Quantcast
Channel: مشاهدات سينمائية
Viewing all 508 articles
Browse latest View live

Courage Under Fire

$
0
0
كتب :محمد المصري

التقييم :4/5

بطولة :دنزل واشنطن ، ميغ رايان
إخراج :إدوارد زويك (1996)

أذكر أنني سمعت عن الفيلم منذ سنوات طويلة، في سياق مقالة للناقد جيمس بيراردنيليعن فيلم Rashomon، كان يتحدَّث عن أهمية فيلم إدوارد زويكهذا في تَفسير "الروايات المختلفة لنفس الحدث"في كلاسيكية كوراساوا، وكان الأمر المحمس هو منحه تقييمه الكامل ، وظلت الذكرى والحماس لوقتٍ طويل ، حتى أتيحت لي فرصة مشاهدته مؤخراً.

يحكي الفيلم عن ضابط الجيش الأمريكي نيد سترلينج، الذي يحقق في حادث يتحدد على أثره منح وسام الشرف لقائدة الكتيبة الحربية كارينوالدين، التي قتلت أثناء مشاركة القوات الأمريكية في حرب العراق، والمهمة التي بدت بسيطة في البداية ، بدأت في التعقد لاحقاً مع روايات مختلفة يسمعها سترلينجلحادثة موتها ، ومدى شجاعتها خلال المعركة الأخيرة، ليصبح البحث عن الحقيقة هو غايته الأساسية ، ووسيلته أيضاً للتحرر من ذنب ارتكبه في نفس الحرب ، حين أطلق قذيفة من الدبابة بالخطأ ناحية زملاء له في الجيش الأمريكي.

سيناريو الفيلم رائع جداً في تعامله مع الروايات المختلفة للحادثة ، والحقيقة التي تتكشف في النهاية ، الجزئية الراشمونية العظيمة تلك كانت في نقطة عالية جداً هنا ، نتورط بالرغبة في المعرفة ، وحين تبدو الأمور مُلْغِزَة ، فهي تُحَلّ بما يليق بهذا اللغز ، رواية مونفريزمثلاً عن خوفِ وجُبن والدين، كيف أنها تبنى بالكامل على تفصيلة أساسية مثل أنها بَكت ، وكيف تختلف لحظة البكاء وأثرها من وجهة نظره ، وبين الرواية الأخرى الأقرب للحقيقة ، دوافع الشخصيات في التعامل مع الحدث ، ثم الطريقة التي يذكروه بها لاحقاً ، تبدو واضحة وقيّمة جداً ، ومنها تأتي جودة الفيلم .

في المُقابل ، يترنّح العمل جداً في الحدث الآخر الذي يحركه ، الذي يخص قذيفة سترلينج، وعقدته الشخصية اتجاه ذلك ، النص غير متوازن في تلك الجزئية ، ولم أشعر في أي لحظة خلال المشاهدة باهتمامٍ حقيقي ناحية سترلينج، أو الأثر الذي تحدثه حقيقة موت والدينفي حياته ، أغلب الوقت كان مُحرك فقط لوصلِ الحكايات ببعضها ، أكثر من أن يكون عنصراً مهماً في ذاته .

إخراج (عادي) من إدوارد زويك ، لا يوجد ثقل معين من ناحية الصورة ، أو – مثلاً - في شعورنا بجحيمِ الحرب الذي يدفع أشخاصاً جيدين لارتكابِ أشياء وضيعة كـ (مونفريز) ، هو فقط نَقل أمين للسيناريو الجيد ، ببعض (الكليشيهات) المعتادة في الأفلامِ الحربية ، ونفس الأمر ينطبق على أداءات دانزيل واشنطونأو ميج ريانأو مات ديمون، تجسيد (عادي) لفيلمٍ يطغى عليه الحدث أكثر بكثير .

مُجملاً ، لا يتمتع الفيلم بقيمة أو عُمق 
Rashomon اتجاه شخصياته وحدثه ، ولكنه نسخة هوليوودية مُحترمة وجيدة الصنع من تيمة عَظيمة عن سردِ حدث واحد من وجهاتِ نظرٍ مختلفة .


Samsara

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :5/5

إخراج :رون فريك (2011)

هناك لغة محكيّة , وهناك لغة بليغة , واللغة البليغة هي التي تصيب صميم المعنى بأقل عدد من الكلمات , وفي السينما , هناك لغة بصرية , ولغة بصرية بليغة , ورون فريك قدم لوحة بصرية بليغة , قدم افكاره الكونية بلغتها الكونية الوحيدة القادرة على الوصول وبنفس الوقت للمشاهد الاميركي والعربي والصيني دون وسيط او مترجم , هذا هو هاجس هذا العمل الذي حققه .

يذكرني هذا الفلم في جزء منه بعمل المصور الفوتوغرافي الشهير ستيف ماكرويوالذي يبحث في الفقر والمعاناة والتهميش الاجتماعي عن الجمال وعن التعدد في الاجناس وتساويها حينما تتعرض لذات الكارثة لذات التهميش , وفي جزء آخر يذكرني بالمصور الفوتوغرافي غريغوري غلبرتصاحب تحفة Ashesand Snowوالذي هو الآخر يستخدم طاقاته البصرية لخلق الحس الصوفي اثناء تناوله للحضارات القديمة .

ولكن العنصر المُلهم في هذا الفلم هو ما يخلقه من تضاد وتناقض في الانتقال من المشاهد الهادئة والشديدة الهدوء للمشاهد الصاخبة والشديدة الصخب , بين اقصى الشرق و اقصى الغرب , بين الحضارات الضاربة في عمق التاريخ و الحضارات الناشئة , بين طقوس الحضارات القديمة الروحية و عادات الحضارات الناشئة الاستهلاكية , بين فوضوية الانسان  و تنظيم الخالق , وبين عبثية الخالق وانضباط الانسان , بين قعر الفقر و أوج الغنى , بين ما ابتدعه الخالق و ما ابتكره الانسان , و بين الماضي والحاضر ، بين صناعة الموت , وارادة الحياة .

هذا الفلم يحتقر التعصب للانتماء , ولكنه في نفس الوقت يُغني ثقافة الاختلاف , لذلك انتهى الفلم بمشهد خلط الرمال الملونة , ولذلك السبب صور الحدود بين الكوريتين وبين الاراضي الفلسطينية والاراضي الاسرائيلية بطريقة توحي بالضعف والقلق , هو ينظر لأسس الاختلاف بتصالح , في القدس و بمشهد واحد قدم الاقصىو كنيسة القيامةو حائط المبكى , هذا الفلم يرى ان القدس مدينة للكل فيها حصة , طالما كانت الاديان اسلوباً للاقتتال فهي بذات الوقت وسيلة للتقرب لذات الخالق .

تحفة بصرية لا تقل عن سابقاتها قوة , سواءً Barakaاو Koyaanisqatsiأو Powaqqatsiأو Naqoyqatsi، والتي اصابت ذات الهدف , التعدد في الحضارات له سحر لا يستوعبه إلا من شاهد ما فيها من عظمة , إلا من شعر ان كل انسان في هذه الارض له جذور تتساوى زمنيا بالقرون .

Titicut Follies

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

إخراج :فريدريك وايزمان (1967)

"أي شخص لديه عقل يعمل لا يمكنه الرضا بالطريقة التي يسير بها العالم" - فريدريك وايزمان

الفيلم الوثائقي الجيد له قدرة على الصدمة أشد فتكاً من أي شيء آخر، لأنك تدرك أنه ينقل ولو جزء من حقيقة طالما تظاهرنا أنها غير موجودة ، أو كما يقول بازولينيأن الفن الغير مقبول هو الذي يمكنه مقاومة التضمين في عالم يراه كريهاً .

وايزمانمستخدماً خصائص سينما الحقيقة Cinéma vérité– المصطلح الذي لا يحبه –  يضعنا في مصحة نفسية للمجرمين ، لا يجعلنا نختبر بل نلاحظ ونراقب كيف يتم معاملة المرضى من قبل طاقم المصحة بأساليب لاإنسانية مفرطة ، لا نعرف خلفيات المسجونين المرضى أو طبيعة جرائمهم ، كما لا نعرف إن كان طاقم المستشفى غير مدرب أو غير راغب في معاملة المرضي بصورة طبية أو إنسانية لائقة .

أعتقد أن الأكثر غلظة واستدامة في وعي المشاهد كان تجريد المرضى من ملابسهم بالكامل و بصورة مستمرة ، الدوافع غير مبررة ربما يكون وضع المرضى عراة أكثر راحة لطاقم المستشفى ، هي صورة كريهة لا يمكن تجنب الخلط بينها وبين صور المعتقلين في معسكرات الإبادة النازية .

أحد المرضى غير راغب / قادر على تناول الطعام ، يتم إطعامه إجبارياً بطريقة تجبرنا كذلك على تذكر آليات وأدوات التعذيب في القرون الوسطى التى كانت تسعى لإنتزاع اعتراف من أحد السحرة المزعومين ، مريض آخر مصاب بالبارانويايصر على إنه سليم وأن المصحة تجعله يجن وأنه يريد العودة إلى السجن ، ربما هو مريض حقاً لكن لا حيلة لنا سوى أن نتفق معه أن المصحة – بأسلوبها والقائمين عليها – كفيلة بجعله أسوأ ، الفيلم يضع النظام الإصلاحي محل شكوك وإعادة نظر .

المصحة نفسها دائرة منسية من دوائر الجحيم ، المجرمين المرضى معدومي الحيلة يتعرضون للإنتهاك النفسي والبدني من قِبل عقول تؤمن أنهم يستحقون ما يحدث لهم ، أو في أحسن تقدير تؤمن أنه لا ضير من عذاب المرضى طالما هم بالأصل مجرمين ، بينما التعاطف الإنساني يكون طيب القلب حد السذاجة لأن "تلك الطريقة الوحيدة للتعامل مع تلك العينة من البشر"، تلك طريقة تفكير نراها دائماً ، وإن كان الضمير الحي والعقل المتحضر عليهما أن يحاولا لفظ تلك الفكرة من المجتمع .

الفيلم ليس لديه ترتيبات درامية إنما يعرض تفاصيل يومية ، يحافظ على إيقاع هادئ مسيطر مثير للكآبة ، الفرنسي كريس ماركرفي فيلمه العظيم Sans Soleilيتسائل لمَ يصر المخرجين على تفادي توجيه الممثلين / الناس نظرهم ناحية الكاميرا ، بينما يمكن عن طريق النظر للكاميرا ما لا يمكن لغيره ، وهذا ما استنبطه العظيم أوزووطبّقه ، فيلم وايزماندليل هام على مقولة الفرنسي باقترابه الشديد من وجوه المرضى ومحاولة التقاط نظراتهم ، خاصة عندما ينظر المريض "جيم"للكاميرا بعد أن استفزه بشدة أحد الممرضين .

عنوان الفيلم مأخوذ من برنامج مروع للمواهب يُقام في المصحة ، يشترك به طاقم المستشفى مع المرضى حيث لا نعرف حقاً من المجنون ، أو بالأحرى لا نعرف إن كان هناك عاقل واحد بينهم .

وايزمانترك العمل كمحامي ومدرس للقانون وقرر أن يصبح مدعي عام لدى الشعب دون أن يخضع لسلطات حكومية ، لكن فقط لذائقته الفنية ، فكان فيلمنا الطافح باليأس أول فيلم يخرجه الناشط الوثائقي ، وايزمانكرر التجربة مع عدد من الهيئات الحكومية الأخرى .

مُنع الفيلم لسنوات طويلة بدافع الحفاظ على خصوصية المرضى ، على الرغم أن وايزمانحصل على موافقة المستشفى و أوصياء المرضى ، فكان أول فيلم أمريكي يتم منعه لسبب بعيد عن الإباحية وتهديد الأمن القومي ، بينما أعتبر البعض أن السبب الحقيقي كان دفن الرؤوس في الرمال وتفادي إحراج المؤسسة الإصلاحية حيث أن الفيلم صادم وكاشف ، بعد ربع قرن من إنتاج الفيلم صدر حكم المحكمة العليا بالسماح بعرض الفيلم بدافع أن المرضى أغلبهم قد توفى ، بالتالي حماية الخصوصية أصبحت أقل أهمية من صيانة حرية التعبير كما ورد في التعديل الأول من الدستور الأمريكي .

"أتمني أن تكون الأفلام الوثائقية مصدر حيرة للمؤرخين في القرن الجديد لأنهم بالإضافة للمواد المطبوعة سيكون لديهم كل تلك الصور لرؤيتها" - فريدريك وايزمان

Three Colors: Blue

$
0
0
كتب : محمد السجيني

التقييم :5/5

بطولة :جولييت بينوش ، زبيغنيف زاماخوفسكي
إخراج :كشيشتوف كيشلوفسكي (1993)

الفيلم الأوّل في ثُلاثية الألوان الشهيرة للبولندي (كيشلوفسكي) هو (أزرق) يتحدّث عن سيّدة تُدعى (جولي) تنتقل للعيش في مكان غير الذي كانت تسكُن فيه بعد أن طلبت من محاميها أن يبيع كل أملاكها بعد أن تُوفّي أفراد عائلتها المكوّنة مـن زوجها و أبنتها فـي حادث مروري خرجت منه وحيدة عـلى قيد الحياة ، بعد خروجها مـن المشفى تنتقل إلى مكانها الجديد فـي محاولة منها لنسيان الماضي بجميع آلامه الذي لا يلبث إلا و أن يعود لها من خلال الأحداث التي تراها في حياتها اليومية ، من عزف الرجل على ناصية الطريق ، إلى السيمفونيّة التي كان من المفترض أن ينتهي منها زوجها المُوسيقار من أجل عزفها بمناسبة قيام الإتحاد الأوروبيإلى اكتشافها عـن علاقة سرية بين زوجها و إحدى المُحاميّات و إلي غير ذلك من الأمور .

