوة الأسلوبية والخصوصية الفنية لا تتغير" - جيم جارموش

حصيرة من الخيش.


Becket

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :5/5

بطولة :ريتشارد بيرتن ، بيتر أوتول
إخراج :بيتر غلينفيل (1964)

بهذه الطريقة تخترق السينما كل الحواجز , حاجز التاريخ وحاجز السياسة وحاجز قدسية مؤسسة الدين وحاجز المسرح دفعة واحدة ، بيكيتشخصية تظهر في كل المنعطفات التاريخية , في فترات السلام القلق , بيكيتهو ميفيستو المخرج الهنغاري استيبان زابو , ولكن ليس كل ميفيستو بيكيت, بيكيتشخصية أكثر نبلاً , يبحث عن هدف اسمى من مصلحته الشخصية , هو يمثل فئة مهمشة من الناس ، يمثل البحث عن الشرف المسلوب منهم ، هو شخصية تعلمت الاذعان ونكران الذات والسباحة عكس كل جذورها كي تصل لليوم الذي يستعيد فيها شرفها ، رغم القواسم المشتركة الكثيرة بين شخصيتي ميفيستوو بيكيت , إلا ان التاريخ لا يعيد نفسه مرتين , بيكيتشخصية تاريخية تستعيد شرفها بعد ان سلب منها , ميفيستولا ترغب سوى بالمحافظة على مصالحها , بيكيتكان يبحث عن الولاء الذي يدافع من خلاله عن شرفه بعد ان حصل عليه , ميفيستوكان يبحث عن اي ولاء ليحافظ من خلاله على مصالحه , الزمن وتغيير المفاهيم , كانت كفيلة بين عصرين بأن تحول الشرف لمصلحة شخصية , وتحويل الولاء لوسيلة لذلك ، تحول بيكيتلميفيستو .

الساكسونيينفي عهد ويليام الفاتح تعرضوا للتهميش فأصبحوا انكليز فئة ثانيةواستمر الحال على ما هو في عهد الملك هنري الثاني , ولكن صداقته ببيكيتالساكسونيوثقته به كان العامل الذي غير موازين القوى بالنسبة للساكسون، من اعتبارهم صفر على الشمال ، لكي يكونوا رقم في المعادلة الشعبية لملك انكلترا في صراعه على التفرد في السلطة مع الكنيسة ، الفلم قدم نوعية العلاقات التي تحتاج للكثير من التمهيد والتأسيس لأنها ستتحكم بكل مفصل من مفاصل الفلم المحكم الحبكة , علاقة الملك هنريببيكيتلم تكن مجرد علاقة بين ملك نورمانديومستشار ساكسوني , كانت علاقة صداقة من نوعية خاصة , علاقة اليد بالكف , علاقة العقل بالعضلات , وفي الوقت الذي كان يبحث فيه بيكيت عن شرف مفقود من خلال ولاءه للملك ، كان الملك قد اشعل النار بينه وبين الرجل الجريح , فمنحه امتيازا غيّر بموجبه ولاءه , من ولاءه للملك لولاءه للكنيسة وللرب , وهذا التصرف الناتج عن عدم قدرة الملك على استيعاب ما الذي من الممكن للساكسوني ان يفعله ليستعيد شرفه , وناتج ايضاً عن رعونته وطيشه الذي لم يبخل الفلم في ابرازه ،  تصرف معه كخادم بينما هو كان يبحث عن شيء أكثر خطورة من خدمه الملك بالنسبة لرجل ساكسوني ، وتحولت حينها العلاقة لحرب بين ولائين , ولاء بيكيتللملك , وولاءه للرب , العلاقة التي اخذت شكل الحرب لم تنفي عنها صفة الصداقة التي اخذت بعداً أكبر وأكثر تعقيداً , الانتقام بدا وكأنه رغبة في استعادة الصداقة , والموت بدا كأنه رغبة في استعادة الملك لولاء بيكيت , كلما تقدم بيكيتخطوة لتحقيق طموحه , ازداد تعلق هنريبه ورغبة في ابعاده كحجر عثرة , واستعادته تحت جناحه ، استعادة ولاءه وصداقته .

الطموح وسلب الارادة بالنسبة لرجل كبيكيتاشبه بوضع النار والزيت أمام بعضهما , الملك هنريعجز عن فهم هذه المعادلة , التي لم تكن حتى بالنسبة لبيكيتواردة لولا خطأ هنريالكارثي بتغيير ولاءه تحت حجة السيطرة على الكنيسة التي لطالما عارضته سياسياً , الفلم يقدم المدى الذي من الممكن أن يتورط فيه الدين بالسياسة , إلى أي مدى يصبح رجل الدين رجل سياسة , ومتى تتنافر الاخلاق مع الدين و تجتمع مع السياسة والسلطة , كل هذه المعادلات المعقدة كادت ان تجعل من هنريرجلاً عاجزاً معرضاً للوقوع بالأخطاء تحت رغبته في الانتقام من بيكيت , وكادت أن تجعل بيكيتخائناً لأنكلترا وللرب , ولكن السياسة قادرة وبنفس موازين القوى ان تجعل بيكيتشهيدا ومن هنريالمستفيد الاول من تحويل اسمه لقديس ديني .

بيكيتيبدو انه شعلة النور الوحيدة ضمن هذه الظلمة , فوجوده وراء غطاء الدين منعه من التخلي عن ولاءه للرب ، مهما كانت المصلحة السياسية , الدين بالنسبة لبيكيتلا يجب ان يدخل متاهات السياسة حتى ولو كانت كذلك على اعلى المستويات ، طموح بيكيتلم يتخطى رغباته في التحرر من ارث الماضي الثقيل , ولو تم ذلك دون التعرض بالأذى او الخيانة لصديقه الملك هنريلربما كان ذلك افضل ما يمكن ان يطلبه ، ولكن سذاجة الملك هنري وضعت بيكيتضمن خيارين ، الملك , أم الله .

بيتر اوتولوريتشارد بورتونكانا يلعبان في ملعبهما , تستطيع ان تشعر أنهما خلقا ليقدما هذه النوعية من الافلام السينمائية المقتبسة بالأصل من المسرح , هنا تظهر البطانة الانكليزية للسينما والمسرح , الفخامة والطبيعة التاريخية للأنكليز , مدى التعقيد الذي تتحلى به شخصيات كهنريوكبيكيتباعتبارهما جزء من تاريخ مليء بالتناقض والغزوات والصراع الديني السياسي الداخلي ، شخصيات لا تسعى لأن تكون بيادق على لوح الشطرنج بقدر رغبتها بان تكون اليد المحركة لمسرح العرائس الدموي هذا .

Viewing all 508 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>