أقدّر هذا الفيلم كثيراً ، رُبّما هو اقرب أفلام الثُلاثية الي قلبي ولو استثنينا رائعتهBlind Chance سيُصبح هذا فيلمي المُفضل للرجُل علي الاطلاق ، لستُ أدري حقّاً كم مَرّة سُرقَت منّي دمعة خلال هذا الفيلم ، ولست أدري ايضاً عدد اللحظَات الأيقونيّة التي تستعصي علي النسيان ، اتابعُ افلام كيشلوفسكيدوماً مشدوهاً فيما بين التصديق أو عَدَمه ، أعلم مُسبقاً ان حواراته تتجه بكُل قوّتها الي العُمق ، وان صورته تفيض شعراً وسحراً ولا تتوقّف عبر الأزمنة .

كيشلوفيسكيقاسي جداً في هذا الفيلم ، يترُك بَطَلة فيلمه وحيدة في هذا العالم ، ترسم قصيدة عن الألم ومرارة الفقد طوال ساعة ونصف ، زوجها الموسيقار الفرنسي العظيم كان يستعد لعزف مقطوعته بمناسبة الوحدة الاوروبيّة ، لكن العائلة تفكّكت , والموسيقى التي كانت تعزف طوال أيام في منزل الموسيقار أصبحَت مُجرّد أوراق , نوتات موسيقيّة ليس لها مَعنى بغياب صاحبها ، والآن ، أين قصيدة الشعر ؟ إنها في روح جوليذاتها ، تلك الروح المُنقسمة ، الى روح تتعلّق بالماضي ، و أخرى تُفكّر بالمُستقبل .

انجاز كبير في هذا العمل ان تحافظ علي "تون"الصراع بين الروحين ، ارتفاع الأولى عن الثانية ، ثم خفوت الأولى و ارتفاع الثانية ، صراع لا يُحتمل ، لم يظهر هذا الصراع على جولي , من حيث قسمات الوجه أو ارتخاء العضلات , بل لأنها لم تبكي مُنذ الفقد ، لم تبكي أفراد عائلتها بكاءً حقيقياً , زوجها وابنها ، بُكاءها في المستشفى لم يكن على الفقد بقدر ما كان تعزية لها وتسلية ، أن تفرغ مكنونات روحها لدقائق معدودة عبر البكاء ، تكرّرت مفردة البكاء أكثر من مرة هنا ، البكاء في سينما كيشلوفيسكيبكاء مختلف ، طبيعي وحقيقي جداً ، إنه ذلك البكاء الذي قد يُفضّله أحد ما على لحظات السعادة ، البكاء الذي يعطيك دفعة هائلة للمستقبل والحياة ، البكاء الذي يُحرّرك من كل القيود ، لمن يريد أن يعرف كيف يكون البكاء في سينما كيشلوفيسكييجب أن يشاهد المشهد الأخير من (أزرق) عندما تبكي جولي بكاءً حاراً وصادقاً ، كأصدق ما يكون .

على مستوي الحرفيّة كيشلوفيسكييُبدع في استخدام الألوان والظلال والتشكيلات البصريّة ، يُكثر من استخدام الكلوز ابليؤكّد ابتعاده عن مشاهد ابتذال العاطفة واستدرار حُزن جولي، وساعده جداً أعظم آداء تُقدّمه جولييت بينوشفي مسيرتها ، آداء صامِت مكبوت يعتمد علي النظرات والايماءات فقط ، هي لا تفتعل شيئاً ولا توصل الحُزن أو الألم ، بل تتركُه يتسرّب الي قلوب المُشاهدين ، تنجح جداً في اقناعي بمشاعر انسانة تتمكّن من الاستمرار لعدم قدرتها - فقط - على الانتحار ، وفي نفس الوقت تُحب زوجها رغم علمها بخيانته .

Boyhood

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :5/5

بطولة : إيلار كولترين ، باتريشا أركت ، إيثان هوك
إخراج :ريتشارد لينكليتر (2014)

جلست عدة أيام و أنا أطالع تلك الصفحة البيضاء التي تنتظر جفاف حبرها ؛ الثكل الذي يضعه هذا العمل على عاتق من يُريد الكتابة عنه يبدو أكبر من طاقتي على الإحاطة بجميع ما تكتنفه هذه التجربة السينمائية التي نالت شهرتها , رغم التكتم الشديد للعاملين فيها , منذ اللحظة التي حاز فيها ريشارد لانكليتر , مُخرج العمل و كاتب نصه , على جائزة الأفضل في برلينمطلع العام الحالي ، السبب لذلك بسيط , كونه ليس من الأعمال التي تشاهدها ثم تصمت كما أن الكتابة عنه تبدو ضرباً من مُستحيل ! ، عمل نادر , مُتفرد , عظيم ؛ فرع من (شجرة الحياة) تركه (لنكلايتر) لينمو يوماً بعد يوم و يحصد تأثيره الذي لا أتوقع له اندثاراً قريباً .. أبداً !

خلال مشاهدتي , تساءلت أولاً , لماذا أجزم تاركوفسكيو هو يخط أطروحته اللازمنية (النحت في الزمن) : "السينما هي دائماً واقع مُسجل , و لذلك فأني أشعر بحيرة الحديث عنها !" , ثم تساءلت مرة أخرى عن ماهية السلسلة التوثيقية قليلة الشهرةUpالتي جعلها مايكل آبتد , المخرج الأنكليزي , مصدر هوس دراسة أفقية لعدة أفراد كل سبعة سنين على مدى نصف القرن الماضي تقريباً ؟ ، و ثالثة عن أصرار الراحل روجر إيبرتفي ضمها الى قائمة مشاهداته العظيمة ؟! ، قبل أن يكشف لنكليتر , بعد وقت قصير فقط من استرساله , عن وجهيّ العملة الواحدة ، شاشة السينما و عدسة الواقع !

من الجميل أن نعايش الفترة التي رافقت أطلاق عمل مشابه , فقط لتقدير حجم الدهشة التي عاشها متلقوه حينها , و لنكون (بعد أكثر من قرن و عقدين على ولادة الشاشة الكبيرة) في صف الناطقين بالحكم : هذا ليس كأي شيء شاهدناه من قبل ! ، و لنكلايتريُدرك حجم الجوهرة التي بين يديه , يصقلها بإخراج أبداعي ثابت المستوى على مدى عقد من الزمن , و يضعها بشكل آمن على رف كتاباته السينمائية المُفضلة ، و هو أفضل من يكتب بين مُعاصريه!

القصة , كما أصبحت يُدركها الكثير , ليست فقط عن سنوات في عمر (مايسون) وحده , رغم كونه محورها و مركز ثقلها الرئيسي , إنها بالقدر نفسه عن مُحيطه الأسري (والدته و شقيقته) , عن مُحيطه المجتمعي (مدرسته و عمله) , و عن ذاته ، لا ينأى الكاتب خلالها عن اختلاس لحظات زرع العقبات في حياتهم جميعاً و توجيه الضربات له بنفس الثقل الدرامي التي حولّ فيها فرانسوا تروفوعمله الأشهرThe 400 Blows الى رائعة الموجة الأكثر تأثيراً و بطله الصغير أنتوان دوينلالى شخص الموجة الأكثر شهرة ، فضلاً عن تفرغ المُخرج الكلي لاستدراك ردود الفعل التي لن تبدو غريبة على عدد كبير من المشاهدين أذا ما حلوا محلّهم!

في هذا الفلم لم يحاول لنكلايتر , كعادته , أن يقوم بدور الواعظ الأخلاقي أو المُحلل النفسي لشخصياته بل يكتشف معنا صيغاً جديدة للحياة , و بدائلاً ربما تكون او لا تكون ملائمة لنا نحن , و لكنها جديرة بالمحاولة و البحث مع كل طارئ ؛ أستطاع فيه أن يُعطي للكاميرا كل روحه و هو يلتقط نهج حياة النضوج بأدق تفاصيلها , صدقه و هو يرصد حياة مايسونبحلوها و مُرها , و أخيراً خبرته في لملمة ألبوم الصور و جعله مُقارباً للواقع الذي ألتزم تأمله أسبوعياً على مدى أثنا عشر عاماً سابقة ؛ سمات مُخرج شغوف بمهنته و بالغ التمكن منها , و هنا لنكلايتريحلُ في طليعة الصفوة , لا محالة .

لعبت عدسة لي دانيالز , مُدير تصوير لنكلايترالأثير , دوراً لا يُمكن أغفال براعته في هدم الحاجز بين المُشاهد و ما يُشاهده و في منح الفلم تراصفاً موزوناً و فهماً ودياً على مستوى أدراك اللحظة , و هي كثيرة ؛ لحظات السمو و الإنحطاط , لحظات البهجة و الإحباط , لحظة كوميدية عابرة و هو (مايسون) يُلاطف شقيقته المُشاكسة و أخرى مؤلمة يتوقف عندها الزمن , كمشهد الأم و هي تلتمس (بين دمعتين) من الغد تأجيلاً آخر ! ، موسيقى البوب , على الكفة الأخرى , كانت بُغية مُخرجها في التعبير عن مكنون بطله و هو يقلب صفحة ليبتدئ بأخرى و ينزع جلداً ليرتدي آخر .

أيضاً , ما يزيد من سحر حكاية الصبا هذه و يُرسخ قيمتها كسينما لمفهوم المُخرج المؤلف , و إن كان هذا العمل أصعب تعريفاً ببساطة أهدافها و أسلوب التعريف بها , هو أن لنكلايتريبدو و كأنه يمد يد العون لصبي الخامسة حتى يغدو يافعاً في الثامنة عشر من عمره , يحمله معه الى مستوى الموقف و يُهيئه لإتخاذ القرار ؛ ما يصلنا من هذا السلوك القائم على التعاطف مُهم جداً في تعميق الروح التي ألهمت العمل أدبياً و فنياً بل و جعلت منه استثنائياً بحق ، نحن أصبحنا نشعر خلال الرحلة أن (مايسون جونيور) , شخصية المعني , جزء لا يتجزأ من إيلار كولترين, مؤدي الشخصية ! ، نعيشها بدلاً من مُعايشتها , نراها ضحية للظروف التي مرت , ثم مُنتصرة على حيل و مقالب الأيام , ثم مُستقلة لا تنتظر أحكام الظروف و الآخرين ؛ الأمر لا يستدعي التأويل الكثير أو مُخالفة واقع الصبي/المؤدي إذا ما شاهدناه بعينيه ، و هذا يكفي كهدف نبيل لصناعة سينما!

ختاماً , هذا فلم مصنوع برقة تُلغي شعور المشاهد بثقل الزمن , و بكونه يشاهد فلماً روائياً ذو تخطيط مُسبق و تنفيذ آني , بل يُخال له أن الواقع أضمر كاميرا خفية لسبر أغوار أحد مُعاصريه و تكوين قدرة استثنائية على إفتان مُتتبعي شريطه الزمني ؛ أحد أجمل و أنقى التجارب السينمائية على الأطلاق و أفضل مشاهداتي حتى منتصف العام و لا أعتقد أن الأمر سيتغير كثيراً بعد انتهائه !

The Broken Circle Breakdown

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

التقييم :

بطولة :فيرله بيتنز ، يوهان هيلدنبيرغ
إخراج :فيليكس فان غرونينغن (2013)

قبل الحديث عن أي شيء ، أحب أن أسجل افتتاني باسم الفيلم ، وهو اسم المسرحية المقتبسة منه ، وكاتبها هو جوهان هلدنبلرجالممثل الذي قام بآداء دور ديدييرالشخصية الرئيسية في الفيلم.

بالنسبة للفيلم ، السيناريو ذكي للغاية ، ينتقل بين الخاص من حياة الانسان الشخصية والعام من أمور العالم السياسية والدينية بشكل رشيق تلقائي غير متوقع ، يضعك على المحك في مواجهة ما تحب وما تؤمن به مع ما يحدث من حولك ويعبث في حياتك رغماً عن إرادتك ، فيصعب تصنيف الفيلم أنه يتناول فقط قضايا أخلاقية أو سياسية كالقتل الرحيم أو مدى سيطرة أمريكا على العالم أو الإيمان بالإله في حين أنه يقدم لك جرعة إنسانية دسمة من خلال قصة الحب العذبة بين ديدييرو إيليزومرض ابنتهم بالإضافة إلى الجرعة الفنية المقدمة من خلال آداء إخراجي وتمثيلي عالٍ جداً مع خلفية موسيقية عظيمة من أغنيات موسيقى الكانتريالتي تضفي على الفيلم بهجة قوية مميزة رغم كل الحزن الذي يسكنه ، وفي نفس الوقت سيكون من الظلم اختزاله كفيلم يحكي فقط قصة حب بين رجل و امرأة وكيف تطورت الأمور بينهما.

استطاع السيناريو أيضاً أن يخلق شخصيات تتمتع بأبعاد مختلفة ، فـ (ديديير) لا يؤمن بالرب ويكره اعتماد الناس عليه في حين ان أغلب الأغاني التي يغنيها في الفيلم مستمدة من ترنيمات مسيحية دينية ، يحب أمريكا وموسيقى الكانتريالتي تميزها ويغني أغانيها مع فرقته ولكنه لا يأبه بسياستها كثيراً ، تنهار أبراجها في عام 2001 وهو يوليها ظهره ، ويسب حكامها حينما تحكموا في حياته عن بعد ، وحقيقةً لا أجد في ذلك تناقضاً ، هو فنان يحب الفن ويبحث عنه أينما كان ، أما (إيليز) فعلى الرغم من إيمانها بالإله وبتحكمه في الحياة لا تستطيع تحديد موقف من قضية الخلايا الجذعية - وخصوصاً بعد انتهاء الأمر بالنسبة لها - ترفض استهزاء ديديير بمعتقداتها ، إلا انها لا تلبث فتنهي حياتها بيدها بعدما سئمت وأنهكت من كل شيء

وعلى الرغم من قصة حبهما الطويلة ، إلا ان هذه الفروق والتناقضات لا تظهر إلا بعد أن تم الدفع بكل ما بينهما إلى الحافة بعد كل ما تعرضا إليه ، مما يفرض عليك التفكير هل هذه الفروق مشكلة بالفعل ، مشكلة ليس فقط بين ديدييرو إيليزوإنما بين أي اثنين تجمعهما قصة حب أما أنها وسيلة فقط للتنفيس عن كل الضغط والحزن والغضب.

الفيلم هو أحد أجمل أفلام عام 2013 بكل ما اشتمل عليه من إخراج قوي و مونتاج متميز جداً و آداء تمثيلي كما ذكرت عالِ وخلفية موسيقية تحيط بالفيلم كله لتصنع منه تحفة فنية متميزة.

Un Chien Andalou

$
0
0
كتب :عماد العذري

التقييم :4.5/5

بطولة :بيير باتشيف ، سيمون ماراي
إخراج :لوي بونويل (1929)

كان بونويليعمل كمساعدٍ للمخرج و المنظّر الفرنسي جون إبشتاينعندما جلس مع صديقه المقرب سالفادور داليو أخبره عن حلم الليلة الماضية الذي شاهد فيه قمراً تقطعه السحاب الى نصفين ، فأخبره دالي عن حلم رآه في الليلة ذاتها شاهد فيه يداً يخرج منها النمل ، فقال بونويل (هذا هو الفيلم) ، و كان !

أعترف بأن نظرتي لهذا الفيلم تغيرت بمرور الزمن و كثرة الأعمال السينمائية التي شاهدتها و تعدد مشاهداتي له بحكم مدته الزمنية القصيرة ، و هذا التغيير لم ينجم في الواقع عن فهمٍ أفضل للشيء الذي شاهدته أول مرة ، بل جاء من فهمٍ أفضل للطريقة التي يريدنا بونويلان نرى فيلمه من خلالها .

حقق بونويلهذا الفيلم خلال فترةٍ قياسية لم تتجاوز الأيام العشرة و بميزانيةٍ متواضعةٍ جداً استدانها من والدته ، و كان محظوظاً بالحصول على عرضٍ باريسيٍ محدود حضره جون كوكتوو بابلو بيكاسو، قيل بأن بونويلملأ جيوبه بالحجارة تحسباً لخيبة أملٍ قد تضطره لرمي الجمهور بها قبل مغادرته محبطاً ، لكن الجمهور احتفى بالفيلم و حوّل العرض المحدود إلى نجاحٍ نسبيٍ جيد و هذا ولّد خيبة أملٍ لدى سالفادور داليالذي توقع فشل الفيلم !! ، كان ذلك النجاح نصراً جوهرياً لبونويلعلى البرجوازية (الفرنسية تحديداً) التي استلذ بمهاجمتها في أعماله اللاحقة ، في تلك الفترة كانت السينما الطليعيةقد كرست نفسها لإرضاء غرور الطبقة البرجوازيةبصناعة أعمالٍ غير جماهيرية لا يفهمها (أو يدعي فهمها) سوى هذه الطبقة التي تتباهى بذلك ، تقديم بونويللعملٍ سرياليٍ يتقبله الجمهور العادي في الصالات كان نصراً حقيقياً له سرعان ما تحوّل إلى احباط عندما أعجب البرجوازيون ذاتهم بفيلمه !! ، لكن بونويلتجاوز ذلك لاحقاً مع الأبواب المغلقة التي فتحها له هذا النجاح ، يكفيه أن رائد السرياليةأندريه بروتونرحب به و اعتبره أول فيلمٍ سينمائيٍ سريالي ، نجاحٌ دفع عائلة دو نوايالثرية لتقديم مقترحٍ بتمويل جزءٍ ثانٍ من الفيلم سرعان ما تعرّض لسيلٍ من التعديلات قبل أن يتحول إلى مشروعٍ مستقل شكّل نجاح داليو بونويلالتالي The Golden Age.

لا توجد حكايةٌ في الفيلم لتروى ، و هذا جزءٌ من خيبة أمل بعض من سيشاهدونه ، الفيلم صنعه الرجلان دون حكاية ، بعيداً عن المنطق ، خالياً من الترميز ، و الطريقة الوحيدة لمحاولة فهم بعضٍ مما يجري هي التحليل النفسي كما يقول بونويلنفسه ، مجموعةُ متتاليةُ من الصور السريالية غير المترابطة سردياً تجمعها الصدمة التي تولدها في المشاهد و النابعة من غرائبية ما يجري ، يعتمد الفيلم آلية (الحلم) في السرد السريالي و هو شيءٌ أثّر لاحقاً بقوة على أفلامٍ مثل Meshes of the Afternoonو Eraserheadو زاد من قيمته بنظري ، تقوم السريالية على تحرير النفس من ارتباطات (الواقع) و (الوعي) من أجل تفسيرٍ جديد لـ (واقعٍ بديل) عن طريق (اللاوعي) ، بمعنى اعادة تشكيل جزء مما نعيشه في الواقع ، و هذا ما يقوم عليه هذا النص ، سبر الكثير من المواضيع عن الغرائز و الجنس و الذكورية و الأنثوية في آنٍ واحد دون تفسيرٍ أو تأويل قد يُسقط منطق الواقع البديل الذي تقوم عليه السريالية، و هذا التفصيل كان معاكساً تماماً للتعبيريةالتي راجت بفضل سطوة السينما الألمانية في تلك الحقبة ، تتعامل التعبيريةمع الأدوات البصرية لإدراك الشعور المحسوس في المشهد ، بينما تقوم السرياليةعلى التعامل مع الأدوات البصرية لإدراك ما لا يرى و ما لا يمكن وضعه في المشهد ، الأولى تستثمر البصر من أجل اعطاء قيمةٍ لما تراه ، و الثانية تستثمره من أجل اعطاء قيمةٍ لما لا تراه .

بناءً على ذلك ينبع جزءٌ من روح السريالية– كمدرسة و كنهج و كوسيلة تعبير – من صلب التحررية و التمردية التي قامت من أجلها ، التمرد على النسق السردي و البصري و الزماني و المكاني ، الفيلم يفكك بشكلٍ كلي – و للمرة الأولى في تاريخ السينما – آليات السرد التقليدية المتّبعة و يعيد بناء صورته الخاصة التي تستنطق سيكولوجية (الحلم) البشري ، لا يريد أن يبدو كـ (حلم) بل هو حلمٌ حقيقيٌمكتمل الأركان، مهما أوغلت في الامساك بمفاتيحه ستكتشف لاحقاً أن الصورة أعقد مما تبدو عليه ، خذ مثلاً المشهد الافتتاحي المعنون بـ (حدث ذات مرة) ،  رجلٌ (يؤديه بونويلنفسه) يشحذ شفرة حلاقة و يتأمل السحابة التي تقطع القمر الى نصفين ، سنشاهد في اللوحة التالي الرجل يقطع بشفرة الحلاقة عين امرأةٍ إلى نصفين في مشهدٍ كلاسيكيٍ شهير ، قد تبدو اللوحة لوهلة متسقةً من الناحية الشكلية للسرد بالرغم من غرائبيتها و عدم تفسيرها ، في اعادة المشاهدة أجد بأنه حتى تلك الأمور التي تبدو متسقةً لوهلة هي ليست كذلك أبداً ، تأمل القميص الذي يرتديه الرجل و تأمل الساعة في يده اليمنى في الافتتاحية ، ستكتشف أن مشهد شحذ السكين شيءٌ مختلفٌ تماماً و مستقل السياق عن مشهد العين المقطوعة الذي يؤديه رجلٌ بقميصٍ مخطط و ربطة عنق و دون ساعة يد ! ، الفيلم يستلهم البنية السردية للحلم القائمة على (التدفق الشكلانيللصورة) ، اللوحة التي تنقلك من خلال تفصيلٍ بصريٍ ما الى لوحةٍ أخرى مستقلةٍ لا تمت للأولى بصلة ، في لوحةٍ تالية نشاهد حفرةً يخرج منها النمل في يد شاب ، ينقلنا (شكلها) إلى ابط امرأةٍ نائمة سرعان ما يرسلنا (الشعرالموجودفيه) إلى قنفذٍ يقودنا (تكوّره) إلى Iris Shotتتسع على أناس يحتشدون في شارع ، إعادة تجسيد للبنية السردية للحلم القائمة على (اللامنطق) لأن الحلم آتٍ في الأساس من (اللاوعي) ، يبدأ في منطقة و ينتقل إلى أخرى بناءً على (مشتركاتٍ بصرية) ، بناءً على تلك المشتركات مثلاً يمكن أن تبدو اللوحة الأولى (حدث ذات مرة) على النحو التالي : شفرة حلاقة في يد رجل / الشفرة تتوازى بصرياً مع السحاب الذي يقطع القمر / القطع يتوازى بصرياً مع قطع عين امرأة / المرأة هي ذاتها التي نراها في اللوحة التالية مباشرةً (بعد ثماني سنوات) ! ، و تفكيك السرد هذا لا يقوم فقط على البنية الشكلية للصورة بل أيضاً على العبث بالزمان و المكان ، الإنتقال العبثي من غرفةٍ الى أخرى ، و من المنزل الى الشاطيء ، بعد ثماني سنوات مثلاً نرى المرأة دون عينٍ مقطوعة ! ، قبل 16عاماً نرى الشاب ذاته دون تغيير عمري ! ، تعرف تلك الملامح المشوشة من حلمٍ تستيقظ منه و تتذكر فيه أنك شاهدت جارك المتوفي متزوجاً من ماري أنطوانيت و يحاول استدانة بعض النقود منك كي يستطيع الإنفاق على دراستك ؟!، هذا ما يحاول أن يفعله بونويلو داليهنا ، السرياليةتسقط عندما نمنطق آليتها السردية لأننا نقع في تضادٍ مع روحها القائمة على إعادة تعريف الوعي البشري للواقع (حياتنا الإعتيادية التي نعرفها) من خلال استنجاد اللاوعي و تقديم الواقع بصورةٍ (أقل واقعية)، لذلك فالمنطق المعاكس لإعادة تفسير أي عملٍ سريالي و القائم على (ردم المساحة بين الصورة الأقل واقعية القادمة من اللاوعي (أو الحلم هنا) و بين صورتها الواقعية الأصلية القادمة من الوعي (منطق الحياة التقليدي)) هو منطقٌ قائم في أساسه على عقلية المتلقي و طريقة تفكيره ، لذلك لا يمكن الخروج بتفسيراتٍ متشابهة أو كاملة مع  العمل السريالي و هذا يفسر ارتباطه الوثيق بعالم الأحلام حيث يبلغ (اللاوعي) منتهى فعاليته و تأثيره .

إذاً هل يعني هذا تفسير أي عبثٍ بصريٍ على الشاشة بأنه سريالية ؟!، بالطبع لا ، تفكيك البنية السردية (بصرياً و زمانياً و مكانياً) لا يعني فقدان المعنى و إنما تحرير (لاوعي) المشاهد لإدراك ما يشاهده (وعيه) و بالتالي محاولة ترتيبه و فهمه بالطريقة الأقرب إليه ، شيءٌ أقرب الى لوحة فسيفساء مشبعة الألوان يراها كل شخص من منظور اللون الذي يحب دون أن ينكر بالمجمل الفسيفساء ذاتها، القيم التي قامت عليها السرياليةهي نقد القمع الأخلاقي و الاجتماعي بكافة صوره و أشكاله، و لوحات الفيلم المبعثرة قابلة للقراءة مراراً و تكراراً في هذا السياق بتفسيراتٍ متفاوتةٍ و نسبية : الذكورية ، و الانثوية ، الإزدواج الجنسي ، الغرائز ، الأوديبية ، التسلط ، الأبوية ، العنف ، المشاعر المقموعة ، ذاتية الفن ، قيود المجتمع ، سطوة الدين ، الموت، تفاصيل كثيرة تفقد اتساقها السردي و تبدو ذاتيةً جداً و خارجةً بالفعل من أحد أحلام بونويلو هذا يفسر تكرار تناولها بصورةٍ أو بأخرى في أفلامه اللاحقة .

بونويلبرأيي هو أعظم من قدم السريالية سينمائياً ، أحب فيه بصورةٍ أكبر أعماله السرياليةاللاحقة التي لا يراودني فيها الشعور الملح بسريالية ما أشاهد و أفضل فيه أعمالاً مثل The Exterminating AngelوTheDiscreet Charm of the Bourgeoisieعلى هذا الفيلم مع اقراري بأن فكرة أن هذه التجربة انجزت في عشرينيات القرن الماضي مثيرةٌ بحد ذاتها خصوصاً في ملامستها غير المباشرة للجدلية المعروفة حول معنى (الفن) و هل هناك معنى قابل للقياس لـ (الفن) أم أنه مقاربة لا شعورية لشيءٍ في لا وعي الانسان يقترن بالجمال و هنا تكمن نسبيته و نسبية تعاملنا معه ، بذات الطريقة تأتي نسبية ما نشاهده مع بونويلو محاولة فهمه ، أي محاولةٍ لتفسير الفيلم قائمةٍ على (الوعي) ستسقط لأنها ستحاول أن تدرك بقوانينه المحصورة ما يفترض أن يدركه (اللاوعي) عبثي القوانين ، لذلك وجدت كتب تفسير الأحلام ، و لذلك أخرج بونويلهذا الفيلم .

The Tin Drum

$
0
0
كتب : أحمد أبو السعود

التقييم :3.5/5

بطولة :ديفيد بيننت ، ماريو أدورف
إخراج :فولكر شليندورف (1979)

تلعب الموسيقى هنا الدور الأهم في المزج و التكثيف بين مفاصل الفيلم المختلفة من حب و حرب و طفولة و دين و جنس  و التعبير عن قسوة العالم بالتوازي مع الحس الكوميدي الواضح في الموسيقى كوسيلة أو كرد فعل معاكس لما تُخلَفه الحروب من خراب و دمار ، الموسيقى هنا تغوص في أعماق الشخصيات دون أن تنسى ما يحدث في العالم حول تلك الشخصيات ، تخلق للفيلم إيقاعاً واضحاً منذ موسيقى تتره الافتتاحي ؛ حيث ذلك المزج محسوس و مميز ، لكن فى النهاية لماذا يبدو (أوسكار- بطل الفيلم) شخصية باردة بعيدة كل البعد عما تحاول الموسيقى إيصاله إلى المتفرج  ؟!

يقرر (أوسكار) فى عيد ميلاده الثالث ألا ينمو جسده أكثر من ذلك ، فالعالم قاسي في الخارج و لا يرحم ، و ما أن ينتهى من حرب حتى يبدأ في حرب جديدة ، الفترة التاريخية التي يختارها الفيلم و السرد الذى يختاره السيناريو للأحداث و تنوع الشخصيات و ثراءها الدرامي و خصوصية الأماكن و تأثيرها على الشخصيات ، كل ذلك كفيل بخلق دراما ثرية و جذابة على مدار ما يقرب من الثلاث ساعات ، لكن النتيجة النهائية كان بها قدر من التشتيت و البرود.

يبدأ الفيلم بمشهد جميل ذي إيقاع ساخر يجمع بين الجنس و الصدفة و السياسة و الحرب ، يُعزز من قيمة ذلك الإيقاع هنا الموسيقى و الصورة و الأهم صوت أوسكارفي الخلفية راوياً للأحداث ، كل شيء إذاً يبدو مثالياً في المشهد الافتتاحي ، يُعلن الفيلم عن قوته مُتبنياً بعداً حميمياً جميلاً مُتمثلاً في صوت أوسكاركراوي للأحداث ، أوسكار هنا هو مركز الأحداث ، هو الاختيار الذى تبناه السيناريو لنرى من خلاله الأحداث المتشابكة خلال تلك الفترة ، لكن لا تسير الأمور على ما يرام دائماً ، حالة الترميز الشديدة المنتشرة في الفيلم تبدو إلى حد بعيد خارج سياق الإيقاع الساخر الحميمي الذى قدمه المشهد الافتتاحي ، فمن الأبوين اللذين يحظا بهما أوسكارو تباين خلفيتهما التاريخية و الزمنية و السياسية ، للطبلة التي ظل أوسكارملتصقاً بها طوال حياته ، لفكرة أنه قرر ألا ينمو مجدداً ، لطبيعة ظهور الشخصيات و انتشارهم على مدار السيناريو ، و التعبير البصرى الممتلئ بإشارات و رموز مباشرة و واضحة لا تضيف جديداً مثيراً لأفكار الفيلم و أحداثه ، و القفزات الزمنية في الأحداث لم يُراع فيها التوازن بين تطور الشخصيات و تصاعد بوادر الحرب و أثرها ، كل ذلك كان من الممكن هضمه و التغاضي عنه في سبيل الاستمتاع بنواحي جمالية أخرى في الفيلم كالموسيقى مثلاً و كيف أنها كانت العنصر الوحيد تقريباً الذى ظل مُحافظاً طوال الوقت على طبيعة الإيقاع الذى قدمه الفيلم في مشهده الافتتاحي ، أو الصورة التي كانت أغلب الوقت مميزة في زواياها و أحجام لقطاتها و حركة كاميرتها ، لكن ، يأتي اختيار المخرج للطفل الذى قام بدور (أوسكار) سيئاً جداً فالطفل لا يتمتع بأي كاريزما أو موهبة أو حضور من أي نوع و قادر بافتعاله و تزيده نسف كل لحظة حميمية جميلة يقدمها السيناريو ، حتى أن الشخصية نفسها بدت بصوته المزعج و عيونه الباردة شخصية مستفزة و سطحية و غير واضحة ، في النهاية يُحسب للفيلم مرور مدة عرضه التي تقترب من الثلاث ساعات بدون ملل مزعج بفضل المونتاج و الموسيقى و بعض المشاهد الرائعة المنثورة في الفيلم مثل مشهد البداية و مشهد النهاية أو مشهد تخيل أوسكارلراسبوتين، أو مشهد دخوله الكنيسة مع أمه عندما ذهبت لتعترف ، أو مشهد قتل الراهبات اللاتي يستمتعن بالتقاط القواقع على شاطئ المحيط ، كل تلك المشاهد كانت تُكثف و تمزج ببراعة بين كل اتجاهات الفيلم الفكرية و التاريخية .

تبدو التجربة في المُجمل واعدة و طموحة و بها هامش مميز من التخيل و الفانتازيا المُصاحب لطفل توقف نموه في فترة حرجة في تاريخ الإنسانية ، تنطلق الموسيقى بهذا الهامش إلى مستوى قوى و متميز و تتأرجح الصورة بين جمال ذلك الهامش و بين مشاكل السيناريو .


La dentellière

$
0
0
كتب : فراس محمد

التقييم :4/5

بطولة :إيزابيل أوبير ، ايف بينيتون
إخراج :كلود غوريتا (1977)

قلة الخبرة , الخجل , والخوف من التجربة كانت اساس الشخصية الرئيسية في هذا الفلم للدرجة التي وفرت على مخرجه تقديم مشاهد مواجهة تعري فيها هذه المشاكل وتكشفها بشكل مباشر ووقح  , و ايزابيلأوبيرقدمت الأداء الذي يوفر على مشاهدي الفلم السؤال عن تلك المكاشفات والمواجهات التي كانت ضرورية لو لم تكن أوبيربالأساس على درجة عالية من الاستيعاب لهذه الشخصية الهشة , ولو لم يكن مخرج الفلم كلودغوريتاعلى درجة عالية من الثقة بهذا الأداء الذي نقل الفلم من مرحلة الاستفهام لمرحلة الملاحظة والقراءة لهذه الشخصية ولطبيعتها بتصوير الحياة من خلال سلاستها , ومن خلال تكريس هذه الميزة كانت تنسل تعقيدات هذه الشخصية وضعفها .

مبدأياً من المثير جدا مشاهدة هذا الأداء لأيزابيلأوبير , ومن المهم ايضاً مشاهدته لها بعدما شاهدت أداءاتها في أفلام مثل Loulouو  The Piano TeacherوWhite Material, في هذه الافلام قدمت أوبيرشخصيات تتحلى بالقوة التي انعكست على ملامحها , شخصيات تعرف ماذا تريد وكيف يجب ان تحصل عليه , لديها الرغبة بالتحدي , على عكس هذا الفلم تماماً , الشخصية هنا تعيش مع بداية الفلم حالة صراع بين الطفولة والبلوغ مع وصولها الثامنة عشرة , ما الذي يتوجب عليها التخلي عنه لتصل مرحلة البلوغ , وما الذي عليها ان تكتسبه في هذه المرحلة (تحضرني هنا شخصية ايديلفي فلم كشيشالاخير إلا أنها كانت أكثر حضوراً وأكثر جرأة في اكتشاف نفسها من شخصية هذا الفلم)  , هنا شخصية لا ترغب في مواجهة العالم وخوض التجربة , لكن العالم هو من يقتحم حياتها , فتاة لا تعرف ماذا تريد ولا كيف يجب ان تكون , وبتلك السلاسة التي صور بها الفلم سير حياتها يقتحم شاب اطار الشخصية , يزعزعها , يواجهها مع حقيقة ومتطلبات الحياة الاجتماعية التي كانت رعونتها الطفولية قد منعتها من الاحساس بأهميتها , وقد وضع الفلم بلمحات ذكية مدى الحاجة لأن تتغير , كل شيء يتحول لعائق في حياتها , ابتداءً من عبور الشارع انتهاءً بنقاشات زوجها مع اصدقاءه الذين لم تستطع مجاراتهم ثقافياً وفكرياً ، مروراً بتصوير مدى ضياعها بعيدا عن مطبخ البيت .

الفلم ينتقل بشكل رشيق من التمهيد لهذه الشخصية لمرحلة تسليط الضوء على الفارق الثقافي التي برز اثر علاقتها مع فرانسوا , براءة بياتريس (أوبير) كانت حجر العثرة أمام انفتاحها , وقلة خبرتها بالحياة قتل طموحها , وهذا كان بالنسبة لفرانسوا سبباً للنفور منها , علاقته بها بدأت تتحول أمام الكاميرا من علاقة حب لعلاقة ابوة , ورغم ان الشخصية التي قدمتها أوبيرلا يمكن إلقاء اللوم عليها , لا يمكن اعتبارها سوى ضحية مجتمع اوروبي متطلب إلا ان شعور الذنب تجاهها كان المسيطر خلال الربع الاخير من الفلم , فهذه الشخصية هي من تلك الشخصيات البلورية التي تخدش وتكسر بسهولة , هي التي تمثل القليل النادر من النقاء , هي من النوع الذي يجب الصبر عليه واستيعابه بدل مواجهته بضعفه وعجزه ، من النوع الذي يجب ان تتكفل عناء النظر إليها من الداخل , وإلا فأنها لن تتوانى عن القيام بادعاء التغير , كما صور الفلم في ختامه ، رغم انها داخلياً عاجزة عن ذلك .

المثير للمفارقة ان شخصية بياتريس , ورغم انها ضمن مجتمع اوروبي حاول الفلم قدر الامكان ان يصورها وكأنها لا تنتمي له قدر انتماءها لطفولتها , ورغم ان الفلم صورها وكأنها شخصية غير مرغوبة من قبل الرجال في هذا المجتمع , إلا انها بالنسبة لي بدت اقرب للفتاة الشرقية بالشكل العام , فتاة اختصرت طموحها بإرضاء زوجها او حبيبها , اختصرت مستقبلها بما تجنيه من عملها الروتيني , اختصرت ثقافتها بما تستطيع تعلمه من زوجها , ولا استغرب ان يكون الرجل في المجتمعات الشرقية يتمناها بهذه الطريقة , هذا الفلم من الممكن ان يشاهده الشرقيون بعين مختلفة عما يشاهده الغربيون , قد يتعاطف معها الشرقي بشكل مختلف عما يتعاطف معها الغربي , قد يرى فيها الشرقي فرصة لحياة مستقرة يكون فيها الرجل كل شيء بينما قد يرى بها الغربي معضلة الفارق بالثقافة والاهتمامات والحياة الجامدة  , الفلم يستطيع ان يطرح الكثير من وجهات النظر تجاه فتاة احادية سطحية ضعيفة ميتة الطموح كبياتريس , ورغم ان الفلم (ربما) لم يقصد ان يمنح فلمه هذه الكيفية من القراءة , لكن لا يمكن انكار انها من الممكن ان تكون واردة .

بالنهاية , ايزابيلهوبيرممثلة تملك في سيرتها السينمائية العديد من المفاجآت , لم أكن اتوقع ان ارى صاحبة الملامح الجافة ونظرة العينين المحيرة والحضور المسيطر بهذه الهشاشة وهذا الضعف وهذا الحضور الجسدي الذائب والمتواري (وربما كان ذلك سبباً اضافياً لتعاطفي معها) بعض اللقطات كان من اللازم تكرارها أكثر من المرة للتأكد , هل هذه أوبير , ترددها الغير مصطنع وملامحها الطفولية التي لم تتعارض مع شكلها الانثوي الناضج ملأ الشخصية بالاسئلة والاجوبة والمشاعر والافكار , هذا الأداء قد يمر مرور الكرام لمن لم يشاهد سواه لهذه الممثلة , لكن عدا ذلك فأن كل حركة وكل نظرة منها ستكون ملفتة للنظر (في أحد المشاهد تبدو حركة يديها المترددة بالتقاط اللوحة من يدي فرانسوا  كافية لتعري الشخصية تماماً وكشف ضعفها) , ومن الجيد أن قامت البافتابالإلتفات لهذا الأداء ولهذه الممثلة باكرا بتقديم جائزة أفضل أداء واعد عام 1977قبل ان تتكفل أوبيربانتزاع الجوائز من كل حدب وصوب منها اثنتين من كانومثلهما من فينيسيا .

The Emperor's Naked Army Marches On

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

اخراج :كازو هارا (1987)

"الفيلم الوثائقي عليه اكتشاف الأشياء التي لا يريد الناس كشفها، أن يخرجها من الخزانة، حتى يدرس لمَ يرغب الناس في إخفاء مثل تلك الأمور" - كازو هارا

لا يمكنك ألا تقع أسيراً لشخصية كينزو أوكوزاكي، قد تحبه وقد تكرهه ، قد تراه مجنوناً خطراً أو نبيلاً في عالم مجنون ، لكنك طوال مدة عرض الفيلم لا يمكنك تجاهل أوكوزاكيعلى حساب أي من عناصر الفيلم الأخرى.

 الفيلم الوثائقي – الذي تم صنعه في خمس سنوات – يبحث عن حل لغز عمره أكثر من أربعين عاماً ، لغز مقتل اثنين من الجنود اليابانيين تم إعدامهما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة خلال حصار قوات الحلفاء للقوات اليابانية المهزومة ، أوكوزاكيمحارب سابق في الجيش الياباني وأصبح بعد الحرب ناشط سياسي متطرف ، سبق له أن قضى ثلاثة عشر عاماً في السجن لقتله سمساراً وقذفه كرات رصاص بالمقلاع على الإمبراطور – الحادثة التي يفخر بها كثيراً – بالإضافة إلى نشر رسوم إباحية لإمبراطور كان يعبده البعض.

أوكوزاكييعتقد أن الإمبراطور هو أجبن رجل في اليابان لإنه لم يتحمل مسئوليته ويعترف بأخطائه في الحرب ، أوكوزاكييكره من لا يتحملون المسئولية بينما هو يعترف بذنبه (قتل السمسار) وتحمل أثره فلم يحاول الهرب ، لذا – وحتى بعد أن قضي عقوبته – لازال يركب سيارته المغطاة بالشعارات ضد الإمبراطور في نفس يوم عيد ميلاد الإمبراطور ، يخطب داخل السيارة في الناس بمكبر الصوت ، تحاول الشرطة إيقافه لكنه لا يكترث.

أوكوزاكييتقمص دور المحقق وتتبعه كاميرا هاراالمحمولة أينما ذهب ، يذهب إلى جنود وضباط سابقين ليتقصى معلومات قد تساعد على حل لغز مقتل الجنديين بينما لديه فكرة ضبابية عما يظن أنه حدث ، يرفض أحدهم تزويده بالمعلومات ، يقوم أوكوزاكيبضرب الرجل المريض الطاعن في السن ويخبر المصور/المخرج بأن يقوم فقط بالتصوير ولا يهتم ، أوكوزاكييريد معرفة الحقيقة بغض النظر عن الطريقة المستخدمة ، فهو يظن أن الأجيال الجديدة متى عرفت الحقيقة ستتصدى لأي حرب جديدة حيث أن التلفاز والسينما جعلوا من الحرب بطولة بينما هي مأساة خالصة ، عقيدة أوكوزاكيتقضي بأن العنف أقرب إلى العدل متى تم استخدامه لكشف حقيقة.

سنعرف أن قتل الجنديين له علاقة بالحصار المفروض على القوات اليابانية ، حيث تم قطع إمداد القوات من الغذاء ، فقام اليابانيين بأكل جنودهم ، لم يتمكنوا من أكل المحليين "الخنازير السمراء"حيث أنهم أسرع من أن يتم اصطيادهم ، بينما جنود الحلفاء "الخنازير البيضاء"أكلهم محرم بأوامر من القيادة.

سنعرف كذلك أن السبب الرسمي لإعدام الجنديين كان الهروب من ميدان الحرب وإن كانت قد انتهت ، بينما السبب الخفي كان حاجة القوات إلى الطعام ، وكان الأقل رتبة في مناخ طبقي مثل الجيش هو الاختيار الأول في لائحة الطعام ، من جوانب تفرد الفيلم كان كشفه جرائم الحرب داخل الجيش الواحد ، وليس لجيش في حق آخر أو في حق مدنيين ، أوكوزاكيسيحاول قتل أحد القيادات المسئولة عن قتل الجنديين لكنه لن ينجح وسيقوم بإصابة ابن الرجل ، سيحكم عليه بأن يقضي إثنى عشر عاماً في السجن للشروع في القتل.

ربما تكون القراءة صادمة ، ومشاهدة الفيلم بالتأكيد صادمة أكثر ، فالفيلم مروع لكن الحقيقة – كما نعرف – دائماً أشد قسوة ، الفيلم لم يعرض صور أرشيفية أو رسوم تخيلية لكن ترك المساحة كاملة لمخيلة المشاهد حتى تنهش في إدراكه وما دون إدراكه ، وهذا في إعتقادي من مصادر قوة الفيلم حيث أن عبارة "لا يمكن تصور مثل هذا"غير دقيقة ، فأي شيء يمكن تصوره متى توافرت الرغبة والمعلومة ، وإن كان تصوّر الحقيقة بالغ الصعوبة ، ليس بدافع العجز ، لكن لسابق المعرفة أنها لا تُحتمل.

"للكثيرين منكم هذه البلد تعني الكثير ، لكني – بناء على خبرتي – أرى الدولة جداراً يفصل بين البشر ، جدار كبير يمنعنا من المضي سوياً ، يعزل الإنسان عن الإنسان ، بكلمات أخرى هي ضد القانون الإلهي ، لذا أنوي أن استمر في مهاجمته" - كينزو أوكوزاكي

After the Wedding

$
0
0
كتبت : فاطمة توفيق

التقييم :3/5

بطولة :مادس ميكلسن ، سيسه بيبد كنوسن
إخراج :سوزان بير (2006)

لا تكف سوزان بييرعن دفع شخصيات أفلامها بكل مشاكلهم ونفسياتهم المعقدة إلى حافة الهاوية ، تضعهم على المحك ولا تترك لهم سوى خيارين ، إما تجاهل مبادئهم والتصرف بناءً على طبيعتهم البشرية الضعيفة ومشاعرهم ، أو اختيار مبادئهم بغض النظر عن أي شيء آخر.

كنت شاهدت لنفس المخرجة من قبل فيلم In a Better Worldو وجدته فيلماً جيداً جداً ، فهي تهتم بالطريقة التي تبني بها شخصياتها بشكل ممتاز (حيث أنها المؤلفة والمخرجة للفيلمين) كما تهتم بصنع حبكة مليئة بالتفاصيل الإنسانية ، كما أن الفيلم على مستوى الصورة مبهر ، وكذلك خلفيته الموسيقية ، إلا أنك قد تجد بعض الفتور و البطء ربما تتعمده هي لنقل الحالة كاملة .

الفيلم هنا After the Weddingيشبه  In a Better Worldكثيراً ، ليس فقط فيما ذكرته من عناصر سينمائية و إنما في تشابه ظروف و حياة شخصياته ، في الفيلمين نجد الشخص الدنماركي المتطوع في البلاد الفقيرة (الهند / افريقيا) ، نجد المشاكل والتعقيدات في العلاقات الزوجية وتأثيرها على الأبناء ربما هي مهتمة بالقضيتين بشكل خاص ، وربما تهتم أيضاً بأن تُرِيَ المجتمع الدانماركي المرفه أنه في أجزاء أخرى من العالم توجد شعوب فقيرة جائعة ينقصها الكثير ، ويتضح ذلك بشدة في After the Wedding، ففي بداية الفيلم وبعد أن نشاهد الهندالفقيرة الحارة المزدحمة ننتقل فجأة إلى الدانماركالواسعة النظيفة المرتبة ، كما يتجلى ذلك أيضاً في شخصية (جاكوب) القادم من الهندوهو يتجول خلف موظفة الفندق في الجناح الفخم المخصص له ، وهو لا يعرف كيف يتعامل مع الأشياء فيه.

مشهدا البداية في الفيلمين متطابقان ، وهو الرجل الغربي الأبيض الذي يركب في شاحنة تسير بسرعة ويجري خلفها مئات من الأطفال الفقراء ، في الحقيقة عندما شاهدت المشهد في  In a Better Worldاستفزني ووجدته عنصرياً ، إلا أنني عندما شاهدته هنا مرة أخرى فكرت أن المخرجة ربما تريد أن تبرز مدى هيمنة العالم الغربي - بالذات اقتصادياً - على العالم كله ، والتي تدفع بمئات من البشر للركض وراء شخص واحد للحصول على لقمة أو لعبة.

أعود إلى الفيلم هنا وكما قلت هو يبدأ بإبراز التناقض الواضح بين البلدين (الهندو الدنمارك) ثم يتسلل ببطء إلى الحياة الشخصية لأبطاله بشكل أحياناً لا تفهمه ، ثم وبعد مرور 70دقيقة من الفيلم يكتنفها الكثير من مواطن القوة والضعف سنفهم لماذا وضعت المخرجة هذه الخيوط منذ البداية ، وكيف ستضع شخصياتها في مفترق طرق وتجعلك تحتار معهم وتفكر من منهم يستحق تعاطفك ومن منهم لا ؟ ، كما أنها برعت في صنع شخصياتها هنا وجعلت من كل منهم تركيبة انسانية طبيعية بكل ما فيها من تعقيد وتناقض.

ينتهي الفيلم بنهاية وجدتها ضعيفة مقارنة بباقي الفيلم ، وأحسست أن المخرجة تحاول أن تسلك طريقاً آمناً ولا يكون فيلمها معقداً حتى نهايته فلا تخسر الجمهور الذي يشاهد السينما ليستمتع فقط ، كما وجدت أن نقطة ارتكاز الفيلم وقوته لم تعتمد فقط على حبكته وتعقيد شخصياته ، وإنما اعتمدت بشكل أساسي وقوي على أداء الممثلين فيه والذي كان مبهراً بدون استثناء أحد منهم تقريباً، في النهاية أعتقد انه يقف في منطقة وسط ما بين الأفلام الهوليوودية بحبكاتها المتقنة والمشوقة والأفلام الأوروبية بتركيزها على التفاصيل الانسانية ، كما يشوب الفيلم شيءٌ من طابع وثائقي يظهر خصوصاً في المشاهد التي صوّرت في الهند .

Three Colors: White

$
0
0
كتب : محمد السجيني

التقييم :4.5/5

بطولة :جولي ديلبي ، زبيغنيف زاماخوفسكي
إخراج :كشيشتوف كيشلوفسكي (1994)

الفيلم الثاني من ثُلاثيّة الألوَان للبولندي كيشلوفيسكي، المعروض في فبراير 1994 في مهرجان برلين وحاز على جائزة أفضل اخراج ، لا يُكمل ما قبله رغم ظهور جوليفي قاعة المحكمَة اثناء بحثها عن المُحَاميّة ، يتحدّث كيشلوفيسكيهُنا عن المساوَاة ، ولا يتّخذ الكادحين ولا الديمقراطيّة مثالاً هُنا ، وانّما يُقدم مُعالجة مُختلفة بالحديث عن مساوَاة المشاعر .

رجُل بولندي يُدعي (كارول) مُتزوّج من امرأة فرنسيّة تُدعي (دومينيك) ترفع عليه قضيَّة مُطالبة ايّاه بالطلاق لعدَم قُدرته علي تلبيّة احتياجاتها ، تحكم لها المحكمَة ويُفلس كارولتماماً ، يقضي ليلته الأولى في انفاق القطارات ويعزف بعض المَعزوفات لجني المال ، و أثناء ذلك يمر عليه رجل بُولندي يُدعى (ماكلوي) و يعرض عليه العودة لبولندا بشرط أن يقتل شخصاً يرغب بالانتحار ولكنه لا يستطيع أن يفعلها بنفسه ، لان ذلك قد يتّرتب عليه ضرر نفسي أكبر على أهل الضحية ، فيتعجب كارول و يقول كيف لشخص لديه زوجة و أطفال و أموال و يفكر بالانتحار ؟! ، وأثناء تلك الليلة يتصل على زوجته السابقة ليجدها مع شخص أخر تعمّدت هي أن تسمعه صوته اثناء مُمارسة الجنس ، مما يؤثر بشكل كبير على نفسيته بل أنه قرّر الإحتفاظ بعُملة الهاتف لكي تذكره بهذا اليوم السيئ بالنسبة له .

ينجح كارول  بشكل غير شرعي بالعودة إلى بولندا حيث يُسخّر كل قدراته مـن أجل أن يجمع القدر الكافي من المال لينتقم من زوجته التي أحبّها بالرغم أن تفكيره منحصر على الانتقام منها ! ، بل أن انتقامه بالأساس يهدف منه أن تعيش زوجته السابقة الألم الذي عاشه عندما كان يحبها .

كيشلوفيسكيهُنا يصنع هالة من الغُمُوض حول شخصيته الرئيسيّة ، ويحوّلها من زوج عاجز جنسيّاً ، فاشل ، لا يستطيع ان يُحب زوجته ، رجُل سقط في الفراغ والذُل ، الى انسان ينتفض من غُبار اليأس والهزيمة ليصل الي الهيبة والثروة ، ويسعي الي الانتقام ، رجُل حوّله الانتقام الي وحش فاسد لكنّه يدمع عندما يرى امرأته الخائنة خلف القُضبان لأنّه يعلم انّها - رغم كُل ما حدث - هي السبيل الوحيد ليعود انساناً ، وكالعَادة في غُمرة ما يُقدّمه ، كيشلوفيسكيينتقد بولندا ونظامها الاقتصَادي في سخريّة خفيفة ، ولا يهتم بالتحليل وانّما يكتفي بالتقديم فقط .
 
كيشلوفيسكييصنع مَلحَمة سخيّة في العطاء ، مُشرّد يعزف الموسيقي يتحوّل الي رجُل أعمال مُحترم ، هروب ثُمّ نجاح ، ثم انتقام ، كيشلوفيسكيهُنا يُعلّمنا درساً  مُهمّا "الحياة صعبة جداً".

على صعِيد الصُورة فالفيلم مغمُور بالبياض ، المترو ، التماثيل ، الأرضيّات ، الثلج ، والبياض هُنا يُوحي بالفراغ ، الفراغ الذي يهوي فيه كارولوتهوي فيه ذاكرته لكنّه يتشبّث بها ، أداء عظيم من جوليديلبيو زاماكوفسكي، واحد من اشهر مُمثلي بولندا في ذلك الوقت .

Coming Home

$
0
0
كتب :مصطفى فلاح

التقييم :3.5/5

بطولة:غونغ لي ، شن داومينغ
إخراج :جانغ يمو (2014)

ليس غريباً أن كل من يعمل في مجال الفن سيجد في الحكايات التي يرويها زانغ ييمو - أحد أبرز مؤسسي جيل السينما الخامس و أكثرهم تأثيراً , و منها هذا الفلم المعنون بأسم مُغاير لأقتباسه رواية (غلينغ يان) أخرى, كما هو حال سابقه المُمتدح The Flowers of War- شيئاً ملهماً له ، العمل يمثل عودة الماستر الصيني , في منتصف عقده السادس , لأصول ما يُجيد التحدث عنه قبل فترة التّلون الصنفي منذ مطلع الألفية الحالية ؛ قد يبدو كونه (العمل) هرم السن , لكنه يمتلك الكثير من روح ييموالفتية الثائرة و نهجها الخافت في الإقتصاص من العقد الماوي )نسبة الى ماوزيدونغ) الأحمر !

يمكننا القول أن الفلم يبتدأ حيث أنتهى عقد عائلة (فوغوي) الثالث في رائعته To Live، أي الفترة اللاحقة للإنقلاب الثقافي في صين منتصف الستينية / السبعينية و أثرها , كما جاء على لسان ييمو في الرائعة المذكورة , "لم تترك عائلة غير متضررة في الصين المليارية"، عن تلك الزوجة التي انتظرت عودة زوجها الحبيس مطولاً , حتى فارقتها صورته و أصبحت جزء من ماضٍ أندثر , لكنها ما زالت تنتظر عودته حتى بعد أن عاد ! ، هدف الفلم أبعد من حدود المثلث الذي يرسمه (الزوج , الزوجة،الأبنة) , يحمل سر الوصفة التي تجمع بين مرارة طعم الفراق و شقاء اللُقى بعد غياب , عن علاقات انسانية شوهتها الثورة و صلات عائلية أحرقتها في أفران أهدافها المشوهة .

الفلم يمثل أيضاً عودة ألتحاق ييموبنجمته الأثيرة غونغ لي , أحد أبرز ثنائيات السينما الصينية , ليروي قصة يجب أن تروى بالشكل الدرامي الذي رواها به , أن يضيق عليك جدران الغرفة كي لا تستطيع الفرار و يضطرك مُشاركة بطلي العمل سجنهما الوجودي للأبد ؛ الإختيار المدروس لكادرات الصورة و التوظيف المثالي لمحيطها يُضفي نعومة صادقة و عاطفة مُكتسبة تُقلص من تراجيدية الحبكة و تجعل من تعاطفك معها أمر مفروغ منه .

مع وصف البعض لجيل السينما الرابع بالمُتضرر الأكبر من الثورة , و وصفهم أعمالهم بكونها أكثر انسانية و نفاذاً الى روح الطبقة المُعاصرة للحقبة ؛ ألّا أن الرابط الخفي الذي يجمعه ييموو كايجي - أباطرة الجيل الخامس - بين واقع بلاد غريبة عنك و مراحل تاريخها المُختلف بقص الشريط الذي ينهي حقبة ليبتدئ بأخرى , بين سلخ جلد و ارتداء آخر , و بين ضمان أيدلوجية الصناعة و رؤية الصانع , جعلت من أعمالهم أكثر قدرة على وصل الداخل بالخارج ، روح الأنسان بالكون الذي يُحيط به !

Moulin Rouge!

$
0
0
كتب :أحمد أبو السعود

التقييم :5/5

بطولة :نيكول كيدمان ، يوان مغريغر
إخراج :باز لورمان (2001)

أول ما ستلاحظه و تنجذب إليه عين المُشاهد فى تحفة باز لورمانهذه - سواء أعجبته أم لا - هي الزخم و الإبهار البصري و اللوني الغير معتاد حتى بالنسبة لهذه النوعية من الأفلام ، هذا شيء طبيعي و منطقي فلورمانلا يُخفى تأثره بالسينما الهندية بما تحتويه من استعراضات و ألوان و بهرجة بصرية ، لكن ما الذى جعل من هذا الزخم و الإبهار شيء خالد و عظيم ؟

يبدأ الفيلم بلقطة يغلبها طابع سوداوي لشوارع باريس، نرى الوجوه كئيبة لا تنبض بأي حياة ، بعدها بلحظات نعود بفلاش باك إلى نفس الشوارع ثانية و لكن بطابع مٌبهج و نابض بالحياة هذه المرة ، يختار لورمانلقصة فيلمه البسيطة الوقت و المكان المناسبين تماماً ، نهاية قرن و بداية قرن جديد ، ثورة بوهيمية تغزو العالم ، ثورة تقدس و تتنفس شعارات الحرية و الجمال و الحقيقة و الحب ، و لدينا بطل يقرر أن يغادر إلى القرية التي يرى فيها تجسيداً بارزاً لتلك المبادئ مع العلم أنه لم يخض أي تجارب فى حياته ،  في اللقطتين السابق ذكرهما نرى فيهما نفس الوجوه و الشوارع ، حيلة بصرية ذكية جداً لتوضيح طابع تلك الفترة الزمنية المميزة ، و تمهيدة قوية للشكل البصري و المأساوي الذى سينتهى به الفيلم .

نعود للشكل البصرى المُبهر الذى تبناه الفيلم ، الفيلم في النهاية عبارة عن ميلودراما رومانسية بسيطة تنتهي نهاية مأساوية ، يضخ باز لورمانكل الألوان الممكنة على شريط الصورة بالشكل الذى يليق بفيلم ميلودرامي اعتماده في الأساس على تضخيم المشاعر و رسم شخصيات تتعايش في إطار خاص بها ، نلاحظ طبعاً انتشار اللون الأحمر في الفيلم ، من الممكن الإشارة بهذا اللون إلى الكثير من المشاعر المتناقضة من الشهوة إلى الحب إلى المرض إلى الثورة إلى الغضب إلى الغيرة ، على سبيل المثال الفستان الأحمر الذى ارتدته ساتينأول مرة لمقابلة الدوق ، اللون هنا في البداية يُشير إلى الشهوة و الإغراء ، عندما يحدث سوء التفاهم و تنفرد ساتينبكريستيانبدلاً من الدوقلا نراها معه بالفستان في إشارة إلى انتفاء غرضه في البداية ، ثم يتعاظم المشهد - كحال الفيلم بأسره - إلى مقطوعة موسيقية يتغنّى بها كريستيانو هنا يظهر الأحمر ثانية بقوة كإشارة إلى انطلاق شرارة الحب بينهما ، تعود ساتينبعد ذلك إلى ارتداء الفستان ثانية و تقدم مع كريستيانالمقطوعة الموسيقية التي تنطلق بها قصة حبهما العظيمة ، الميلودراميات العظيمة تستغل الألوان والإضاءة بطريقة تخدم و تُظهر مشاعر أبطالها البسيطة حتى لو وصل الأمر إلى درجة الإسراف في استخدامهما ، لنا طبعاً في العظيم دوجلاسسيركالمثل الأقوى و الأعظم على ذلك ، البراعة في استخدام الألوان سينمائياً في العموم هي استخدام نفس اللون للتعبير عن مشاعر مختلفة و متناقضة حتى و إن كانت في نفس المشهد بطريقة تصل بالطبع إلى الجمهور و تُحدث لديهم التأثير  المطلوب ، تصل درجة البذخ اللوني إلى الذروة في الاستعراض النهائي ، فهو بطبيعة أجواءه الهندية يتم فيه ضخ كل ما هو ممكن من ألوان : أزرق ، أحمر ، أبيض و غيرهم ، بدرجات متباينة و بمزج ينتج عنه أشكال لونية أخرى ، درامياً يحفل هذا الاستعراض بالكثير من التحولات و التصاعدات و لا يمكن بأى حال من الأحوال فصل تتابعات الاستعراض نفسه عن تصاعدات الدراما نفسها وصولاً إلى ذروتها بموت ساتين ، تشابكات الألوان و الإضاءة هنا تصل إلى درجة التعقيد مع الحدة في تحولات المشاعر ، النسق اللوني المُكثّف هنا لم يكتفى فقط بالارتباط بميلودرامية القصة نفسها ، بل كان له تأثيراً قوياً في تحقيق أسلوباً استعراضياً غنائياً انفرد به الفيلم ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال فصل ما تراه عيناك عما تسمعه أذناك بطريقة تجعل مخيلتك راضية تماماً عما شاهدته .

يعتمد باز لورمانبصرياً على أسلوب غير معتاد في الأفلام الغنائية ، فإلى جانب تكثيف الألوان و كثرتها ، تأتى التتابعات الاستعراضية و الغنائية هنا بإيقاع لاهث يحبس الأنفاس ، فهو أولاً يقدم تلك المقاطع في هيئة لقطات كثيرة و قصيرة زمنياً و بزوايا تصوير مختلفة ، ثانياً يضخ فى تلك اللقطات أطنان من التفاصيل اللونية و الحركية تجعل معها المتابعة شيئاً ممتعاً و مثيراً و به كمية من الأدرينالين لا بأس بها ، ثالثاً يجعل محاولة تفكيك تلك التفاصيل عبارة عن إعادة مشاهدة تمتص من المُشاهد نفس المجهود الممتع الذى تابع به المُشاهدة الأولى ، رابعاً جميع استعراضات الفيلم و أغانيه بها قدر عالي من التعقيد على مستوى التخيل و التنفيذ فمساحات الأماكن محدودة و التفاصيل كثيرة ، هذا كان واضحاً بشدة منذ بداية الفيلم ، و مع أول دخول لنا في المولانروج، حيث يستعرض زيدلرو فتياته كل ما يمكن أن يحدث داخل ذلك الملهى ، ذلك التتابع مرهق فعلاً ؛ مرهق في تخيله و في تنفيذه و فى الاستمتاع به ، كأنك محبوس داخل مصعد صغير مع فرقة سيرك كاملة كما قالروجر إيبرتفى مقاله عن الفيلم .

على شريط الصوت هناك نغمات موسيقية متواصلة لا تنقطع سواء كانت تلك استعراضات و أغاني أو كانت فواصل موسيقية بين المشاهد ، لا يلتزم لورمانإطلاقاً هنا بطبيعة الحالة الموسيقية في تلك الفترة و لا حتى يُقدم أغاني مكتوبة خصيصاً للفيلم ، هو يلتزم فى النهاية بمبادئ الثورة البوهيمية حيث التحرر من كل ثابت ، فلا غرابة إذاً أن يستعين بأغاني بوب مثلاً من الثمانينات و يقدمها بأصوات ممثليه بل و يتحكم في إيقاع و حالة تلك الأغاني بطريقة تخدم فيلمه و أسلوبه ، بل و يستعين بمغنية مثل كيلي مينوجلتقديم فاصل غنائي قصير عن شعارات الثورة البوهيمية ، كل ذلك أضاف في النهاية على شريط الصوت سحراً فريداً يمتلئ بالتفاصيل الموسيقية و الغنائية .

حالة التحرر تلك من السهل ملاحظتها أيضاً فى السيناريو ، السيناريو مُعتمد بالكامل على الارتجال و الصدف كطريقة لتفاعل الشخصيات مع بعضها و كطريقة لتطور الأحداث بعد ذلك ، حتى استعراضات و أغاني الفيلم بأكملها تقريباً مُرتجلة ، كالاستعراض الذى خدعوا به الدوق كي يُقنعوه بتمويل مسرحيتهم ، و استعراض "مثلالعذراء"و الذى يوضح تماماً طبيعة الارتجال كطريقة تُستخدم لتحقيق شكلاً فنياً مميزاً لا ينفصل عن تطور الشخصيات و تصاعد الأحداث ، أو استعراض روكسانالذى يلخص بالكامل فلسفة الحب و الجسد التي يقدمها الفيلم ، و حتى الاستعراض الهندي الأخير آلت به الأمور في النهاية إلى الارتجال بعدما جدّ فى الأمور جديد ، حالة الارتجال تلك كما منحت الفيلم تحرراً مقصوداً مناسباً تماماً لطبيعة الفترة و طبيعة الشخصيات التي تعيش بأكملها فى نظام عشوائي فوضوي ، فهي أضفت عليه أيضاً تدفقاً حميمياً و جميلاً للمشاعر و لقصة الحب التي ستنتهى نهاية تراجيدية حزينة كما يُخبرنا الفيلم في بدايته .

مثل تلك الأفلام تمنح ممثليها فرصة جميلة و قوية للتألق ، نيكول كيدمانهنا - كما يقولون عن شخصيتها داخل أحداث الفيلم - الماسة المتألقة - كانت بالفعل ماسة متألقة ؛ ترقص و تغنى و تمثل ، تنتقل برشاقة غير معهودة بين تقلبات الشخصية من غانية تبيع جسدها لمن يملك مالاً أكبر لامرأةٍ تكتشف أن بإمكانها أن تصبح بطلة في قصة حب عظيمة لراقصة كانكانتحاول أن توازن بكل ما تملكه من حيل بين طموحها كممثلة و بين التنازلات التي عليها أن تقدم و بين قصة الحب التي لا تملك إلا الاستسلام لها طواعية ، أداء عظيم و نادر يليق بممثلة من الطراز الرفيع ، و من الظلم بالطبع عدم الإشارة إلى تميز باقي الممثلين و الكيميا و التناغم المذهل بين الطاقم بأكمله بما فيهم الراقصين و الكومبارس .

بالنسبة لشخص يعشق الأفلام الغنائية ، يُمثل هذا الفيلم بالنسبة لي قطعة فنية غنائية تُضاف بكل ثقة إلى كلاسيكيات الغنائيات العظيمة ، و كما قال روبرت وايزصاحب
West Side Story- أحد أعظم أفلام الصنف - أن مولان روجأعاد اختراع الأفلام الموسيقية .

Flowers of Shanghai

$
0
0
كتب :فراس محمد

التقييم :4/5

بطولة :توني ليونغ ، ميتشيكو هادا
إخراج :هاو شو شن (1998)

بالرغم من ان مشاهدة هذا الفلم ليست بالسهلة , لكن مشاهدته ذكرتني بالطريقة التي قدم فيها المخرج الصيني الكبير (كيج تشين) مشهد أول استعرض للمسرح الغنائي الصيني في أميركا بفلمه الكبير Forever Enthralled، حينما بدأ العرض الجميع ظل صامتاً (على عكس ما كان يحدث حين افتتاح العرض في الصين، الجمهور الصيني يتفاعل بسرعة مع العرض المسرحي الغنائي) , في أميركا الجميع ظل صامتاً , المسؤولين عن ادارة المسرح ظنوا أن العرض قد فشل , ولكن بعد انتهاء العرض نهض الجمهور الاميركي مصفقاً ومهللاً للعرض , حينها اعلن نجاح العرض الاول في اميركا .

هذا الفلم يبدو كذلك , لا يمكن ان تصفق بحرارة لما شاهدته إلا بعد ان تكمله للنهاية , فالسبب الرئيسي الذي يجعل المخرج التايواني هو هيشاو هوشينواحد من أكثر المخرجين الأسيويين احتفاءً في اوروبا ومهرجاناتها هو انه قادر على ايصال مشاهديه لعوالم غير مسبوقة , يأتي بقصص واجواء غير مألوفة في اوروبا أو اي مكان آخر , يدخلهم عالم تراثي مدهش بغرابته , مثير للفضول وللسحر وهو يعرف كيف يخلق هذه الاجواء التي اساسها ضوء الشموع (في هذا الفلم) , الرجل اعاد انتاج فترة زمنية لم تدخلها الكاميرا من قبل , أجواء بيوت الدعارة قبل ما يزيد عن المئتي عام , تصويره لقواعد العلاقات الانسانية في ذلك الزمن , حيث كانت فيه بيوت الدعارة لا تقل احتراماً عن اي مجال عمل آخر , بل أنه بدا لصفوة المجتمع ونخبته المخملية , قدمها وكأنها شيء يمكن اختصار تلك الفترة الزمنية به , انسانياً وثقافياً واجتماعياً , بخلفية شمعية مدهشة اعطت اجواء دافئة وحميمية .

الفلم الذي اعاد تقديمه مرة اخرى عام 2003 على شكل فلم قصير ضمن فلمه المتعدد القصص والذي يتناول مفهوم الحب واختلافه باختلاف الزمن Three Timesيشبه إلى حد ما الفلم الذي قدمه الفرنسي بيرتران بونيللوعام 2011 House of Pleasures, وهو الآخر يظهر كيف تغير مفهوم المتعة , وكيف تحولت فكرة (فتاة المتعة) بين الماضي والحاضر، كلاهما فك الارتباط بين الاخلاق وبيت الدعارة في الماضي حيث انهما لا يتعارضان بسبب القواعد الصارمة المعمول بها , بونيللوذهب في نهاية فلمه لتصوير مدى انحطاط الاخلاق الذي رافق هذه المهنة والذي سببه انحطاط الاخلاق العام , بينما هيشاولم يفعل , لأنه اراد ارتباط فلمه بذاك الماضي  ، الحاضر يلوث خصوصية تلك الفترة .


La Jetée

$
0
0
كتب : عماد العذري

التقييم :5/5

بطولة :إيتيان بيكير ، جان نيغروني
إخراج :كريس ماركر (1962)

بعد بضعة أعمالٍ وثائقية و عملٍ رسوميٍ قصير قرر كريس ماركرتقديم عمله الروائي الأول و الذي أصبح مفخرته السينمائية لاحقاً ، و بالرغم من أنه كان مشروع فيلمٍ قصير إلا أن ذلك لم يتح له مع ذلك الحصول على الميزانية الكافية لإنتاجه ، كل ما حصل عليه كان كافياً لإستئجار كاميرا تصويرٍ سينمائيٍ لبضع ساعاتٍ فقط ، التقط صورةً متحركةً واحدة و قام بإنشاء بقية فيلمه بصورٍ التقطها بكاميرا فوتوغرافية ، لكنه منح السينما - بالرغم من ذلك - كلاسيكيةً تستحقها.

 جاء الفيلم في ذروة الحرب الباردة و في فترةٍ كانت فيها الموجةالفرنسية الجديدةحديث السينما في فرنسا ، كان كريس ماركريغرد بمفرده بالرغم من علاقته الجيدة بمخرجي الموجة و اعتباره جزءاً مما عرف بـ (الضفة اليسرى) رفقة آلن رينييهو آنييس فارداو آخرين ، مارس التجريب كثيراً و أطفأ ولعه السينمائي – الذي جاء في الأساس من حسه الصحفي – من خلال وثائقياته الكثر التي جعلته ربما أبرز مخرجي ما يعرف بـ (المقالة السينمائية) و التي تمزج التوثيق بالرؤية الشخصية مستثمرةً التجريب السينمائي و الحيل المونتاجية .

في الفيلم يتتبع ماركررجلاً مجهول الإسم يتحول إلى فأر تجارب في المستقبل القريب بعد حربٍ عالميةٍ ثالثة ، يخضع لعملياتٍ متكررةٍ في السفر عبر الزمن نحو الماضي و المستقبل من أجل انقاذ الجنس البشري في الحاضر المظلم الذي يعيشه ، لكن وقوعه في حب امرأةٍ غريبةٍ شاهدها في ماضيه يجعل من التجربة شيئاً مختلفاً .

نص الفيلم فيه شيءٌ من روح كافكا، التشاؤم و العبث و بعض العدمية ، غير مهتمٍ في عمقه ببعد الخيال العلمي و ان انتمى اليه تصنيفياً ، لا يحاول تقديمه علمياً أو جعله منطقياً ، نحن حتى لا نستوعب تماماً آلية السفر عبر الزمن التي يقدمها و التي تبدو ذهنيةً أكثر من كونها جسدية كما هي عادة التعامل مع الفكرة ، يقول شيئاً مهماً عن الذاكرة و قيمتها في تكوين الإنسان ذاته ، الذاكرة هنا هي خلاص بطلنا و موته في آن ، هي ما يعيش بعد كل شيء ، هي الشيء الحقيقي الذي يبقى ، غرفة نوم حقيقية ، أطفالٌ حقيقيون ، طيورٌ حقيقيةٌ ، قطط حقيقيةٌ ، مقابر حقيقية ، الذكرى هنا هي صورةٌ حقيقيةٌ لشيءٍ حقيقيٍ يبقى معنا و يشغل جزءاً من كياننا القائم على تسلسلٍ لا ينتهي من الذكرى ، الذاكرة هي كل شيء ، مثل متحف الحيوانات القديمة الذي زاره مع امرأته ، كل شيءٍ شاهده هناك كان حقيقياً ذات يوم ، تماماً مثل تلك الصورة التي احتلت ذاكرته منذ طفولته و التي يبعثها من رمادها في ختام الفيلم ، هذه الحكاية بحد ذاتها تستطيع أن تفسر لنا مقدار التأثير الذي يمتلكه الفيلم على عددٍ كبيرٍ من أفلام الخيال العلمي و على جميع الأفلام التي استلهمت فكرة السفر عبر الزمن التي جاءت بعده ، (الصورة / الذكرى) تكون على رصيف مطارأورليفي باريسقبل سنواتٍ من اندلاع الحرب ، صورةٌ من الطفولة لإمرأةٍ شاهدها بطلنا هناك ، صورةٌ رفضت مغادرة ذاكرته بعد كل تلك السنوات السوداء ، لم يعد يعلم على وجه الدقة هل كانت صورةً حقيقيةً أم شيئاً ابتدعه عقله رداً على كل ما شاهده ، كل ما يتذكره هو وجهها و صراخ الناس على رصيف المطار عندما شاهدوا أمامهم رجلاً مقتولاً ، بطلنا يدرك في ختام الفيلم عندما يقرر الإنتقال إلى الماضي – للبقاء بجوار المرأة التي أحب و التي لم تفارق صورتها ذاكرته لسنوات – أن ذلك الرجل المقتول على الرصيف كان هو ، قتل من قبل رجال الحاضر الذين جندوه لمهمتهم العلمية ، قتل في ذات اللحظة التي لم تفارق ذاكرته : وجه امرأة و هدير طائرات و صراخ جموع و رجلٌ يهوي على الأرض ، الحكاية متاهةٌ تأثرت بها معظم الأفلام التي تناولت السفر عبر الزمن بعده ، السفر الجسدي فيها يمنحها تعقيد حكاية The Terminatorو Looperحيث يموت البطل في زمنٍ يسبق الزمن الذي وصل إليه فعلاً ، و السفر الذهني فيها – و هي صورةٌ واردةٌ مع عدم وجود دليلٍ ملموس على انتقالٍ جسدي - يجعله و كأنما يموت في ذاكرته ، قتلٌ لـ (الذكرى / الكينونة) كمدخلٍ لقتل الجسد ، قتلٌ للصورة الوحيدة التي بقيت له ، و التي هي في الوقت ذاته صورة القتل ذاته !

و بالرغم من الاثر البالغ الذي خلفته الحكاية ورائها على صنف الخيال العلمي كله ، إلا أن العمل قائمٌ على اخراج كريسماركربطريقةٍ تفوق المتوقع ، النص لا يكاد يكون شيئاً ذا قيمةٍ على الورق ، ماركريخرج منه أعظم ما فيه ، يجرب ، لكنه ينتج عملاً من أسرع الأعمال التجريبية ردماً للهوة بينه و الجمهور ، يغمرك بالحكاية و الجو و النبرة لدرجةٍ تنسيك في الواقع أنك تشاهد – على مدار 28دقيقة كاملة – ألبوم صور ! ، لقطةٌ متحركةٌ واحدة لإمرأةٍ تستيقظ من النوم ، لا حوار حقيقي ، همساتٌ متناثرة بالألمانية و الفرنسية ، و صوت راوي ، هذا كل ما احتاجه كريس ماركرليصنع كلاسيكية ، إحساسنا بالمراحل الزمنية الثلاث عظيم و يفوق ما يمكن الحصول عليه بأدواتٍ كهذه ، الحاضر مؤلم ، كابوسي ، مخنوق ، شيءٌ قادمٌ من حقبة المقاومة ابان حكومةفيشي، و المستقبل يبدو قادماً من فانتازيات ما وراء المجرة ، و الماضي حالمٌ ، منسل ، فيه كل ما نحب ، احساس اليوم الأخير فيه حقيقيٌ جداً و يصل كما يراد له ، الصورة التي يقدمها لنا ماركرتحكم احساسنا بذاكرة البطل ذاتها و رحلتها الإدراكية ، سوداوية الحاضر و جمود المستقبل يدفعانه – بصرياً – لإدراك قيمة الماضي الذي جذبه من خلال صورةٍ حفرها في ذاكرته ، مسألة الصور هنا و بالرغم من أنها حُكمت بالظروف الإنتاجية إلا أن ماركرجعلها تضرب في صميم عمق الحكاية عن الذاكرة التي تقوم على (صور) ، التعبير هنا عن المعنى من خلال صورٍ غير متصلةٍ بصرياً يجعله يستفز عقل المشاهد لملء فراغات الإتساق البصري بين صورةٍ و أخرى لتشكيل المعنى المطلوب ، شيءٌ مشابهٌ لتجربة بطله ذاتها حيث استفزاز العقل و الذاكرة لجعل (مجموعةٍ من الصور) (تجربةً حقيقيةذات معنى) ، كان سيرجي إيزنشتين ليكون سعيداً جداً لو امتد به العمر ليشاهده .

The Hour of the Furnaces

$
0
0
كتب : خالد إبراهيم

التقييم :4.5/5

اخراج :أوكتافيو جيتينو ، فيرناندو سولاناس (1968)

"الاسم : ضحية ، اللقب : مُهان ، الحالة : ثائر"

الأفلام التحررية غالباً تُنتج من بلدان قد تحررت بالفعل ، في "ساعة الأفران"نجح أوكتافيو جيتينوو فيرناندوسولاناسفي إنتاج مانيفستو تحرري في بلد لم يكن قد تحرر بعد ، فكان صنع الفيلم الوثائقي – ومشاهدته حتى – جريمة في بلد نظامه ديكتاتوري ، لكن تلك الجريمة أصبحت مُسكِّن ومُحفِّز لأي ضمير حي ، بالنسبة لي هو أقرب لمقال ضخم تم مضاعفة قوته الأسلوبية عندما تحول إلى صورة ، درس في محاولة إعادة تأريخ للماضي – حيث "أننا تعلمنا تاريخاً مغلوطاً"– ومحاولة إيجاد طريق المستقبل.

"عملية تحرير كل بلد دائماً ما تكون حدث فريد .. اختراع"

لا يوجد شيء لم يستخدمه الأثنان في صنع ملحمتهما الغير قابلة للتكرار ، تفاصيل أمريكا الجنوبية قبل وبعد الثورات والإنقلابات ، الأرجنتينقبل وبعد "بيرون"، مظاهر البلد الحضارية و"اللاحضارية"، الموسيقى الكلاسيكية والعصرية والمحلية ، صور شديدة القرب لوجوه انهكها الجوع والمرض ، رسوم توضيحية لأحداث تاريخية ، لقطات أرشيفية ونشرات أخبار ومقابلات تليفزيونية ، بالإضافة إلى زخرفة الفيلم بالأشعار وبمقولات زعماء الحركات التحررية في العصور المختلفة .

"من يختار موته يختار بذلك حياته"

بعد بحث مضني عما يصلح للمادة الفيلمية ، ثم تنقية ما تم جمعه – وهو كثير – كان لدى الأرجنتينيين الحس الفني لتوظيف ما تبقى وتحرير "النوتة"التي جعلت من الفيلم أيقونة هامة في تاريخ السينما الثورية والوثائقية ، فالكل يعرف النغمات لكن البعض يستطيع العزف ، المهم أن مقدار جمال الفيلم يتجاوز مدى الاتفاق والاختلاف السياسي ، مقدار الجمال يجعل الفيلم حتمي المشاهدة لكل شغوف بالسينما ، مانحاً محبي النظريات البنيوية والتفكيكية متعة ذهنية لا تضاهى .

"القدر .. المصير .. الخلود ، مصطلحات تم استخدامها لتبدو مسؤولة عن حالة سببها الطبقات الحاكمة"

الفيلم تم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء ، الجزء الأول : "الاستعمار الجديد والعنف"يناقش حال الأرجنتين وأمريكا الجنوبية بصورة عامة بعد التحرر من الاستعمار الخارجي والوقوع في قبضة الاستعمار الجديد بشقيه ، الاقتصادي الخارجي والاستبدادي الداخلي ، الجزء الثاني : "فعل تحرري"مستعرضاً الأرجنتين خلال المرحلة "البيرونية"وما بعدها ، ظل هذا الجزء محل جدل واعتبره البعض نقطة ضعف للاختلاف حول شخص "بيرون"وسياسته ، بينما الجزء الثالث : "العنف والتحرير"يبحث عن الطريق إلى مستقبل حر لابد من أن يكون العنف أحد مراحل مخاضه .

"لا يمكن أن تحدث ثورة وطنية بدون ثورة اجتماعية مصاحبة"

المثقفان الغاضبان لا يعتقدا أن الأفكار "الفضفاضة"الواردة في الفيلم تقدم حلاً ، ولكن يمكن اعتبارها بمثابة أفكار قد تكون مفيدة للبلدان التي لم تنل حريتها بعد ، والحرية – كما يراها الرجلان – هي حرية من الاستعمار الخارجي والداخلي ، استعمار يلجأ لكافة أساليب السيطرة العسكرية واللاعسكرية كالقروض ووسائل الإعلام وتخريب الضمير الوطني .

"الأطفال تموت بسبب سوء التغذية كل سنة بمعدل أكبر من ضحايا هيروشيما وناجازاكي"

بعد لقاءه بالمخرجين خرج "جودار"بتصريح يُفرِّق بين الأفلام ، حيث يقول أن أثناء مشاهدة الأفلام الإستعمارية تكون الشاشة مجسدة لصوت الزعيم المغري القامع ، أثناء مشاهدة الأفلام المُحرَّفة تكون الشاشة صوت عالي مُفوَّض من قِبل الناس لكنه لم يعد صوتهم حيث يظلون في الظلام ، بينما أثناء مشاهدة أفلام المناضلين تصبح الشاشة سبورة أو حائط مدرسة يوفر تحليل صلب لموقف صلب .

مقولة "جودار"هي ما طبقه جيتينووسولاناسفي فيلمهما بأن تركا "فعلياً"مساحة من وقت الفيلم حتى يناقش المتفرجين الأفكار ، أفكار المتفرجين الشخصية مع أفكار لا نهائية تم عرضها في الفيلم بالإضافة إلى أفكار بالتأكيد تم استلهامها منه ، فيتأثروا ويؤثروا في العالم حولهم ، الفيلم أعجب وألهم كذلك الفرنسي العظيم "كريس ماركر".

"رجل يبعث من الموت ، فيحب الحياة للدرجة التي قد يجازف بحياته كي يحيا تلك الحياة" - جيفارا

Nebraska

$
0
0
كتبت :فاطمة توفيق

التقييم :4.5/5

بطولة :بروس ديرن ، ويل فورتي ، جون سكويب
إخراج :أليكساندر باين (2013)

في البداية ، لن أتحدث عن الفيلم ذاته بقدر حديثي عن آليكساندر باين، وروح آليكساندر باينالتي تظهر بقوة خلال هذا الفيلم ، فمنذ البداية نشاهد (وودي) الذي يسير من أجل تحقيق حلمه ، ومع بداية الفيلم ستتذكر وارين شميتمنAboutSchmidt، و بولو جاكمنSideways فكلهم شخصيات أخرجها لنا باين عن أناس يسعون لرحلة يحققون من خلالها أحلام يريدونها .

ومن خلال بداية الفيلم أيضاً ستتذكر وستتعرف من جديد على تلك الألفة التي يخلقها باينمنذ بداية أفلامه بين شخصياته وبين المشاهدين لأفلامه ، وفي الحقيقة فكرت كثيراً في سبب هذه الألفة ووجدت أن باينيتحدث في أفلامه عن الأشخاص الذين بسهولة يمكن تسميتهم بالـAverage people ، شخصيات متوسطة ، فهي شخصيات في الغالب تشبه من يشاهدونها ، يحاولون فقط السيطرة على حياتهم والرغبة في تحقيق أحلام قصيرة المدى ، وأيضاً ما يجمع شخصيات الأفلام الثلاثة التي ذكرتها هنا هو القيام برحلة ما بعد الانتهاء من رحلة طويلة في الحياة ، فـ (شميت) و (وودي) قد وصلا لسن متقدم ، فقَدَ شميت فيها زوجته وفقد ووديفيها تقريباً كل ما يستمتع به ، بينما في Sidewaysكانا بولوجاكوصلا لمنتصفي أعمارهما بدون تحقيق شيء يذكر ، والأهداف التي أرادوها جميعاً من رحلاتهم التي ينوون القيام بها في بداية كل فيلم هي أهداف بسيطة ، في العادة يسهل تحقيقها ، ولكن هل الأمر بالفعل يتمحور حول تلك الأهداف ؟

الرحلات التي يخلقها باينلشخصياته في حقيقة الأمر هي تحريك للمياه الراكدة ، للتعرف على النفس أكثر حتى وإن لم يقصد أصحابها ذلك ، تتغير الخطط كثيراً وتنأى عن أهدافها وتمتلئ بخيبات الأمل ، ولكن باينيخبرك دوماً من خلال أفلامه أن الحياة تستمر ، لا تتوقف عند شيء ، تعوضنا أحياناً كثيرة بما هو أطيب أو أجمل مما كنا نريده ، ربما أقل جموحاً إلا أنه الأنسب والأكثر تفهما لطبيعة شخصياته ولطبيعة الحياة عموماً.

إذا عدت بالحديث إلى نبراسكاتحديداً فسأقول أنه الأكثر ألقاً ورونقاً من بين كل أفلام باين ، فيلم متماسك يمتلك الكثير من العناصر القوية ، السيناريو وجَمعِه بين شخصيتين رئيسيتين متناقضتين ، مختلفتين في العمر ، وفي النظرة للحياة ، وعلى الرغم من أن ووديهو الأب وهو الأكثر سناً إلا أنه الأكثر جموحاً و طلباً وتعرفا على الحياة من ابنه ديفيدذو النظرة الذاتية القاتمة الراضية بالقليل جداً ، وخلق حوار بينهما كان في منتهى الجمال والذكاء ، بالإضافة لشخصيات أخرى كالأم التي أدتها جون سكويببمنتهى البراعة والأخ روسوهو بُعد ثالث مختلف تماماً عن وودي و ديفيد ، وكذلك تنوع باقي شخصيات بلدتهم القديمة ، أيضاً الرجوع للماضي من خلال المرور على البلدة والتعامل مع الماضي فيها كان ذكي و كوميدي و مؤلم ، التصوير و تغليفه بتلك الصورة ذات اللونين الأبيض والأسود فقط والتي ترمز للتناقض الذي تشاهده مع التركيز على ما يحدث للشخصيات أكثر وخلق لمسة من الحنين مع العديد من اللقطات التي تنظر فيها الشخصيات للكاميرا مباشرة وكأنها تواجه أنفسها ، وتواجهك أنت كمشاهد ، مع لمسة كوميدية قاتمة في الأمر ، كل ذلك مع الموسيقى الجميلة المعبرة والنابعة من تلك المدن الأمريكية التي هي ليست محط اهتمام اعلامي كغيرها من مدن أمريكا الرئيسية الممتلئة بالنجوم والمشاهير ولكنها - هذه المدن المنسية - ممتلئة بالكثير من الأشخاص المنسيين المغمورين الذين خدموا بلادهم كما يجب ولهم الحق في أحلام بسيطة أو حتى جامحة يحققونها.

بإمكانك أن تتخذ رحلة ووديوديفيدفي نبراسكا - ورحلات شخصيات آلكساندر باينفي باقي أفلامه - كرمز للحياة عموماً التي نسعى جاهدين فيها لتحقيق أحلام معينة فنحقق غيرها ، أو بإمكانك اتخاذها أيضاً كرمز عن أمريكا أرض الأحلام الموعودة إلا أن الأمور فيها ليست بتلك البساطة ، و لكن ، وفي كل الأحوال و أياً كان ما يقصده باينمن أفلامه يكفي تماماً الطريقة التي يخلقها لجعل الحياة تستمر ، الطريقة التي يعوض بها أبطال أفلامه عن خيبات آمالهم المتتالية ، يكفي جداً تلك الحميمية والألفة التي يخلقها بينك كمشاهد وبين شخصيات أفلامه فيجعلهم وكأنهم إنعكاس سينمائي لك ، أو كأنهم أصدقائك ليس فقط أثناء مشاهدتك للفيلم وإنما أصدقاء على المدى الطويل .

Three Colors: Red

$
0
0
كتب : محمد السجيني

التقييم :5/5

بطولة :إيرين جاكوب ، جان لوي ترانتينيان
إخراج :كشيشتوف كيشلوفسكي (1994)

الجُزء الثالث والأخير من الثلاثيّة (أحمر) هو فيلم عن الاخاء، هذه القيمة التي اختفت من مُجتمعاتنا ، يحاول كيشلوفسكيان يُقدّمها من خلال شخصيّات تتهدّم علاقاتها وتتقاطع في مجموعة من الصدف الغريبة ، فتاة تدعى فالنتين، في أحد الأيام و أثناء قيادتها لسيارتهَا تصطدم بكلب بالخطَأ ، يُصاب ببعض الجرُوح ، تتفقد الكلب لتجد عنوان صاحبه ، و أثناء وصولها لمنزل صاحب الكلب تجد أنه كبير بالسن و يبدو عليه الحزن و اليأس الواضح ، و حين تخبره بما حدث يُخبرها بأنه لا يهتم .

تُقرر الذهاب بذلك الحيوان إلى الطبيب البيطري ليقدم له المساعدة اللازمة ، بعد فترة يهرب ذلك الكلب و يعود إلى منزل صاحبه (الذي أرسل مبلغ المال الذي دفعته فالنتينمن أجل الطبيب بالبريد رغم حس البرود الذي أبداه لها في اللقاء الأول بينهما) و هناك تكتشف فالنتينأن هذا الرجل يجلس طوال الوقت في منزله و يتنصت على مكالمات جيرانه ، تهدد فالنتينصاحب المنزل بأنها ستبلغ عنه إذا لم يتوقف عمّا يفعله ، إلا أن هذا الرجل يقوم بتشغيل جهاز التصنت على أحد جيرانه(الذي يبدو فيه في مكالمة عاطفية من خلف زوجته) و يشير بيديه إلى منزل من يتنصت عليهم و يقول لها هيا أذهبي و أخبريهم بالحقيقة ! ، و لكنها بعد ذهابها إلى المنزل من أجل إخبار أصحابه عن ذلك التصنت تنظر إلى بنت صاحب المنزل الصغيرة و زوجته و تقرر عدم إخبارهم ، لماذا لم تخبرهم ؟ ، صاحب هذا المنزل المتصنت كان يعمل قاضيا ً و يبدو أن هذا العمل كان عِبئاً عليه في الماضي نتيجة لبعض الأحكام التي أصدرها ، فمُهمّة القضاة مهمة صعبة لأنها تُحدد مستقبل أشخاص آخرين و أي حكم خاطئ سيسهم بتوجيه مستقبل المتهمين إمّا بشكل إيجابي أو سلبي ، "هل سأجد في المحكمة قضاه مثلك ؟""انت لن تذهبي الى المحكمة لأن المحكمة لا تعرف البراءة! "، فيقوم احد الجيران بإلقاء حجر الى نافذته ويكسرها، فيقول لها "لو كنت مكانهم لفعلت نفس الشيء"، الشُعُور بالذنب هو من يجعلنا نسير بطريق الصحيح لو كنت مكانهم لسرقت ، لقتلت ، لفعلت أي شيء مما يفعلونه وهذا ينطبق على كل من حكمت عليهم ؟! ، فلمَ سأعيش وانا اشعر بأنني ظلمت الذين حاكمتهم ؟ ، مع الوَقت تستطيع فالنتينان تنتشل القاضي من عُزلته ، ولا نحتاج ان نتأكّد من ان القاضي و الفتى (اوجست) كل منهما صورة للآخر مع اختلاف الزمَن ، كلاهما درس القانون ، كلاهما تعرّض للخيانة , وكلاهما تجاوز اختبار التخرُّج بحيلة ما قدريَّة.

العمل عظيم جداً في بنائه للصداقة بين بطليه ، في ربط ماضي الشخصيات بحاضرها وبحياة المُحيطين ، سير القدر والامور العبثيّة ، الطرق علي وَتَر المُعاناة والتغيُّر والتناقض في نهاية العمل الصادِمَة ، نجد لقاءً بين من نجوا من غرق الباخرة ، جوليوصديقها من الازرق، فالنتينوأوجستمن الاحمر، دومنيكوكارولفي الابيض، ليسطر بذلك نهايةً كانت بمثابة الرواية التي تقطع انفاسك وانت تشاهد اجزاءها الثلاثة وتعود اليك الروح فور انقاذ تلك الشخصيات ، معزوفة النهاية هي واحدة من أكثر المشاهد التي أعدتها في مشاهداتي , وتظل بالنسبة لي عاصفة محببة , في ظل عدم القدرة أو عدم الاقتناع بالتغيير , والمُضي بين التسيير والتخيير ختاماً لآخر مُراجعاتي عن كيشلوفسكي، عُرض الفيلم في مهرجان كانفي مايو 1994، وصفّق له الحاضرون لخمس دقائق كاملة ، وأخبرهم الرجُل بعدها انه قال كُل ما يريده ، سيعتزل السينما ويمكث في ريف بولندا، يقرأ الكتاب المُقدَّس ويُدخّن السجائر في هدُوء ، وبعدها بعامين رحل كيشلوفسكيتاركاً لنا تراثاً سينمائيّا عظيماً باقياً في جوف الزمَن ، شُكراً كيشلوفسكيعلي كُل ما قدّمت .

Life Itself

$
0
0
كتب : مصطفى فلاح

التقييم :4.5/5

إخراج :ستيف جيمس (2014)

"أعتقد أن كل ما يجرؤ المخرج على طلبه من ناقد هو أن يتناول العمل بجدية، يتصارع معه بإخلاص , يكتب عنه - و يرد عليه – بوقار ، ليس مهماً أن (يعجب) الناقد بالفلم أو (لا يعجب) به , المهم هو أنه ينهمك فيه تماماً , مقدماً لإجاباته الإقناع , الشغف ، الذي يقدمه المخرج لصناعة الفلم ! ، (روجر أيبرت) كان هكذا و أكثر" - سكورسيزي

أجمل ما في هذا الفلم التوثيقي الرائع هو ليس تسليط الضوء على (أيبرت(النجم بل على (روجر) الأنسان الذي أصبح نجماً ! ، من النادر أن يكتسب أي ناقد سينمائي الشهرة التي أكتسبها حامل بوليتزرالنقد السينمائي الأوحد خاصة مع غياب الثقافة الفنية التي تمنح للناقد مرتبة تعادل ما يستحقه , و أن يكون تأثير الكلمات التي يسطرها في حق أي عمل يكتب عنه أكبر من تأثير العمل نفسه .

أيبرتكان أكثر من ذلك بالنسبة للصُناع و مُتتبعي الصناعة!  ، الراحل عن عالمنا قبيل أكثر من العام هو أحد هؤلاء (قلة) الذين قضوا حياتهم أمام شاشة السينما , وقعوا تحت وطأة السحر الذي تحمله , كرسوا لها أقلامهم، أحلامهم , و الجزء الأكبر من حيواتهم حتى!

أصرار إيبرت على جعل المُخرج الوثائقي حسن الأختيار و التنفيذ (ستيف جيمس) , المُمتدح من قبّل إيبرتعلى مدى العقدين الماضيين و صاحب رائعةHoopDreams التي تنتمي لملف مشاهداته العظيمة , المسؤول المباشر في توثيق حياته المهنية المُثمرة , اطلاعه على صندوق الأسرار الدفين لشخص يحمل من الصفات المُتناقضة ما يجعله لغز كبير لمن عرفه يوماً , و أخيراً ترك الكاميرا تلتف هذه المرة لاستدراك لحظات الفرح و الغبطة التي وهبته له الشاشة الكبيرة , لحظات السجال و التبار في الحديث عنها مع زميله جين سيسكلعلى الشاشة الصغيرة , و لحظات الأسى و مكابدة ألم عجزه عن مطالعة الأحلام مرة أخرى و الحديث عنها ، أمر جعل من العمل أشبه بمعركة أفكار , و من شخص إيبرتأنعكاس لأجيال ما برحت تحلم و تتحدث عن أحلامها!

لا يقتصر الفلم على مواد مؤرشفة : قصاصات صحف الشيكاغو سن تايمزو هو يرفع الإبهامين تارة و يخفضهما أخرى , صوراً فوتوغرافية ثابتة لعقود من علاقاته مع عظماء هذا الوسط , لقطات الأرشيف المصور لمهرجان الحدث الأكبر كل عام في )كان) الفرنسية ؛ بل يطعمها و يدعمها بعديد المقابلات مع الشخصيات التي أثر و تأثر بها , التي ساهمت بشكل مباشر و سواه في صقل شخص إيبرتالمتحدث بإسم السينما كتنوير لا بد منه و المُدافع الأغر عن كينونتها الرفيعة كفن، ثقافة , و فكر لا ينضب .

Viewing all 508 articles
Browse latest View live